ملخص
أبلغ عديد من العاملين العاطلين عن العمل حديثاً "اندبندنت" أن عمليات التسريح من العمل بدت فوضوية، وتفتقر إلى أي منطق واضح
وصل جوردان إلى العمل صباح الأحد متوقعاً أن يقوم بمناوبة عادية كسائق مكلف باختبار سيارات "تيسلا".
لكن بدلاً من ذلك فوجئ أن القيادة لم تكن على جدول الأعمال. كانت مهمته المساعدة في تدريب برمجية القيادة الذاتية الخاصة بشركة تصنيع المركبات الكهربائية من خلال الركوب في السيارة أثناء توجيه المركبة في شوارع حضرية حقيقية. طلب منه الانتظار على أهبة الاستعداد حتى حل المشكلة. وقال له أحد المديرين: "لا تقلق في شأن ذلك".
لذلك انتظر جوردان لمدة ثماني ساعات، ولم يعلم إلا صباح الإثنين أنه كان من بين ما يقدر بنحو 14 ألف موظف في شركة "تيسلا" حول العالم ممن سرحوا نهاية الأسبوع الماضي.
قال جوردان لـ"اندبندنت": "كان الأمر فظيعاً جداً. كان بإمكانهم أن يطلبوا مني العودة للمنزل. كان بإمكانهم إبلاغي بالأمر". (وافقت "اندبندنت" على الإشارة إلى جوردان بهذا الاسم المستعار لحمايته من أي تداعيات محتملة).
أبلغ عديد من العاملين العاطلين عن العمل حديثاً "اندبندنت" أن عمليات التسريح من العمل بدت فوضوية، وتفتقر إلى أي منطق واضح. ذلك أن بعض الذين تلقوا توبيخات متكررة بقوا في مناصبهم، بينما طرد آخرون ممن لديهم سجلات لا تشوبها شائبة. كان بعضهم جزءاً من فرق تعاني بالفعل أعباء العمل الثقيلة، بينما لاحظ آخرون انخفاضاً في مهماتهم اليومية مما يعكس انخفاض المبيعات. كان هذا الانخفاض بمثابة إشارة واضحة لهم إلى أن تسريح العمال كان وشيكاً.
ويبدو أن تسريح العاملين هذا الأسبوع هو الأكبر في تاريخ "تيسلا" الأخير، إذ يستهدف 10 في المئة من موظفيها البالغ عددهم نحو 140 ألفاً، بدءاً من مندوبي المبيعات في الصين إلى عاملي المصانع في تكساس وصولاً إلى المهندسين في كاليفورنيا.
وفي الوقت نفسه، خسرت "تيسلا" اثنين من المسؤولين التنفيذيين البارزين: درو باغلينو، الملازم لفترة طويلة للرئيس التنفيذي إيلون ماسك الذي عمل مع الشركة لمدة 18 سنة، وروهان باتيل، مستشار باراك أوباما السابق لشؤون المناخ الذي قاد تعاملات "تيسلا" مع الحكومات والسلطات التنظيمية.
وتأتي الاستقالتان بعد سلسلة من المشكلات التي واجهتها شركة تصنيع السيارات الأكثر قيمة في العالم، بدءاً من الاشتباه في إحراق متعمد نفذه مدافعون متشددون عن البيئة في "مصنع تيسلا العملاق" بألمانيا إلى سلسلة من الاستدعاءات والتحقيقات الحكومية التي شككت في جودة مركبات الشركة.
الرسائل الإلكترونية التي أرسلت إلى موظفين في "تيسلا" في الساعات الأولى من صباح الإثنين، واطلعت عليها "اندبندنت"، ألقت باللوم على "النمو السريع" للشركة الذي تسبب في "ازدواجية الأدوار والوظائف في مجالات معينة"، وأضافت أن التخفيضات ستمكنها من أن تكون "رشيقة ومبتكرة وطموحة" في المستقبل.
أما في نسخة الرسالة الإلكترونية التي أرسلت إلى الموظفين الذين حافظوا على مناصبهم، كتب ماسك يقول: "لا شيء أكرهه أكثر من هذا، لكن القيام به واجب". وتلقى أولئك الذين سرحوا نسخة موقعة ببساطة باسم "تيسلا".
لكن المستثمرين والمحللين الماليين شككوا في هذا المنطق، مشيرين إلى الإعلان الكارثي الأخير بأن السيارات التي باعتها "تيسلا" في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 تراجع عددها بنسبة 8.5 في المئة مقارنة بالفترة الزمنية نفسها من العام الماضي.
روس جربر، العامل في إدارة الثروات والمساهم في "تيسلا" منذ فترة طويلة، الذي خفض أخيراً مكانة الشركة في صندوق الاستثمار الذي يديره، قال لـ"اندبندنت": "إنه تطور فظيع للشركة. إنها مؤشر على عدم قدرتها على بيع السيارات. كانت افتراضات إيلون حول القدرة الإنتاجية والطلب المستقبلي غير صحيحة تماماً، لذلك يجري التعديلات اللازمة. لكنها خطوة كبيرة إلى الوراء بالنسبة إلى 'تيسلا'".
"أعتقد بأنهم كانوا يتوقعون بيع مزيد من السيارات"
عانى المسرحون لمعرفة سبب اختيارهم للتسريح من بين الموظفين الآخرين.
قال أحدهم الذي كان يعمل في قسم خدمة العملاء في الولايات المتحدة لـ"اندبندنت": "أنا معتاد على عمليات التخلص من وجوه مألوفة أثناء 'مراجعات الأداء'، لكنني كنت في وضع جيد".
وتساءل العامل: "لا أعرف لماذا أدرجت من ضمن الـ10 في المئة. هل لأنني أجريت محادثة مع قسم الموارد البشرية الشهر الماضي حول مشكلة اجتماعية؟ سمع أحدهم إشاعة أن الأمر يتعلق بترتيب العاملين لمكاتبهم، وهذا شيء يبدو سخيفاً. لقد حيرني الموضوع".
وفي تناقض مع رسالة ماسك الإلكترونية، قال العامل إن قسمه يعاني نقصاً، لا من فائض، في عدد الموظفين، إذ أضاف: "كنت في فريق يعاني تراكماً ضخماً في العمل. لم نعرف ثانية توقفنا فيها عن العمل. كانت البيئة مرهقة".
لكن الوضع كان مختلفاً بالنسبة إلى ديتريش ديكسون، 27 سنة، الذي عمل لستة أشهر تقريباً في بناء سيارة "تيسلا" المعروفة باسم "موديل 3" في مصنع فريمونت عندما تلقى رسالة التسريح عبر البريد الإلكتروني. على رغم من أن الأمر كان صادماً، "كنت أتوقعه إلى حد ما"، وفق تعبيره.
أعتقد بأنهم أفرطوا في التوظيف لأنهم كانوا يتوقعون بيع مزيد من السيارات
عامل مسرح من "تيسلا"
من المعروف أن "تيسلا" تتجنب الاحتفاظ بمخزون كبير من السيارات. وبدلاً من ذلك، فإنها عادة ما تصنع السيارة فقط بعد تلقي الطلب، مما يؤدي عادة إلى حصول تأخير قبل أن يستلمها العميل.
وصف ديكسون كيف أن قسمه كان يشهد فترات من النشاط المكثف عندما يندفع العمال لتلبية عدد كبير من الطلبات. ومع ذلك، كانت هناك أيضاً أوقات يتجاوزون فيها أهدافهم مبكراً وبالتالي يضطرون إلى التوقف عن العمل.
وقال ديكسون: "مرت أيام كثيرة لا نعمل فيها لمدة ثلاث إلى أربع ساعات لأننا استوفينا حصتنا. أعتقد بأنهم أفرطوا في التوظيف لأنهم كانوا يتوقعون بيع مزيد من السيارات".
في الواقع، كان الانخفاض المفاجئ في مبيعات "تيسلا" بداية عام 2024 أول انخفاض سنوي لها منذ ما قبل الجائحة.
فلماذا يحدث هذا التراجع إذاً؟
"كانييه ويست فقط مكروه أكثر"
تواجه "تيسلا" منافسة متزايدة على موقعها المهيمن في سوق السيارات الكهربائية الذي احتفظت به منذ فترة طويلة، ليس فقط من الشركات العريقة في تصنيع السيارات مثل "تويوتا" و"فولكسفاغن" بل كذلك من الشركات الناشئة التي تصنع مركبات كهربائية فقط مثل "بي واي دي" الصينية العملاقة.
سلط تقرير حديث نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على دور الصفقة التي أبرمتها "تيسلا"، وحصلت فيها على شروط تفضيلية، مع مسؤولين صينيين لبناء مصنع في شنغهاي في إطلاق سوق المركبات الكهربائية في البلاد. ومن المفارقات أن الصفقة سمحت لشركات محلية مثل "بي واي دي" بالبدء في تقويض مبيعات سيارات "تيسلا" الفاخرة الباهظة الثمن.
على رغم هذا الخطر، ورد أن ماسك همش مشروع "تيسلا" للمركبات الكهربائية المنخفضة الكلفة الذي طال انتظاره، وانحرف عن "الخطة الرئيسة" الأصلية التي وضعها للشركة وربما تنازل عن جزء كامل من السوق لمنافسيه.
لين شيرمان، المستشار السابق في قطاع السيارات الذي أصبح الآن أستاذاً في كلية كولومبيا للأعمال ذكر "أن اتجاه ماسك المتهور إلى السيارات الخارقة والشاحنات الضخمة فتح الباب أمام شركات تصنيع السيارات الصينية لإنهاء المهمة التي بدأها ماسك"، في إشارة إلى "سايبرتراك" الجديدة من "تيسلا" وإصدارها الثاني المقبل "رودستر".
وفي الوقت نفسه، كانت سوق السيارات الكهربائية ككل تنمو بوتيرة أبطأ، إذ زادت المبيعات في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام بنسبة 2.6 في المئة فقط عن الفترة المقابلة من العام الماضي مقارنة بـ46 في المئة بين عامي 2022 و2023.
ومع ذلك، وفق جربر - أحد المتحمسين لشركة "تيسلا" الذي يقول إنه يريد أن يرى الشركة تنجح - تتمثل المشكلة الأكبر في ماسك نفسه.
جربر رأى أ،ه "لا يوجد حقاً عذر لعدم القدرة على بيع المخزون الذي لديهم. [مركبات 'تيسلا'] هي أفضل السيارات العاملة على الطرق. يشبه ذلك عدم القدرة على بيع الساعات الذهبية بسعر مخفض".
وهو يعزو اللوم بشكل مباشر إلى سلوك ماسك العام المثير للجدل، إذ يتنقل بتهور بين فضائح متكررة تتناول معاداة السامية ونظريات المؤامرة والمواقف السياسية اليمينية المتطرفة، فضلاً عن استحواذه المشتت للانتباه للغاية على "تويتر".
جربر أضاف: "لقد شوه علامة 'تيسلا' التجارية. هل هناك أية مجموعة من الناس لم يهنهم غير البيض؟ هو وكانييه ويست فقط استقطبا هذا المستوى من نفور الناس".
كذلك ألقى جربر باللوم على رفض "تيسلا" التاريخي للاستثمار في الإعلانات التقليدية، وقرارها بخفض أسعارها باستمرار على أمل إبقاء أرقام المبيعات مرتفعة – وهو تكتيك يأتي بنتائج عكسية في النهاية لأن العملاء يبدأون في تأخير مشترياتهم توقعاً لمزيد من الانخفاض في الأسعار.
الجودة، في الأقل في قسم خدمة العملاء، ستشهد تدهوراً إضافياً
عامل مسرح من "تيسلا"
في نهاية المطاف، يعتقد جربر بأن تسريح العاملين سيثبت أنه "خطأ استراتيجي كبير"، ولاسيما في مناطق مثل الصين وأوروبا حيث لا تزال قطاعات السيارات الكهربائية في مهدها.
وقال جربر: "سيوظف المنافسون موظفي 'تيسلا' جميعاً الذين استغني عنهم، لمجرد الاستفادة من خبرتهم ومعرفتهم". وأضاف أن تخفيضات "تيسلا" في عديد قسم خدمة العملاء خطرة لأن كثيراً من العملاء لديهم بالفعل تجربة "مروعة".
وردد الشخص الذي سرح من فريق خدمة عملاء "تيسلا" هذا التقييم حيث رأى أن "الجودة، في الأقل في قسم خدمة العملاء، ستشهد تدهوراً إضافياً. هي بالفعل سيئة للغاية، مع أوقات انتظار لمدة ساعة وطاقم بالحد الأدنى من الوكلاء المرهقين. كنا بحاجة إلى مزيد من الناس، وليس إلى أقل".
بالنسبة إلى جوردان، الذي كانت مهمته ضمان تجنب برمجية السائق الآلي الخاصة بـ"تيسلا" وقوع سياراتها في حوادث، يعد الخطر أكبر. قال: "أعتقد بأن التخلص من أي شخص في هذا القسم يجعل [السائق الآلي] أقل أماناً".
© The Independent