Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليس في مقدور باكستان تحمّل كلفة الحرب مع الهند ما لم تدعمها الصين

يعيش خمس سكان الهند وثلث سكان باكستان في فقر مدقع. ونزاع جديد بين البلدين سيؤدي إلى تدمير اقتصادهما وإفقار السكان.

عناصر من شرطة المواصلات الهندية الخاصة أمام محطة للقطارات في مومباي مع تزايد القلق من اندلاع نزاع بين الهند وباكستان بعد المواجهة الجوية بين البلدين، 28-02-2019. (أ.ف.ب)

رداً على الهجوم الانتحاري المروّع الذي استهدف الجنود الهنود يوم 14 فبراير(شباط) والذي ارتكبه إرهابيون يتخذون من باكستان مقراً لهم، شنّت الهند ضربات جوية ضد معسكرات الإرهابيين داخل الأراضي الباكستانية. وتهدد تلك الضربات بدفع الجاريْن النوويين إلى مواجهة مسلحة لا طاقة لهما بها. وتلوح مخاوف من أن تقرر الحكومة الهندية فرض حال طوارئ على المستوى الوطني متذرعةً بـ "عدوان خارجي" يهدّد سلم البلاد وأمنها واستقرارها ونظام حكمها.

وتعالت الأصوات الداعية إلى الحرب من كلا الجانبين منذ الهجوم الذي شنّه جيش محمد يوم عيد الحب على قافلة من القوات الهندية شبه عسكرية في بولواما الواقعة في ولاية جامو وكشمير الحدودية التي ينخرها الإرهاب، وهو هجوم أدى إلى مقتل 40 جندياً من قوات الشرطة الاحتياطية المركزية. وتبنى "جيش محمد" المسؤولية عن المجزرة التي نفذها بإيعاز من المجموعة الجهادية شابٌ كشميري قام باقتحام قافلة من الباصات بواسطة سيارة رباعية الدفع محملة بمواد متفجرة.

وبعد العملية بيومين، لوّح رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، بما يشبه التهديد أنه: "هذه المرة سنصفّي الحساب تماماً" وتعهّد بالثأر "لكل دمعة ذُرفت"، وشرعت الهند في حشد التأييد الدولي لعزل باكستان على الساحة الدولية ووضع خطة عمل انتقامية. من الجهة الثانية، خاطب نظيره الباكستاني، عمران خان، الهند قائلاً "إذا كنتم تعتقدون بأنكم ستهاجموننا وأننا لن نفكر في الرد ... فإننا سنرد. كلنا نعرف أن بدء الحرب بيد الناس، لكن وحده الله يعرف أين ستقودنا".

ولم يكن هذا الهجوم الإرهابي الأسوأ على قوات الأمن الهندية في وادي كشمير في العقد الحالي، لكن الضربات الجوية الانتقامية الهندية كانت الأولى من نوعها التي تتجاوز خط المراقبة الحدودية منذ حرب العام 1971 بين باكستان والهند. وادعى الطرفان إسقاط طائرات الطرف الآخر، وأكدت باكستان أنها أغلقت مجالها الجوي.

وحملت التصريحات الحادة المتبادلة بين الطرفين الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التصريح إلى وسائل الإعلام قائلاً: "في هذه اللحظة الوضع بين باكستان والهند سيئ جداً جداً، الوضع خطير جداً. الوضع بالغ الخطورة. ونريد أن تتوقف (الأعمال العدائية)". من جهة أخرى، ستقوم اليوم وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج بزيارة الصين للمشاركة في لقاء ثلاثي يجمع الهند والصين وروسيا لإعداد رد استباقي يحول دون تصاعد الأعمال العدائية بين باكستان والهند. ويتوقع أن يدعو الاجتماع الهند إلى التزام معايير التعاون الدولي حين "مكافحتها الإرهاب".

خاضت باكستان والهند أربع حروب خلال أعوام 1947 و1965 و1971 و1999. لكن أي حرب تخوضانها اليوم ستكون مدمرة لكليهما ذلك أن خمس سكان الهند وثلث سكان باكستان يعانون من فقر مدقع، وهم يعيشون بأقل من 1.9 دولار يومياً (1.43 جنيه إسترليني). فأيّ صدام بين البلدين لن يؤدي إلى تدمير اقتصادهما وإفقار المدنيين فحسب، بل سيجذب قوى عالمية أخرى للمشاركة في النزاع وتعميق الخلافات.

وتتوقع بعض الأوساط أنه يمكن احتواء النزاع على المستوى المحلي مع الاستمرار في شنّ بعض العمليات الانتقامية عبر الحدود، إلا أن ذلك يتوقف على قدرة البلدين على العمل المشترك لتجنب اندلاع مزيد من الأعمال العدائية من طريق احتساب عواقبها وحشد التدخلات الدبلوماسية للقوى الأخرى.

 قامت القوات الباكستانية فعلاً بخرق وقف النار بإطلاق قذائف باتجاه قطاعات أخنور وناوشيرا وبونتش على أطول خط المراقبة. أما من الجانب الهندي، فقد تزايدت حركة الجنود وسط تقارير عن حشود عسكرية مكثفة على الحدود وسط تقارير عن حشد القوات الثقيلة على جانبي الحدود. وتنتشر بؤر التوتّر في كل أرجاء شبه القارة الهندية جراء انخراط قادة البلدين في مزايدات سياسية مقرونة باستعراض القوة العسكرية. لذا، يجب خفض حدة الخطاب السياسي في أوساط الجانبين لمنح فرصة للسلام.  

فبينما يئنّ نظام مودي تحت وطأة الضغوط الانتخابية مع قرب الانتخابات العامة المقررة في مايو (أيار) المقبل، يشعر عمران خان كذلك بأنه ملزم بالوفاء بوعده بالثأر.

ويواجه البلدان قضايا اقتصادية أخرى أوسع نطاقاً قد تؤثر في مآل الأمور. فعلى الرغم من أن خان وعد ببناء "باكستان جديدة" عند أدائه اليمين رئيساً للوزراء في أغسطس (آب) الماضي، فإن بلاده أصبحت مفلسة. فاحتياطات النقد الأجنبي فيها بالكاد تكفي لتمويل استيراد الأغذية لبضعة شهور. وفي وقت تستفيد باكستان من خطة إنقاذ مالي أقرّها صندوق النقد الدولي، حذّر الرئيس ترامب من تقديم الدعم المالي لها لمساعدتها على سداد ديونها الضخمة للصين. علماً أن باكستان تواجه خطر العجز عن سداد ديونها من دون مساعدة صندوق النقد الدولي.

ويقتضي شنّ حرب على الهند أن تولّي باكستان وجهها إلى الصين. وسيضع انخراط الصين في النزاع تحديات كبرى أمام الهند التي تفتقر إلى قوة عسكرية تخوّلها خوض حرب على جبهتين مهما دامت.

يرى بعضهم في الهند أن الإجراء الوقائي "غير العسكري" الذي اتخذته الحكومة ليس إلا خطوة سياسية. وحث رئيس الوزراء المواطنين في تجمع انتخابي على التصويت له لضمان "سلامة وأمن" وطنهم. كما اعتبر وزراؤه الهجوم الجوي دليلاً على قوة وحزم القيادة التي وفرت الأمن لجميع الهنود.

وفي وقت تنحسر ثقة مودي أكثر فأكثر في إعادة انتخابه، قد يسمح إعلان حال الطوارئ الوطنية بتأجيل الانتخابات وتمديد فترة حكم النظام الحالي طالما لم تُرفع حال الطوارئ.

لذا، يظل الصراع بين باكستان والهند محفوفاً بأوخم العواقب، فالحرب لو اندلعت ستعرّض المدنيين الذين يعيشون على طول الحدود للخطر وستهدد حياة جميع الهنود والباكستانيين بسبب تدمير اقتصاد كل من البلدين. وما من سبيل إلى التفاهم سوى خفض حدة الخطاب العدائي بينهما.

ساروش بانا هو رئيس التحرير التنفيذي في "بزنيس إينديا"

© The Independent

المزيد من آراء