Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إخفاقات فاضحة للمترجم المرافق لـ "السوداني" إلى البيت الأبيض

قضم مفردات عدة تفوه بها رئيس الوزراء العراقي أمام بايدن وأضاف أخرى... فما الأسباب؟

السوداني لدى زيارته البيت الأبيض يوم الإثنين 15 أبريل الحالي، ويبدو خلفه المترجم (أ ف ب)

ملخص

تقول الباحثة السياسية المتخصصة في الشأن العراقي سارة القريشي إنه "يمكن تقييم أداء مترجم الوفد العراقي في واشنطن من خلال عدم دقة ترجمته واتساقها، ولم يكن يتمتع بالقدرة الكافية على التواصل بصورة فعالة". وأضافت، "بالفعل هناك نقص في عدد المترجمين المحترفين في العراق على رغم وجود آلاف الخريجين من كليات الترجمة واللغات. ولا أعرف كيف يتم اختيار المترجم للوفود ذات المستوى العالي، لكن أظن أن الاختيار يعتمد على التوصيات بدلاً من الخبرة والمهارات اللغوية والتواصلية".

التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الرئيس الأميركي جو بايدن الإثنين الماضي، بدعوة رسمية من الأخير، في ظل ظروف صعبة تشهدها المنطقة، بدءاً بالحرب في غزة، والتوتر بين إيران والولايات المتحدة، والعراق يقع بين الجميع، مما يجعل زيارة السوداني تحظى بمراقبة كبيرة من قبل جميع دول المنطقة والعالم. ومع أهمية هذه الزيارة وصعوبتها، إلا أن ثمة إخفاقات ظهرت في وفد السوداني، منها قيام المترجم المرافق للوفد العراقي باقتطاع وإضافة مفردات من خارج الحوار أثناء ترجمته كلمة رئيس الوزراء العراقي أمام الرئيس الأميركي ووسائل الإعلام الدولية والمراقبين الدوليين داخل البيت الأبيض.
ولعل إحدى العبارات التي تحدث فيها السوداني إلى بايدن هي ما يلي: "نحن نبحث الأسس المستدامة والرئيسة لشراكة شاملة وطويلة الأمد مع الولايات المتحدة، وذلك من خلال الانتقال من العلاقة ذات الطبيعة الأمنية والعسكرية بطريقة سلسة ومدروسة وممنهجة، إلى علاقة قائمة على أسس الاقتصاد والمجالات الثقافية والأمنية والسياسية وفق اتفاق الإطار الاستراتيجي".

إلا أن مترجم الوفد العراقي قال:

"We aim to discuss the sustainable foundations for a 360 degree of strategic partnership ensuring smooth and systematic transition from military security based relationship to a comprehensive economic, political, environmental, educational, security partnership according to strategic framework agreement"

وترجمتها: "نهدف إلى مناقشة الأسس المستدامة لشراكة استراتيجية 360 درجة تضمن الانتقال السلس والمنظم من العلاقة الأمنية العسكرية إلى شراكة اقتصادية وسياسية وبيئية وتعليمية وأمنية شاملة وفق اتفاق الإطار الاستراتيجي".

ابتلاع وإضافة مفردات

وما يلاحظ من الترجمة أعلاه، أن السوداني ذكر مفردات عدة لم يترجمها المترجم المرافق للوفد، منها كلمة الثقافية التي ابتلعها، فيما أضاف كلمة "البيئة"، التي لم يذكرها السوداني إطلاقاً، مما يرخي بظلال من الشك حول ما إذا كان خطاب السوداني معداً مسبقاً، بالتنسيق مع فريق الترجمة، لكن رئيس الحكومة وخلال الحوار غيَّر من بعض المفردات، فيما بقي المترجم ملتصقاً بالنص المعد له، وهذا مجرد تحليل بناء على صورة الترجمة التي أظهرها، وتلكؤ المترجم في لفظ بعض المفردات، التي قد تكون أعدت مسبقاً، ويقرأها المترجم متجاهلاً الترجمة الآنية التي يجب أن يقوم بها خلال لقاء الجانبين.
وقال السوداني بالبيت الأبيض، "كان النصر مهماً على ’داعش’ وهذا تحقق بفعل تضحيات الشعب العراقي وتكاتف كل مكوناته ودعم المجتمع الدولي والأصدقاء من خارج التحالف الدولي".

أما المترجم فقال بالإنجليزية:

"We have achieved a remarkable victory, thanks to the sacrifices of Iraqi people and unity of all the components and the support of the international community and the global coalition."

وترجمتها، "لقد حققنا انتصاراً لافتاً بفضل تضحيات الشعب العراقي ووحدة كل المكونات ودعم المجتمع الدولي والتحالف الدولي".

في الفقرة أعلاه، أشار السوداني إلى جزئية حساسة جداً، وهي تحرير المناطق العراقية من "داعش"، وإلى أن تحرير تلك المناطق جاء بفعل تضحيات العراقيين، ودعم المجتمع الدولي، لكنه لفت أيضاً إلى أن التحرير جاء بدعم أصدقاء من خارج التحالف الدولي (قد يقصد السوداني بالأصدقاء، الجانب الإيراني)، لكن المترجم لم يذكر عبارة "الأصدقاء من خارج التحالف الدولي"، مما يضع شكوكاً في ما إذا كان المترجم أراد فعلاً أن يقضم هذه العبارة أم إنه لم يتمكن من مواكبة وضبط حوار السوداني في لحظته؟

وذكر السوداني أيضاً أمام بايدن، "الأهم من ذلك، في هذا الوقت، أن تعقد لجنة التنسيق العليا اجتماعها الأول حول اتفاق الإطار الاستراتيجي".

وقال المترجم:

"Most importantly, HCC (High Coordination Committee (is actually have met today and discussed many things".

ومما يتبين من العبارة أعلاه أن المترجم انتقص عبارة "حول اتفاق الإطار الاستراتيجي"، وأضاف من عنده عبارة "وناقشوا أموراً عدة".

مترجم الوفد... باب للتشكيك

وتقول الباحثة السياسية المتخصصة في الشأن العراقي سار القريشي، إنه "يمكن تقييم أداء مترجم الوفد العراقي في واشنطن من خلال عدم دقة ترجمته واتساقها، ولم يكن يتمتع بالقدرة الكافية على التواصل بصورة فعالة". وأضافت، "بالفعل هناك نقص في عدد المترجمين المحترفين في العراق، على رغم وجود آلاف الخريجين من كليات الترجمة واللغات. ولا أعرف كيف يتم اختيار المترجم للوفود ذات المستوى العالي، لكن أظن أن الاختيار يعتمد على التوصيات بدلاً من الخبرة والمهارات اللغوية والتواصلية. أسوة بآلية اختيار كثير من الوظائف في العراق. ومن الملاحظات التي قد تظهر أثناء عملية الترجمة في البيت الأبيض هي انعدام القدرة على فهم الثقافة وصعوبة التعبير عن السياق اللغوي للمحادثات، والحفاظ على دقة المعنى والمصطلحات الفنية، وتجنب الانحياز أو التشويش في الترجمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت القريشي إلى أن "الأداء الضعيف للمترجم ينعكس سلباً على مستوى الوفد العراقي أمام الرأي الدولي، وقد يؤثر في انطباع الجانب الأميركي أيضاً، في لحظة وجود الجانبين تحت قبة البيت الأبيض، فإن الترجمة الصحيحة والاتساق في التواصل مهمان لبناء الثقة وتحقيق الأهداف المشتركة".
وتابعت القريشي أن "الانتقادات تؤثر في سمعة الوفود وتثير تساؤلات عديدة من قبيل: لماذا لم يضبط أساس الحوار أو تضبط محاور الإجابة بشكل مهني ودقيق ولماذا ابتعد عن عمق الاجابة أو دقة الإجابة؟ وهذه المسألة تفتح باباً للتشكيك فهل الوفد العراقي أو القائمون عليه يريدونه أن يترجم بهذه الطريقة بغير معناها، وبالمعنى الذي يريدونه هم أيضاً؟ إضافة إلى سؤال حول ما إذا كان هذا الشخص على قدر المسؤولية في الأداء أو توصيل أصل الفكرة وترجمتها أم هو غير كفوء، ولماذا اضطر القائمون على إدارة الوفد العراقي لاختيار شخص غير كفوء، هل هو عامل المجاملة مثلاً، أم هي هذه الكفاءة المتوفرة في المترجمين الموجودين؟".
لا ينكر أحد على صعوبة مهمة المترجم الفوري التعاقبي أو الترجمة الفورية للوفود والبعثات الدبلوماسية، لما تتضمن تلك اللقاءات من حوارات تتضمن عبارات صعبة وتتطلب من المترجم سرعة بديهة عالية في التقاط تلك المفردات وصياغتها من جديدة بشكل ملائم من دون الخروج من أصل المعنى، إن لم يكن عليه أن ينقلها كما هي تماماً. لكن في موضوع المترجم المرافق للوفد العراقي، فقد أظهر إخفاقات عدة، تتعدى ما تمت الإشارة إليه، إذ عمد على طول كلمة السوداني، إلى القص والإضافة بحق المفردات الأهم والأبرز في لقائه مع بايدن، لكن ذلك لم يخفَ على مراقبي البيت الأبيض في جلسات الفحص للقاء ما بعد إكمال الزيارة.

قضم للكلمات وإحراج بروتوكولي

في السياق، يشير الباحث السياسي رعد هاشم إلى أنه "في المستقبل، هناك ضرورة لاختيار المترجمين للوفود العراقية بعناية ودقة، وأن يتم إخضاع المترجمين لدورات خارج العراق، واختبارهم مرة أخرى من قبل لجان خارجية، للتأكد من أهليتهم. وكما هو معلوم، فإن اللغة الإنجليزية فيها مختصرات توحي بمعان معينة ومرادفات وصياغات ليست كما كانت عليه تلك اللغة قبل 20 عاماً، مما يتطلب من المترجم أن يكون مواكباً لهذا التطور اللغوي، إذ إن ترجمة البروتوكولات الدبلوماسية ليست ترجمة لغة الشارع مطلقاً".
وأكمل هاشم، "أي مسؤول حكومي لا يتمنى أن يضم مترجمه كلمات أو يحرف الكلام بغير معناه بقصد أو غير قصد، بحيث يحرج المسؤول الزائر أمام مضيفيه، وقد يعلم الجميع أن هناك رصداً ومراقبة للحوار والإجابات والطرح من قبل لجان الجانب الأميركي، فلا يمكن أن تمرر عليهم إجابة بعينها، ويطابقون ويدققون حقيقة الإجابة وإذا كان القصد منها مغايرتها". وأضاف أن "حجم الإحراج لو صححت مترجمة بايدن للمترجم العراقي وأحرجته أمام المسؤولين عنه، وهذا ما كان محتمل أن يحصل، إذ كان من الممكن أن تقوله له على الهواء مباشرة إن ترجمته غير دقيقة، لكنني استغربت من أن المترجمة لم تصحح أو تعترض على ترجمة مترجم الوفد العراقي، هل حصل ذلك لأنها تتوقع أن يكون هذا المترجم يفهم لغة رئيسه وما يريد رئيسه أم لا؟ مع ذلك، هذا فيه إحراج بروتوكولي وسياسي على مستوى البلدين".
وأنهى هاشم حديثه بالتأكيد أن "هناك كفاءات عراقية كان بالإمكان الاستعانة بها حتى لو كانت من خارج العراق من أجل إتمام المهمة بأفضل صورة، لكن ثمة تساؤلات تطرح عن اختيار مترجمين ليسوا بالكفاءة المطلوبة وأخفقوا في إيصال الفكرة والترجمة الحقيقية لتصريحات الوفد".
وراقب العراقيون زيارة السوداني بحذر وسط تحديات داخلية وخارجية، لكنها تحمل في الوقت ذاته آمالاً عريضة لتعزيز العلاقات بين البلدين، لكن ترجمة نتائجها الإيجابية على أرض الواقع تتطلب مزيداً من الوقت، بخاصة في ظل التحديات الأمنية والسياسية الكبيرة التي يواجهها العراق.
ويواجه السوداني مهمة صعبة في توحيد الكتل السياسية المنقسمة، التي أخفقت مراراً وتكراراً في الاتفاق على تشكيل حكومة كاملة، بما في ذلك منصب رئيس البرلمان الذي لا يزال شاغراً حتى الآن. وتلقي هذه الانقسامات بظلالها على المشهد السياسي العراقي، وتثير تساؤلات حول قدرة السوداني على تحقيق الاستقرار والحكم الفعال.
والسؤال الأبرز هنا، هل ستتمكن هذه الزيارة من كسر حلقة الجمود السياسي وتمهد الطريق لعهد جديد من التعاون والازدهار للعراق؟ الوقت هو وحده القادر على إثبات نجاح زيارة السوداني لواشنطن، وترجمة نتائجها الإيجابية إلى تحسينات ملموسة على أرض الواقع.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات