Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جبال الجنوب في ليبيا كنوز منسية في غياهب الصحراء

تحكي قصة أول مومياء في أفريقيا وتجسد بدقة حياة البشر اليومية في الزمن الغابر

من أكثر الأماكن الصحراوية الليبية سحراً وغموضاً وجمالاً تبرز الجبال المتناثرة أقصى جنوب البلاد (مواقع التواصل)

ملخص

تمتاز الجبال الصحراوية الليبية بتنوعها الطبيعي وآثارها العتيقة التي تجعلها قبلة سياحية غير مستثمرة حتى اليوم.

تشكل الصحراء أكثر من ثلثي مساحة ليبيا الإجمالية البالغة مليوناً و700 ألف كيلومتر مربع، حيث تغطي الرمال الصحراوية منها مليوناً و100 ألف كيلومتر مربع من الشمال إلى الجنوب، ومع ذلك تخفي هذه الفيافي القاحلة كثيراً من المناطق الساحرة التي تصلح لأن تكون قبلة سياحية مهمة للسياح المحليين والأجانب.

من أكثر الأماكن الصحراوية الليبية سحراً وغموضاً وجمالاً تبرز الجبال المتناثرة أقصى جنوب البلاد التي تتنوع طبيعتها وأهميتها السياحية والتاريخية، وبعضها يحتوي على مناظر طبيعية خلابة وأسراراً غامضة، كثيراً ما أدهشت زوارها من داخل البلاد وخارجها.

أرض العجائب 

تعتبر سلسلة جبال أكاكوس الواقعة أقصى جنوب غربي ليبيا من أجمل وأغرب الجبال الصحراوية في البلاد وأكثرها تنوعاً طبيعياً وأهمية تاريخية، بحيث تبين النقوش الفاخرة التي تزين بطون كهوفها أنها كانت مأهولة منذ العصر الحجري القديم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصنفت منظمة التربية والعلوم والثقافة الدولية (يونيسكو) عام 1985 جبال أكاكوس الليبية ضمن قائمة التراث العالمي مع أربعة مواقع ليبية أخرى لقيمتها التاريخية الاستثنائية، إذ تشتهر بآلاف النقوش والمنحوتات التي يعود عمر بعضها لما قبل 14 ألف عام.   

ويرجع تاريخ هذه المرتفعات الصخرية التي تتكون في غالبيتها من صخور بركانية سوداء شديدة الصلابة تتخللها كثبان رملية، إلى ما قبل العصر الجرماني، وتسجل نقوشها العتيقة ما عايشته هذه الحضارة القديمة وما طرأ على البلدة من تغييرات وتعديلات طاولت الحيوان والنبات، إضافة إلى تقاليد وعادات الشعوب المتنوعة التي توالت على هذه المنطقة على مر العصور والأزمان.

إرث هذه المنطقة الصحراوية وأهميتها التاريخية دفعا منظمة "يونيسكو" إلى وصفها في وقت سابق على موقعها الإلكتروني بأنها "تحوي بعض المناظر الأكثر استثنائية في العالم، وهي من العجائب الطبيعية الفريدة"، فتزخر أكاكوس بمجموعة مختلفة من المناظر الطبيعية الخلابة مثل الأقواس الصخرية والأحجار السوداء الضخمة جداً والوديان الجميلة، ومع أن المنطقة من أكثر المناطق القاحلة في الصحراء الكبرى فإن بها بعض النباتات النادرة مثل "الكالوتروبيس".

وزادت أهمية جبال أكاكوس كثيراً في الداخل والخارج منذ اكتشاف اللوحات الصخرية والنقوش في أنماط مختلفة وبأشكال متعددة ومتميزة ومختلفة، فمنها ما يصور مشاهد من الحياة اليومية أو الصيد بالطرق القديمة، ومنها ما يخلد بعض الرقصات والطقوس، ومنها ما يصور الحيوانات التي حفظت آثار مراحل مختلفة من العصر الحجري القديم.

 

 

كما شملت هذه النقوش والحفريات تعبيرات عن التغير الذي طرأ على الحضارات قديماً في شأن القاطنين بالمناطق والنباتات الموجودة فيها والطقس، وحتى على صعيد الحيوانات المختلفة التي اشتهرت هناك على مر الزمن.

المميز في هذه النقوش هو كثرتها وتنوع أنماطها وتاريخها، فكلما توغلت الرحلة في هذه الجبال تخطف الأنظار رسوم نقشت على جدران بعض الجبال والكهوف ويرجع تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف عام، وتجسد تجسيداً دقيقاً الحياة اليومية لسكان هذه المناطق في الزمن الغابر، فبعضها يصور رحلة لصيد الفيلة والأبقار الوحشية التي لم تعد موجودة اليوم في هذه المنطقة، والبعض الآخر يتناول معارك طاحنة نشبت بين سكان تلك المناطق.

المومياء الأقدم

شهد عام 1958 تسجيل أهم اكتشاف في منطقة جبال أكاكوس إلى اليوم، حين تم العثور على مومياء يبلغ عمرها نحو 5600 سنة، وأثار هذا الاكتشاف جدلاً واسعاً واهتماماً بالغاً في الوقت ذاته لأن هذه المومياء المكتشفة أقدم حتى مما وجد في مصر المعروفة بالتحنيط منذ الأزل.

وأكدت الدراسات والأبحاث العلمية اللاحقة أن عمر هذه المومياء يسبق بنحو 1500 عام زمن التحنيط المسجل في الحضارة المصرية القديمة الذي ترجع بداياته إلى 2250 قبل الميلاد، مما دفع العلماء إلى إعادة النظر في الاعتقاد الذي كان سائداً بأن التحنيط في القارة الأفريقية بدأ في مصر، والدفع بفرضية جديدة ترجح أن يكون مصدره إحدى الحضارات السابقة المجهولة التي نشأت في المنطقة المعروفة الآن في ليبيا بأكاكوس.

 

 

وهذه المومياء المعروفة باسم "وان موهى جاج" أو المومياء السوداء، عثرت عليها بعثة آثار إيطالية برئاسة فابريزيو موري عام 1958 أثناء التنقيب في كهف صخري صغير يقع في وادي "تشوينت" في سلسلة جبال أكاكوس جنوب مدينة غات الليبية القريبة من الحدود الجزائرية، وهذه المومياء الفريدة المحفوظة الآن في متحف "السرايا الحمراء" بالعاصمة طرابلس، تعود لطفل صغير أسمر البشرة يقدر عمره بسنتين ونصف السنة، ولفت جثته بعناية في جلد ظبي وقد اتخذت وضع الجنين، ونزعت أحشاؤها وغلفت بأعشاب برية بغرض حمايتها من التعفن والتحلل.

كما تم اكتشاف منقوشات لتماسيح وزرافات وأبقار وماعز وفيلة على بعد 30 متراً تقريباً من مكان اكتشاف المومياء، وأيضاً عثر على "موقد الآلهة" وهو عبارة عن حلقة دائرية يبلغ قطرها ثلاثة أمتار محاطة بالصخور الصغيرة وفي وسطها مكان النار التي كانوا يلقون الحيوانات فيها وعلى بعد أمتار قليلة وجدوا مذبح هذه الحيوانات.

ولم تكن هذه المومياء الفريدة الوحيدة المكتشفة في ليبيا بل اكتشفت أخريات، ففي 2008 تم العثور على مومياء طولها 2.25 متر من قبل بعثة آثار ليبية- بريطانية مشتركة، عندما كانت البعثة تقوم بأعمال البحث والتنقيب في منطقة أوباري، تحديداً على سفوح جبل زنكرا.

جبل من القمر

كثيراً ما أثار موقع "واو الناموس" في وسط الصحراء الليبية بجبله البركاني الخامد وصخوره الباليستية السوداء وبحيراته المتعددة الألوان فضول وإعجاب الزائرين، حتى إنه وصف بأنه قطعة من القمر في وسط الصحراء.

ويوصف المكان الذي يقع جنوب جبال الهروج في جنوب غربي ليبيا، بأنه من بين أكثر مناطق العالم غرابة لاختلاف شكله وتضاريسه ولون رماله وصخوره عن المنطقة الصحراوية المحيطة به.

 

 

وتسحر هذه المنطقة الواقعة في باطن الصحراء الليبية كل من يزورها بجمالها الفريد، ولا يمكن معرفة أنها كانت عبارة عن جبل بركاني قديم إلا إذا أخبرك متخصص بذلك، فكل ما ستراه هو أرض رمادية نادرة أشبه بسطح القمر تحيط بها ثلاث بحيرات ترسم هلالاً.

موقع "واو الناموس" أو "واحة الناموس" هو عبارة عن جبل بركاني خامد يبلغ ارتفاعه 575 متراً ويقع ضمن دائرة كبيرة يعتقد بأنها فوهة البركان الذي شهد آخر فوران له منذ آلاف السنين، وهو ما تشهد عليه أثار الطفوح البركانية والصخور البازلتية السوداء المظلمة، بحسب المتخصصين.

وهناك في "واو الناموس"، يمتزج اللون الأسود للبازلت البركاني بأخضر الأشجار مع زرقة الماء، وكل ذلك محاط بطوق من الرمال الذهبية المبهرة على مساحة تبلغ نحو 20 كيلومتراً مربعاً، وكان أول اكتشاف لوجودها عن طريق بعثة استكشافية فرنسية بقيادة الرحالة لوران ربيلي عام 1918 الذي انبهر بهذا الجمال المنقطع النظير.

أما عن سبب الاسم الغريب لهذه المنطقة الصحراوية المميزة، فيعود إلى أن العلماء سجلوا اكتشاف أكثر من 16 نوعاً نادراً من أنواع البعوض تعيش في المنطقة، وتمثل لزوارها الشيء المنغص الوحيد وسط هذه اللوحة الطبيعية الفاتنة في قلب الصحراء.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات