أقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب مايكل آتكينسون، وهو المسؤول الذي عالج شكوى تقدم بها أحد المخبرين المجهولين في "وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية" CIA، التي كانت مسوغ محاكمته.
وكتب ترمب إلى لجنتي الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ في وقت متأخّر من يوم الجمعة لإبلاغهما بقراره قائلاً إن "من الحيوي" بالنسبة إليه أن تكون عنده ثقةٌ في رقابةٍ حكومية مستقلّة، وإنه "لم تعد هذه الحال في ما يتعلق بهذا المفتش العام".
وجاء أيضاً في الرسالة التي كتبها ترمب: "من المهم للغاية أن نعزّز الاقتصاد والكفاءة والفاعلية للبرامج والأنشطة الفيدرالية"، مشيراً إلى أن المفتشين العامّين مهمّون لتحقيق هذه الأهداف.
وبدا توقيت قرار الرئيس الأميركي انتهازياً بشكلٍ لا يقبل الجدل في أوساط منتقدي ترمب، لأنه حصل في وقت تشهد الولاياتِ المتّحدة نحو 7 آلاف حالة وفاة بسبب جائحة فيروس "كوفيد 19"، إضافةً إلى تشخيص نحو مئتين وخمسين ألف إصابة، وتزايد المخاوف حيال مشكلة تأمين المعدّات الطبّية ومجموعات الاختبار التي يحتاجها كثيراً العاملون في مجال الرعاية الصحّية، في ما يتعلّق بمحاربة الفيروس.
وسارع مسؤولو المعارضة "الديمقراطيّة" إلى شجب قرار الفصل. وفيما رأت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النوّاب الأميركي، أن طرد الموظّف "قد يردع جميع الراغبين في قول الحقيقة للسلطة"، واستنتج زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر أن ترمب "يقوم بطرد الناس لقولهم الحقيقة".
أما آدم شيف، العضو في الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا الذي قاد لجنة التحقيق في قرار العزل الذي اتّخذه مجلس النوّاب الأميركي، فاعتبر أن "قرار منتصف الليل الذي اتّخذه الرئيس الأميركي، يعرّض بلادنا وأمننا القومي لخطر أكبر".
ووصف مارك وورنر السيناتور عن ولاية فرجينيا و"الديمقراطي" البارز في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، خطوة الرئيس الأميركي بأنها "غير منطقية"، وعلّق قائلاً: "حريّ بنا أن نكون منزعجين للغاية من المحاولات المستمرّة لتسييس وكالات الاستخبارات في البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان مايكل آتكينسون بصفته المفتش العام، أول شخص يبلّغ المجلس في "كابيتول هيل" بالمخاوف التي أثيرت حول المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس ترمب في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) 2019 مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، والتي يبدو أن سيّد المكتب البيضَوي يشير فيها إلى أن ثلاثمئة وواحداً وتسعين مليون دولار على شكل مساعداتٍ عسكرية أقرها الكونغرس، قد تُحجب عن كييف، ما لم تجرِ تحقيق فساد في أنشطة نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، منافس ترامب المحتمل في الانتخابات الرئاسية أواخر السنة الحالية.
واستشهد الرئيس بنظرية المؤامرة التي دحضت قبل مدة طويلة وطاولت بايدن وابنه هانتر بايدن، الذي كان يعمل سابقاً في مجلس إدارة شركة طاقةٍ محلية، كداع لـ "قلقه"، وهي الرواية التي التقطتها شبكة "فوكس نيوز" ورّوج لها المحامي الشخصي للرئيس ترمب رودي جولياني.
وقدّم آتكينسون تقييمه لمحتويات شكوى "المقايضة" التي طرحها ترمب، واعتبر فيه أن المخاوف هي "عاجلة" و"ذات صدقية"، فقط مدير الاستخبارات الوطنية آنذاك وهو جوزيف ماغواير، الذي دحض استنتاجاته وحاول طمس المسألة.
ونُدد بهذا القرار، ما حمل برئيسة مجلس النوّاب نانسي بيلوسي إلى الإعلان عن مباشرة تحقيق في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأدّى إلى انطلاق سلسلةٍ من الأحداث التي جمعت في نهاية المطاف مجموعةّ من الأدلة المتراكمة، ومئات الساعات من الشهادات التي قُدمت في جلسات خاصّة وعلنية، وتصويت مجلس النوّاب لمصلحة توجيه تهمتي عزل إلى الرئيس ترمب هما: إساءة استخدام السلطة وعرقلة أعمال الكونغرس في ديسمبر (كانون الأول).
وفي النهاية صوّت مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه "الجمهوريّون" على تبرئة الرئيس في فبراير (شباط) الماضي، باستثناء ميت رومني ممثّل ولاية يوتا الذي كان السيناتور الوحيد في الحزب "الجمهوري" الذي غرد خارج السرب وتجاهل خط الحزب.
وينضمّ الآن مايكل آتكينسون المفتّش العام الأميركي لمجتمع الاستخبارات المُقال، إلى آخرين من المسؤولين الإداريّين هم: المقدّم آلكسندر فيندمان المدير السابق للشؤون الأوروبية في "مجلس الأمن القومي للولايات المتّحدة"، وغوردون سوندلاند المندوب الأميركي السابق لدى الاتحّاد الأوروبي، اللذان نُحيا عن الوظيفة بطريقة غير رسمية في أعقاب صدور الحكم عن مجلس الشيوخ.
وكان كلٌّ من المقدم فيندمان وسوندلاند - وهو متبرّع سابق لترمب – قد مثُلا شاهدَين أمام التحقيق الذي أجراه "الديمقراطيّون" في مجلس النواب في نوفمبر (تشرين الثاني) العام 2019، وقدّما روايات مدمّرة لأفعال الرئيس.
ويُعدّ آتكينسون على الأقلّ، سابع مسؤول في الاستخبارات يتمّ فصله أو إطاحته أو تهميشه منذ الصيف الماضي، بسبب عدم ثقة الرئيس الأميركي في مجتمع واشنطن لجمع المعلومات وعدائه لأفراده بشكلٍ واضح.
معلومٌ أن كلاً من الرئيس دونالد ترمب وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل ألقيا الأسبوع الماضي لائمة ردّ الإدارة الأميركية البطيء والكارثي على تفشّي فيروس "كورونا"، على عملية العزل المطوّلة، وهو عذر انتقدته رئيسة مجلس النوّاب نانسي بيلوسي.
وقالت الأخيرة "نحن أمام حال حياة أو موت في بلادنا، ويجب ألا يحاولوا اختلاق الأعذار لتبرير عدم الإقدام على أي إجراء. قد يكون ذلك اعترافاً ربما بأن الرئيس وزعيم الأغلبية لا يمكنهما تولّي المهمّة".
وكان الرئيس الأميركي قد استبعد في الأساس وجود الجائحة معتبراً أنه "خدعة"، مردّداً ادّعاءات وسائل إعلام يمينية بأن تهديد الفيروس كان مبالغاً فيه من جانب أعدائه للتشويش على سوق "وول ستريت" المالية وتقويض جهود إعادة انتخابه. لكنه اضطُر بعد ذلك إلى العودة عن موقفه بعد أن صارت خطورة الوضع أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى في عقر داره وكل أنحاء العالم.
© The Independent