"الحب والشغف بالمسرح ومحاولة خلق مساحة تعبيرية حرة للشباب هو ما دفعنا إلى تأسيس فرقة رسائل قبل خمس سنوات"، يروي المخرج عدنان البوبلي قصة إنشاء فرقته التي بدأت عروضها الأولى بعمل يستعرض فكرة خيانة الوطن بعنوان "على شفا حفرة"، ومن ثم قدّمت سلسلة عروض تناقش القضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة، باللغة العربية الفصحى، داخل فلسطين وفي مهرجانات نُظمت في لبنان والمغرب وتونس، إضافةً إلى مجموعة ورش مسرحية مع مؤسسات عدّة، بشكل مستقل من دون تلقي الدعم من أي جهة.
أما المخرج الشاب فراس أبو صباح، فبدايته لم تكن وردية. فهو كان يطمح لدراسة المسرح منذ كان في المدرسة، لكن الظروف السياسية منعته، ودفعته إلى العمل كبائع للتذاكر في مسرح القصبة في رام الله، وحينها بدأ يتعلم فن الإضاءة والديكور والصوت، حتى أُتيحت له أخيراً فرصة دراسية ومن ثم أخرى إخراجية.
وكان أبو صباح أخرج أواخر العام الماضي مسرحية "كلب الست"، التي حازت على جائزتين في مهرجان قرطاج المسرحي في تونس. وعن سبب اختياره لهذا النص العراقي الأصل كأول إنتاج له، أوضح أنه اختاره بسبب تشابهه الكبير مع حالة تلقي الشعب الفلسطيني للمساعدات الخارجية، التي تكون في كثير من الأحيان مشروطة، وهو ما يقيّد عمل الفنانين، ويجعله مرتبطاً بأجندة الجهات التي تقدّم الدعم.
أما رنين عودة، وهي مخرجة وممثلة، في مسرح الحرية بمحافظة جنين، فواجهت صعوبة تقبّل من حولها لهذا الأمر في البداية، خصوصاً أن البعض يرى المسرح مكاناً يؤثر في العقل ولا يجب الذهاب إليه، على الرغم من أنه، كما تراه عودة، أداة لعلاج عددٍ كبيرٍ من القضايا المنتشرة.
المسارح تواجه التحديات منذ تأسيسها
هناك مسارح عدّة أُنشئت في فلسطين منذ القرن الماضي، وأحدها القصبة الذي انطلق قبل 50 عاماً وتطوّر من تقديم عروض بسيطة إلى مسرحيات بمستويات أعلى لجمهور أوسع، ومن ثم إلى تنظيم جولات مسرحية حول العالم وتأسيس المسرح الجوال، الذي يزور المدارس ومختلف القرى والمدن، وأنشأ لاحقاً أكاديمية للدراما، وكانت عروض الأطفال تركز على الأدب العالمي، أما تلك الموجهة إلى الكبار، فتواكب الأحداث المحلية والعالمية.
وأوضح مدير مسرح وسينما القصبة جورج إبراهيم، أن هذا المسرح منذ يومه الأول يواجه تحديات كبيرة، منها القيود الإسرائيلية كونه بدأ عمله في القدس، واعتياد الجيل الشاب والأطفال على التكنولوجيا الحديثة وبعدهم عن الذهاب لمشاهدة العروض.
أما مسرح عشتار، فأُسّس قبل 30 عاماً تقريباً، لتعليم الدراما للطلاب بمختلف مستوياتهم، كنوع من الأنشطة اللامنهجية التي افتقدتها المدارس في القدس ورام الله، ومن ثم اضطر المسرح للانتقال إلى رام الله بسبب الأوضاع السياسية، ومتابعة العمل في القدس وقطاع غزة، والتركيز على القضايا المجتمعية والسياسية.
ترى إيمان عون، وهي من مؤسسي المسرح، وتعمل كممثلة ومخرجة فيه، أنّ المجتمع يتقبّل العروض ومشاركة الفتيات، ولكن ليس في كل المدن، بل هناك تراجع ثقافي عام، وغياب منهجية حكومية تتبنى المسرح لتعميق هذه الثقافة محلياً، عدا عن التمويل المشروط الذي يجعل الوسط الثقافي وكأنه يجرّم أفراد مجتمعه، بحسب عون.
العادات والتقاليد المقيدة
على الرغم من أن هناك نجاحات كبيرة تحققها الفرق المسرحية في فلسطين وخارجها، لكن قيوداً كثيرة تتعلّق بحرية العمل، تقف في وجه المخرجين والممثلين الشباب، على أصعدة اجتماعية واقتصادية وسياسية عدّة، ولكن العادات والتقاليد وشروط مقدّم التمويل هي صاحبة الحصة الأكبر.
ترى عودة أن المسرح يواجه عدداً كبيراً من التحديات المجتمعية كعدم قدرته على مناقشة القضايا الحساسة كالتحرش بالأطفال أو السياسة الداخلية أو حتى الخارجية. كما أنّ بعض المسارح تعتمد على كوادرها فحسب، ولا تستقبل مسرحيين من فرق أخرى، وهذا لا يعطيها الفرصة للعمل مع أفراد آخرين وتوسيع رقعة تعلّمها.
أما بالنسبة إلى أبو صباح، فالمسرح ليس حرّاً أو مقيّداً بالكامل، والأمور نسبية، فهو يستطيع قول ما يريد داخل العمل، ولكن يجب أن تتناسب الفكرة الرئيسة مع الداعم، موضحاً أنّ فرص الحصول على تمويل ودعم محدودة، بسبب فرض شروط معينة على العمل أو عدم الثقة لقلة الخبرة أو التجربة، كما حدث معه في بدايات عمله، إضافةً إلى غياب البنية التحتية الخاصة بالإنتاج. كما أن طبيعة المجتمعات والعادات والتقاليد تدفع المخرجين إلى حذف بعض المشاهد، احتراماً للجمهور وتوجهاته.
لا بنية تحتية للمسارح
يعتبر البوبلي أنّ الفرق الشبابية المسرحية لديها الكثير لتقدمه، لكنّ غياب الدعم المادي والرسمي من الحكومة يشكّل عائقاً كبيراً أمامها، وهو أمر لا تنفيه وزارة الثقافة بل تعمل على حلّه، كما قال رائد الفارس، رئيس اللجنة العليا لمهرجان المسرح الوطني والمدير العام للفنون في الوزارة.
ويشير الفارس إلى أنّ هناك تحديات كبيرة أخرى تواجه هذا القطاع، منها قلة دور العرض في فلسطين وقلة الدعم وحاجة البنية التحتية إلى تطوير مستمر، خصوصاً أنّ هناك أكثر من 20 فرقة مسجلة لدى وزارة الثقافة من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، بدأت تشارك في مهرجانات وعروض عربية وعالمية، كان آخرها مشاركة مسرح "نعم" من مدينة الخليل في أحد المهرجانات المصرية وحصوله على ست جوائز.
أما عن سياسة الوزارة للتخفيف من هذه المشاكل، فيوضح الفارس أن هناك سعياً إلى مأسسة القطاع المسرحي من خلال إيجاد صندوق خاص لدعمه، سواء كان لتوفير معدات الإنتاج والدعم الكافي للفنانين أو إقامة مهرجان فلسطين للمسرح الذي يجري التجهيز لدورته الثالثة، بهدف استقطاب كافة المسرحيين الفلسطينيين حول العالم للمشاركة والتنافس على جوائزه.