Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المكتبات ودور النشر في الخرطوم تواجه مصيراً مجهولاً

تحطيم وسرقات وحرائق وكتب ترمى وذاكرة ثقافية مهددة

تخريب المكتبات وحرقها (موقع الجامعة الأهلية  - فيسبوك)

ملخص

تحطيم وسرقات وحرائق وكتب ترمى وذاكرة ثقافية مهددة

"أصبحت الدار السودانية للكتب أداة للصراع الإعلامي العسكري، فحرقت رمزياً بإلغاء دورها التنويري، وقد تحرق في أي وقت مقبل ما دامت أنها لا تستحق أكثر من عود ثقاب عسكري صغير".

هكذا علق الكاتب والباحث وصاحب مكتبة الوراقين في الخرطوم محمد عمر نصر في حديثه إلى "اندبندنت عربية" على توارد أنباء انتشرت عن احتراق "الدار السودانية للكتب" الكائنة في وسط العاصمة أثناء الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ولكن تم نفي الخبر في اليوم التالي من " الدعم السريع" من طريق فيديو انتشر على وسائط التواصل الاجتماعي.

وتعد الدار السودانية للكتب إحدى أكبر الدور في المنطقة العربية والأفريقية، وتقع في شارع البلدية أحد أكثر الشوارع حيوية في العاصمة الخرطوم، وتضم أكثر من 30 ألف عنوان في شتى ضروب المعرفة، وتنشط في الطباعة والنشر وتوزيع الكتاب منذ عام 1969. وتتضمن مقتنياتها المصاحف والأحاديث بروايات مختلفة، وكتب المؤلفين السودانيين والقواميس والمعاجم، كما تضم أربعة طوابق تتضمن كتب اللغة العربية والسياسة والتاريخ والكتب الإسلامية وكتب الناشئة والأطفال، وتحوي معظم الروايات العالمية والكتب العلمية وكتب الجامعات بمختلف التخصصات.

 

وأسس الدار الناشر عبدالرحيم مكاوي الذي شغل منصب رئيس اتحاد الناشرين السودانيين، وهو عضو مؤسس لاتحاد الناشرين العرب توفي عام 2021.

وبعد أن ورد خبر احتراق الدار على حساب إحدى بناته على "فيسبوك" تم نفي الخبر مرة أخرى من أحد أفراد العائلة، وورد خبر إحراق مكتبة محمد عمر بشير في جامعة أمدرمان الأهلية ومكتبة جامعة نيالا في إقليم دارفور، ولا يزال الغموض يكتنف مصير المكتبات الجامعية المهمة مثل مكتبة السودان ومكتبة معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية في جامعة الخرطوم، وكلتاهما من المكتبات ذات الشأن الأكاديمي العالي.

مشاكل متواصلة

ويلفت محمد عمر نصر إلى أن تدمير المؤسسات ودور النشر التي تعمل في مجال الطباعة ونشر الكتاب وتوزيعه ليس أمراً جديداً، ويقول "عشنا 30 عاماً من عمر نظام الإنقاذ الإسلاموي وقد حاربت المعرفة والوعي بشتى السبل في سبيل تثبيت مشروعها الأحادي أو ما يسمى بالمشروع الحضاري"، مضيفاً "حورب نشر الكتاب من طريق المصادرة والتضييق على الناشرين من قبل، والآن أيضاً يحاربون الكتاب بإحراق المكتبات والمتاجرة الإعلامية لكل طرف من أطراف الحرب".

 

ولفت خبر احتراق الدار السودانية الذي تضاربت الأنباء حوله انتباه المتابعين إلى أن عدداً كبيراً من دور النشر والمكتبات تقع مقارها في وسط العاصمة التي تعتبر ساحة الحرب الأوسع للطرفين في العاصمة، ويقول رئيس اتحاد الناشرين السودانيين الحالي عبدالله الشيخ لـ "اندبندنت عربية" إنه لا يعلم ما جرى لمكتبه ومخزنه في الخرطوم قرب الدار السودانية والذي يحوي آلاف الكتب، منها ما هو من إصدار الدار ومنها ما هو لدور أخرى.

ويقول أسامة عوض الريح صاحب "دار المصورات" التي تعد من الدور الشهيرة في العاصمة الخرطوم، إنه لا علم لديه بمصير الدار والمعرض والمخازن إضافة إلى المطبعة، وكلها تقع في وسط الخرطوم.

ويعتبر أسامة أن خبر حريق الدار إن صدق خسارة كبيرة بالنسبة إليهم كناشرين، إذ تعتبر الدار الأولى والأكبر في البلاد التي يستمدون منها العناوين ولجميع الدور السودانية تعاملات معها، ويقول "ربت فينا الدار حب الكتب وهي مدخلي بصورة شخصية للتعرف على عالم الكتاب ونعتبرها الدار الأم".

وبحسب بيان لشبكة الصحافيين السودانيين في السادس من يونيو (حزيران) الماضي، فقد اقتحمت قوة تابعة لقوات الدعم السريع "دار مدارك" للطباعة والنشر بشارع 61 بالخرطوم، وتم العبث بمحتوياتها وإشهار الأسلحة في وجه الموجودين واتخاذها مرتكزاً.

ويجهل محمد عمر نصر أيضاً مصير مكتبته "الوراقين" في حي الطائف شرق الخرطوم، لكنه يتوقع أن يكون قد طاولها التخريب بخاصة وأن المنطقة تعرضت للنهب الكامل ورحل منها سكانها جميعاً.

ويقول نصر معلقاً على حال المكتبات السودانية "ما لجرح ميت إيلام، فقد ألقت الحرب بأثقالها أيضاً علينا كفئات اقتصادية هشة بالأساس، وطاولتها الملاحقات والمضايقات من مختلف الأنظمة"، مضيفاً أن "مأساة المكتبات ودور النشر قديمة وقد تجددت مع الحرب الحالية بطريقة أخرى، والآن يريدون استخدام المكتبات في حرب التريندات بين طرفي الصراع".

المكتبات الشخصية

وتخشى ابنة الشاعر والأكاديمي الرفيع الراحل محمد عبدالحي شيراز من أن يعبث العابثون بمكتبة أبيها الشخصية في ضاحية الحلفايا شمال الخرطوم، التي تضم عشرات آلاف الكتب، بخاصة بعد استباحة قوات الدعم السريع لمنزلهم، كما أشارت في حديثها لـ "اندبندنت عربية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتصف شيراز محتويات المكتبة بأن "فيها من كل أنواع المعارف، الشعر القديم والحديث والمستحدث، الأدب السوداني القديم والحديث والمقارن، كتب إنجليزية وفرنسية ومترجمة لكتّاب أفارقة وعالميين، تاريخ عربي وأفريقي وآسيوي وأوروبي وعالمي، فلسفة، ومؤلفات لعون الشريف قاسم وعبدالله الطيب وعيسى الحلو والمجذوب والتيجاني يوسف بشير، إضافة إلى محمد المكي إبراهيم ومي زيادة ومحمود درويش وكتاب الطبقات لود ضيف الله، وتي إس إليوت وديكنز ووايتهد وسوينكا وإتشيبي ونجيب محفوظ وسنغور".

ومن الكتب النادرة تذكر شيراز كل الطبعات التاريخية لكل دواوين محمد عبدالحي، وكتابات ورسائل من كتاب عالميين إليه، وكذلك كتب بإهداءات خاصة وأخرى بهوامش بخط أبيها.

وتضيف شيراز أن قوات الدعم السريع احتلت منزل محمد عبدالحي ووالدتها عائشة موسى وتم نهب المنزل بالكامل، والأبواب مفتوحة على مصاريعها ويتوقعون الأسوأ بالنسبة إلى المكتبة، وتضيف "قبل اندلاع الحرب بدأت رفوف المكتبة الرخامية العتيقة في الانهيار والتساقط، وقبل أن نفعل شيئاً بهذا الخصوص حدث ما حدث وكأن الرفوف أحست بما سيأتي من دمار".

بعض الكتاب والمثقفين السودانيين في الداخل والخارج ذكروا على صفحاتهم أن منازلهم استبيحت وحطمت مكتباتهم مثل الكاتب الصحافي جعفر عباس والشاعر عادل سعد يوسف، ولم يمر ببال الكاتب والروائي عبدالغني كرم الله الذي لجأ إلى خارج البلاد بسبب الحرب أن يطرد مسافة 2000 كيلومتر عن دار لم يودع حوائطها خوف أن يفقدها للأبد، ثم يأتي غرباء عن البيت ويرمون الكتب بلامبالاة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة