Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتفاع عدد الجَوعى في جنوب السودان و1.5 مليون إنسان على حافة المجاعة رغم اتفاق السلام

يعاني ستة ملايين نسمة من الجوع الشديد وفق الأمم المتحدة والمجاعة على الأبواب بحسب بيل ترو

جنوب السودان على مشارف مجاعة. (رويترز)

لم تتناول ريبيكا لقمة منذ سبعة أيام. المرأة الهزيلة، البالغة من العمر 38 سنة والأم لخمسة أطفال، أصيبت ذراعها أخيراً عندما كانت تلتقط الفاكهة البرية – وهذه كانت الغذاء الوحيد لسدّ رَمق أسرتها لأشهر عدة خلال موسم الجفاف القاسي في جنوب السودان.

إصابة ريبيكا تعني أنها اليوم غير قادرة حتى على جمع أبسط قوت لأطفالها، الذين يعانون جميعهم من نقص التغذية والإسهال.

لجأت بعض العائلات إلى فَصْد الأبقار الحيّة لشرب دمها - وابتدعوا أساليب أخرى أكثر قتامة وإحباطاً في سبيل البقاء على قيد الحياة.

هُجّرت ريبيكا أكثر من مرة خلال الحرب الأهلية المندلعة في البلاد منذ خمس سنوات. وبعد عودتها إلى بلدة بيبور النائية في شمال الشرق، تعيش الآن في خيمة نصبتها جماعات حقوق الإنسان في باحة إحدى المدارس.

"ليس لديّ مسكن أو منزل حالياً بسبب القتال"، تقول وهي متكئة على جدار الملجأ المصنوع من الطين الذي تسميه وأسرتها بيتاً، وتتابع: "زوجي غير قادر على العمل والمساعدة لأنه طاعن في السن، الحِمل ملقى عليَّ بالكامل. إذا لم يتدخل أحد ما ويمدنا بالطعام، سنموت من الجوع".

بيبور هي إحدى أكثر المناطق التي يفتك بها الجوع - وحذرت الأمم المتحدة الأسبوع الفائت من أن 45 ألف شخص على الأقل في أرجاء البلاد قد يواجهون المجاعة في القريب العاجل.

ريبيكا، التي كانت على معرفة بثلاثة أشخاص قضوا نحبهم بسبب الجوع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تخشى ألا تنجو وأن تواجه المصير نفسه.

"أخاف أن أموت - يمكن إعلان حالة المجاعة هنا بكل بساطة لأن الناس يموتون من الجوع"، تقول بصعوبة بالغة، "أملنا الوحيد هو المجتمع الدولي. لن نبقى أحياء من دونه".

وبعد خمسة أشهر من التوصّل إلى اتفاق سلام في جنوب السودان الذي مزّقته الحرب، يوجد 1.5 مليون إنسان على شفا المجاعة، وستة ملايين آخرين - أي ثلثي سكان البلاد - يكابدون الجوع الشديد، وفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة الأسبوع الماضي.

وهذه النسبة تزيد 13 في المئة مقارنة بالمرحلة ذاتها من السنة الماضية، على الرغم من توقيع اتفاق سلام، وهو لا يزال صامداً إلى حد ما، في سبتمبر (أيلول) الماضي بين رئيس جنوب السودان سيلفا كير والفصائل المتمردة.

يعاني حالياً ما لا يقل عن 45 ألف شخص من "فقدان الأمن الغذائي من الدرجة الخامسة" المماثل لظروف المجاعة - أغلبهم في بيبور وولاية البحيرات في شرق جنوب السودان ووسطه.

ويُرجح تفاقم هذا الوضع خلال أشهر الصيف حين يبلغ موسم الجفاف والجدب ذروته.

النقص الحاد في التمويل يعوق الإعانات الإنسانية. وإذا لم يمد المجتمع الدولي يد المساعدة، تتوقع الأمم المتحدة أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من المجاعة إلى رقم صادم يصل إلى 260 ألفاً.

قالت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، يونيسيف، وهي أعلنت أن 900 ألف طفل تحت سن الخامسة يعانون من نقص حاد في التغذية، وأن ما جمعته من تمويل يقتصر على 15 في المئة فحسب من برنامجها.

"إذا لم يؤمّن التمويل في الوقت المناسب، قد يموت الأطفال الذين نستطيع إنقاذهم الآن،" يقول أندريا سولي، أحد ممثلي الأمم المتحدة في جنوب السودان.

اضطرت ماري، من بلدة غومورك الصغيرة التي يمكن الوصول إليها فقط بالمروحية ورحلة بالسيارة على طريق ترابية مدة ثلاث ساعات، إلى قطع وعد بتزويج ابنتها البالغة من العمر 11 سنة لرجل يكبرها بالسن مرتين لتتمكن فحسب من تأمين الطعام لأسرتها التي تتضوّر جوعاً.

ساعد المَهر المكوّن من بقرة حصلت عليها الأم لتسعة أبناء مقابل تزويج ابنتها في المستقبل، الأسرة على البقاء على قيد الحياة لبعض الوقت.

وأبلغت ماري اندنبندنت " اضطررت إلى تقديم ابنتي للزواج لأننا كنا نموت من الجوع"، وأضافت " أعرف عشرة أشخاص، كلهم نساء وأطفال، لقوا حتفهم بسبب الجوع السنة الماضية".

 

أما مارتا، البالغة من العمر 28 سنة وتقتات كذلك على التوت في منطقة بيبور، فقالت إنها عرفت بموت عشرين شخصاً، من بينهم أقرباء، منذ يناير (كانون الثاني) في العام 2018.

وأضافت "إذا بقيت الأمور على حالها في غياب أي تدخّل، سيموت الناس من العطش والجوع".

أُعلن رسمياً عن المجاعة في جنوب السودان قبل عامين في مقاطعات ولاية الوحدة، وهي الأولى من نوعها في العالم منذ أزمة الصومال في العام 2011.

في ذلك الوقت كان 3.9 مليون شخص - أي 40 في المئة من سكان البلاد - يحتاجون إلى مساعدات غذائية. أما اليوم، فيفوق عددهم 6.4 مليون. وفي حين أنه لم تُسجل بؤر المجاعة في شكل رسمي إلى اليوم، إلا أن سيمون كاميلبيك، نائب المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للأغذية، حذر من "خطر حقيقي" لتفشي جائحة جديدة في الأماكن التي تعاني أصلاً من الجوع.

ويقول "إن نقص الأمن الغذائي يتفاقم في العام 2019"، "ما لم نرفع حجم أعمال الإنقاذ والإغاثة قريباً سيكون المزيد من الناس في خطر".

هناك أسباب كثيرة وراء ما يحصل.

لا يزال الصراع محتدّاً مع الجماعات المتمردة التي لم توقع على اتفاق سلام في بعض الأماكن مثل ياي في جنوب الغرب. تواجه وكالات الإغاثة صعوبات في الوصول إلى المحتاجين في أماكن العنف.

وفي الوقت ذاته، أدى فصل الجفاف الطويل، والفيضانات، وأمراض المحاصيل، والآفات إلى تدمير الزراعة في البلاد.

ساهم التضخم الهائل، وهو وصل إلى 800 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتضاؤل المنتجات في السوق. وعلى الرغم من استقرار التضخم عند 45 في المئة تقريباً في يناير، إلا أن الضربة كانت قاصمة وآثارها تصيب العائلات الفقيرة التي، ببساطة، ليس لديها المال لكي تأكل.

تقول إليسيا بوتشانان، مستشارة السياسات في منظمة أوكسفام التي تدير عدداً من برامج التغذية في البلاد "لم يطرأ تغيير على الوضع الإنساني بالقدر ذاته الذي تغيرت به الأوضاع السياسية. فالأجور لم ترتفع، وأسعار المواد الغذائية مستمرة في الارتفاع، أزمة النزوح أجبرت الناس على الابتعاد عن مزارعهم. الوضع بالغ السوء".

ووفقاً لمناسي لومول، رئيس وكالة إغاثة جنوب السودان، هيئة الإغاثة وإعادة التأهيل، فإن عودة اللاجئين من الخارج تشكل ضغطاً على الموارد الضئيلة المتوافرة. وذكر أن 140 ألف شخص على الأقل عادوا إلى جنوب السودان منذ توقيع اتفاق السلام.

ويشرح من مكتبه في جوبا قائلاً "نحن على المستوى الحكومي، غير قادرين على تلبية احتياجاتهم بمفردنا. نحتاج إلى دعم المجتمع الدولي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أدى هذا النقص في التمويل إلى خفض الحصص الغذائية إلى النصف تقريباً في مخيم للمُهجّرين تحت حماية الأمم المتحدة في جوبا يُعرف بالموقع بي أو سي 3.

يسكن المخيم أشخاص ينتمون إلى إتنية النوير، وهي إحدى المجموعات التي يقارب عددها الستين في جنوب السودان، وأغلبهم فرّوا من بيوتهم مع بداية الحرب الأهلية في العام 2013.  ويخشى النوير، وهم الأكثر تضرراً من الحرب، ألا يستطيعوا العودة إلى بلداتهم لأن قوات النظام تحتلها.

"قُلصت الحصص الغذائية، ويتحول نقص التغذية الخفيف الذي يعاني منه كثيرون إلى نقص حاد" تقول إيفون روهان من "كونسيرن وورلدوايد"، أكبر وكالة إغاثة إنسانية إرلندية، التي تدير عيادات طبية في بي أو سي 3 وغيره من المواقع.

وأضافت أن الأمهات المرضعات، وبسبب الفاقة، اضطررن إلى استخدام المكملات الغذائية التي حصلن عليها من الوكالة، في إطعام أسرهن.

وتشاطر كثيرون إمداداتهم الشحيحة وبطاقاتهم التموينية مع العدد المتزايد من أقربائهم اللاجئين الذين عادوا من خارج البلاد.

تضيف روهان "هناك وافدون جدد ولا نملك السيطرة على عملية التسجيل".

تجلس بان، وهي جدة تبلغ من العمر 38 سنة، ولم تأكل جيداً طوال أيام، على الأرض في إحدى عيادات وكالة "كونسيرن" للإغاثة بصحبة حفيدها الذي تبدو عليه العلامات المعروفة لنقص التغذية الحاد، بما في ذلك انتفاخ البطن. وتقول وهي تحضن الطفل الهزيل " قُلصت الحصص الغذائية، الحرب ما زالت مستمرة في بعض الأجزاء من البلاد، لا نستطيع أن نعثر على عمل، وليس بمقدورنا العودة إلى ديارنا لأنها ما زالت محتلة، زوجي قُتل". وتتابع: "أُربّي سبعة أطفال وأنا يائسة".

بالعودة إلى بيبور، تقول ريبيكا إن النساء يتحملن وطأة أزمة الغذاء، فهن لسن مسؤولات عن تأمين القوت لأسرهن وحسب، بل عليهنّ في أغلب الأحيان التضور جوعاً في سبيل إطعام الآخرين.

وتقول: "نحن مرضى، يائسون ومشردون، واتحملّ هذا بمفردي لأن زوجي طاعن في السن"، مضيفة "ستعودين إلى هنا يوماً ما ولن تجدي سكان المنطقة. نحتاج إلى المساعدة. إذا لم يأتِ المجتمع الدولي، فسنموت من الجوع".

© The Independent

المزيد من دوليات