في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي وفق ما أعلن من تقديرات فاز الإصلاحيون بحوالى 20 مقعداً، أي بانخفاض عدد مقاعد 121 في انتخابات عام 2016، إذ شكّل الإصلاحيون حوالى ستة في المئة من البرلمان الآن، وهو أقل من 41 في المئة، وفازت الفصائل المحافظة والمتشددة، بمن في ذلك المرشحون المتحالفون مع الحرس الثوري بحوالى 221 مقعداً من أصل 290 مقعداً أي حوالى 76 في المئة، في حين حصلوا في انتخابات 2016 على 29 في المئة. أي أنه جرت مضاعفة وجود التيار المتشدد بحوالى ثلاثة أضعاف وجودهم في البرلمان، وفاز المستقلون بـ 38 مقعداً أي حوالى 13 في المئة، وهو ما يقل عن 28 في المئة عام 2016، لكنه لا يزال ضعف عدد الإصلاحيين.
وكان أكثر ما يلفت النظر حول الانتخابات هو نسبة الإقبال المنخفضة من قِبل المواطنين للمشاركة، التي بلغت 42.6 في المئة، وهي الأدنى منذ الثورة الإيرانية وتأسيس النظام عام 1979، إذ اعتاد النظام الاستشهاد بالإقبال والمشاركة السياسية للمواطنين على أنهما انعكاس لشرعية الثورة ومصداقيتها وشعبيتها.
لذا، فإن الأرقام مهمة جداً بالنسبة إليه، ولكن لتبرير الانخفاض جاءت الانتخابات بعد أيام فقط من ظهور أول حالة لفيروس "كورونا" في إيران، وألقى المرشد الأعلى باللوم على أعداء إيران في التضليل والمبالغة في التهديد، وبالتالي ثني الناس عن الخروج.
لكن، في ظل الأرقام المعلنة لنتائج الانتخابات، ما تأثير ذلك في الحياة السياسية الداخلية وتوازنات القوى؟ يمكن القول إن البرلمان المقبل سيكون مختلفاً إلى حد كبير في نظرته وتركيبته، لأن غالبيته ستكون من أصحاب التيار المتشدد الأكثر التزاماً بالتفسير الصارم للمُثل والأهداف الثورية، وسيكون لهم الصوت المهيمن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما ستمهد هذه الانتخابات لرئيس محسوب على التيار المتشدد، مثلما أدّت التركيبة البرلمانية لانتخابات 2004، التي عقدت هي الأخرى في سياقين داخلي وخارجي شهدا تدهور رصيد الإصلاحيين، نتيجة تعثر مفاوضات إيران مع دول الترويكا الأوروبية: ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بشأن البرنامج النووي، وأدت إلى انتخاب الرئيس أحمدي نجاد.
لكن، الفكرة الأساسية أنّ البرلمان لم يعد له تأثير في الحياة السياسية، ففي الأشهر الأخيرة القرارات الرئيسة المرتبطة بالسياسة العامة لم يشارك فيها البرلمان، على سبيل المثال قرار مضاعفة أسعار الوقود إلى ثلاثة أضعاف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، الذي نتج عنه احتجاجات ضخمة.
ومع ذلك فعلى الرغم من كون البرلمان أصبح أقل تأثيراً فإن مغزى عملية المشاركة السياسية هو اتساع الفجوة بين المواطن والنظام، لذا فالنظام قلق بشكل متزايد بشأن فقدان المصداقية، وفقدان الشرعية بين المواطنين، بما يؤثر في التماسك الداخلي، وصورته أمام الخارج، وعلى الرغم من هذا فإنه يحاول في الوقت نفسه تعزيز سلطته والسماح للحرس الثوري بتوحيد نفوذهم، وقد بدأ ذلك من البرلمان، ثم عدد من المؤسسات التنفيذية داخل النظام للتأثير في عملية اختيار المرشد الثالث للجمهورية الإيرانية وانتخاب الرئيس المقبل.
لذا، كان اهتمام المرشد الأعلى علي خامنئي بهذا البرلمان، والسيطرة على تركيبته، الذي يعد ربما آخر برلمان يشهده، ومن ثمّ ربما يفكّر في إحداث بعض التعديلات والإصلاحات الهيكلية، ولهذا السبب، يحتاج إلى برلمان لا يطرح كثيراً من التحديات على أي تغييرات دستورية ربما يقوم بها في سبيل هندسة الحياة السياسية في إيران بالمرحلة المقبلة.
يوجد جانبٌ آخر مُلفت في ما يخص نتائج هذه الانتخابات، وهو عسكرة السياسة الإيرانية، إذ يدور الآن الجدل حول من ينبغي أن يكون رئيس البرلمان المقبل بين قائدي الحرس الثوري السابقين، محمد باقر قاليباف الذي كان العمدة السابق لطهران، وصادق محصولي، فضلاً عن نجاح نسبة كبيرة من شخصيات موالية أحمدي نجاد، وشخصيات أخرى على علاقة بشركات مرتبطة بالحرس الثوري، وهو ما يرتبط بشكل إدارة الاقتصاد الإيراني، ومن ثمّ العلاقة مع الغرب.
مما لا شك فيه أنّ هذه الانتخابات هي تمهيد وضمن استحقاقات أخرى مستقبلية ستحدد أكثر مستقبل نظام الخلافة للمرشد، وآليات اختياره والقوى المتحكّمة في عملية الاختيار، واختيار الرئيس الإيراني المقبل، ومن ثمّ تداعيات هذه النتائج على مستقبل علاقة النظام الإيراني بدول المنطقة والقوى الدولية.