ما زال الضوء الأخضر، الذي منحه رئيس حكومة الوفاق فايز السراج لقواته، بمهاجمة مواقع الجيش الوطني الليبي، في غرب البلاد، مستمراً. فمنذ إعلان الهجوم، في إطار عملية عسكرية سماها "عاصفة السلام"، سقطت الهدنة الهشة، وأشتعلت محاور القتال في مصراتة وطرابلس، وفُتحت جبهات أخرى، مع نذر توحي بفتح مزيد في الأيام المقبلة.
فبعد معارك قاسية على قوات الوفاق، التي انسحبت من عدد من المدن على الشريط الحدودي مع تونس، لمصلحة الجيش الوطني الليبي، وقبل أن تفيق من آثار الخسارة الصادمة، شنت قوات الجيش هجوماً عنيفاً عليها، في محور مصراتة وعدد من محاور طرابلس.
وشهد يوما الخميس والجمعة 26 و27 مارس (آذار) معارك دامية، صنفت من بين الأعنف منذ اندلاع المعارك بين الطرفين، في أبريل (نيسان) 2019، وخلفت حصيلة غير مسبوقة من القتلى في صفوف الطرفين.
جبهة مشتعلة
جبهات شرق مصراتة، في محاور بوقرين والوشكة والهيشة، شهدت المعارك الأشد بين الطرفين، في اليومين الماضيين، بعد إعلان غرفة عمليات سرت التابعة للجيش الوطني تقدمها على تلك المحاور، بعد تلقيها التعليمات من القيادة العامة.
وأعلن المكتب الإعلامي لغرفة عمليات سرت الكبرى، "تحقيق القوات التابعة لها تقدماً في محور جنوب مصراتة، على الرغم من تعرضها لضربات عنيفة من الطيران المسير التابع لقوات حكومة الوفاق".
وقدرت الغرفة، في بيان مكتبها، أن تستمر المعركة شرق مصراتة ما بين ثلاثة أيام وأسبوع، إذ تواجه "مقاومة شرسة" ممن وصفتهم بـ "الحشد الميليشياوي المتعدد الجنسيات"، الذي يدافع لمنع سقوط مناطق الاشتباك وخصوصاً بوقرين، في قبضة الجيش لأهميتها الاستراتيجية في الدفاع عن المدينة، الأهم في معركة غرب ليبيا بعد طرابلس" .
في الأثناء، كشف الناطق باسم قوات الوفاق محمد قنونو، عن تكبيد قوات الجيش خسائر كبيرة وتدمير عدد من آلياته ومدرعاته، في معارك غرب سرت الجمعة.
أضاف "قُتل أحد أبرز قيادات الجيش في معارك محور الوشكة، وهو اللواء علي سيدي (اعترف الجيش بمقتله)، وصد محاولة التقدم البري لقواته بمساندة جوية، نحو مدينة مصراتة".
خسائرة بشرية
بعد انقشاع غبار المعارك التي دارت الجمعة، في شرق مصراتة وجنوبها، تبين حجم الخسائر البشرية الكبيرة، في صفوف الطرفين، كاشفة عن شراسة المعارك التي دارت في هذه المحاور.
فقد أفادت مصادر محلية وصحافية متطابقة، عن سقوط 37 قتيلاً من مدينة مصراتة و17 قتيلاً من المدن المتحالفة معها و160 جريحاً في مواجهات مع الجيش الليبي بمحاور القتال.
وسقط أغلب هؤلاء، في غارات شنها سلاح الجو الليبي، على مواقع كتائب مصراتة في القداحية وأبوقرين وطريق النهر، وفق المصادر ذاتها.
ونعى عدد من القيادات في مدينة مصراتة قتلاهم، بنبرة أكدت فداحة الخسارة البشرية التي تلقتها المدينة. وتقدم هؤلاء رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ووزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا.
وكتب باشاغا في تغريدة على موقع "تويتر"، الجمعة، "رجال يخلفون رجالاً، تضحيةً وكفاحاً لأجل الوطن، لينعم بالحرية وينبذ الإرهاب والاستبداد، ولا يقبلون إلا بخيارين الشهادة بشرف أو الحياة بعزة".
في الجهة المقابلة، كشفت مصادر إعلامية مقربة من الجيش الوطني الليبي، عن مقتل ما لا يقل عن 40 جندياً من مقاتليه، بينهم القائد الميداني البارز اللواء علي سيدي وآمر محور الوشكة صابر المطهر.
وأوضحت المصادر أن "أغلب القتلى سقطوا في غارات نفذها الطيران المسير، التابع لقوات الوفاق، لعرقلة تقدم قوات الجيش نحو مدينة مصراتة".
معارك جنوب العاصمة
في العاصمة طرابلس، كشف عضو شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش المنذر الخرطوش، عن تواصل المعارك العنيفة جنوب المدينة لليوم الثاني.
وقال الخرطوش إن "القوات المسلحة تصدت لهجوم ميليشيات السراج على الأحياء البرية ومعسكر النقلية في العاصمة طرابلس، ومشطت المنطقة بالكامل، قبل مطاردة الميليشيات وإحكام السيطرة على مواقعها".
أضاف أن "الميليشيات المسلحة قصفت مواقع القوات المسلحة بالمدفعية الثقيلة، ما دفع الوحدات العسكرية إلى الرد بقوة على مصادر النيران".
رسائل أميركية
في سياق متصل، عبّر سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، في "رسالة مفتوحة" إلى القيادة السياسية والعسكرية في ليبيا والشعب الليبي، عن قلقه العميق إزاء "تهديد قاتل" لليبيا، يلوح في الأفق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشملت رسالة نورلاند، التي نشرتها السفارة الأميركية في ليبيا الجمعة، دعوة إلى قائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر، بتعليق العملية العسكرية في طرابلس. واعتبر أن "أفضل نهج لتجسيد الهدنة الإنسانية، هو أن يقوم المشير حفتر بتعليق حملته على طرابلس، بما يسمح للجانبين بالعودة إلى مسودة وقف إطلاق النار، التي وقعت خلال مفاوضات اللجنة العسكرية (5+5)، التي يسّرتها البعثة الأممية في جنيف".
ودعا نورلاند الطرفين إلى "إعلان تجميد فوري لنشر المقاتلين الأجانب، الذين يخاطرون بنشر مزيد من وباء فيروس كورونا المستجد في ليبيا"، مشدداً على أن "الولايات المتحدة تقرّ بأن الأطراف الخارجية مسؤولة عن تأجيج الصراع، وهي بصدد معالجة ذلك الأمر عبر القنوات الدبلوماسية".
الكلمة للسلاح
وبعدما أوقف الضغط الدولي على الطرفين المعارك في الأشهر الماضية، يلاحظ الأكاديمي الليبي فرج الجارح أن "الضغط الدولي تراجع في ظل انشغال العالم بجائحة كورونا، فدخلت المعركة العسكرية في البلاد مرحلة كسر عظم حقيقي، من دون أن يقدم طرفا النزاع بديلاً سياسياً ينهي الخلاف ويطوي صفحة الأزمة".
وترك الجارح، في حديث لـ"اندبندنت عربية" مسألة "حسم الأزمة عسكرياً للأسابيع المقبلة، وفق المستجدات العسكرية"، معتبراً أن "كفة الجيش هي المرجحة للحسم عسكرياً، بسبب المعطيات والمكاسب الجديدة التي حققها في غرب طرابلس، في الأيام الماضية، والتي جعلته يسيطر على كامل موارد البلاد، و90 في المئة من أراضيها، وهو يخوض فعلياً معاركه الأخيرة والأهم، لانتزاع القليل الباقي في يد حكومة الوفاق".
بينما يرى الصحافي الليبي الصديق الورفلي أن "تراجع دور تركيا، الداعم لحكومة الوفاق، يسرّع السقوط وخسارة المعركة".