رفع السودانيون سقف طموحاتهم بعد إعلان الولايات المتحدة إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، حيث يحدو بهم الأمل في أن تنهض بلادهم التي طالما عرفت بسلة غذاء العالم، من خلال استنهاض الهمم الإنتاجية في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية والتعدين لغزو أسواق العالم، والاستفادة من دعم المجتمع الدولي بخاصة صندوق النقد والبنك الدولي لإحداث تحول تنموي يرتقي بالاقتصاد السوداني إلى مستويات متقدمة، مما يساهم في تخفيف المعاناة عن كاهل الشعب الذي عانى من ويلات ارتفاع أسعار السلع الأساسية بمعدلات مرتفعة طيلة فترة العقوبات التي استمرت لأكثر من عشرين سنة.
ويعتبر مراقبون أن هذه الخطوة إيجابية من ناحية تحسين العلاقات الاقتصادية وتعميقها مع دول العالم المتقدم بخاصة الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، سواء بزيادة التبادل التجاري والاستثماري أو بإيجاد مساعدات اقتصادية لدعم المشاريع التنموية، ما سينعكس إيجاباً على الحركة الاقتصادية والتجارية في السودان.
رفع الإنتاجية
وفي هذا الصدد توقع الباحث الاقتصادي عبدالمنعم الحاج في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن تشهد الفترة المقبلة دخول العديد من المستثمرين والشركات الأميركية والأوروبية إلى البلاد، ما يتطلب وضع سياسات تحفيزية وجاذبة للاستثمار والعمل على إزالة العوائق كافة أمام المستثمرين، فضلاً عن تفعيل القوانين الاستثمارية وتطويرها.
وأوضح أن القرار سيساهم في جلب التقنيات والتكنولوجيا العالمية للقطاعات الزراعية والصناعية والتعدينية والتي كانت تعتمد على الأساليب البدائية، ما يؤدي إلى رفع الإنتاجية وتوفير عملات أجنبية من خلال زيادة الصادرات السودانية في الأسواق العالمية، ما من شأنه تخفيف الفجوة في الميزان التجاري البالغة 6 مليارات دولار بخاصة أنه كان يتم في فترة النظام السابق استيراد 80 في المئة من حاجة الاستهلاك المحلي.
ولفت إلى أنه إلى جانب الأهمية الاقتصادية للقرار، فإنه من ناحية سياسية سيحدث أثراً كبيراً في مستقبل السودان من خلال تحسين صورته في نظر العالم.
وأكد الحاج أثر القرار في منح حرية التحويلات المصرفية من وإلى السودان، مما سيزيد من حجم الائتمان المصرفي، فضلاً عن حرية التجارة وحركة الصادرات والواردات من دون وجود أي عقبات من البنوك الخارجية.
وقال "لكن لا بد من استقرار سعر الصرف وهو لن يحدث إلا من خلال زيادة الإنتاج ونسبة الصادرات من السلع الاستراتيجية"، مشدداً على أن الخيار الأمثل لبناء أي اقتصاد هو الإنتاج سواء كان ثروة حيوانية أو زراعية أو تعديناً أو بترولاً أو صناعة.
ضعف الإنتاج
ويعاني اقتصاد السودان من ضعف الإنتاج على الرغم من توفر الموارد الطبيعية بخاصة قطاع الزراعة والثروة الحيوانية. ويؤكد الحاج أن الفترة المقبلة تتطلب إيجاد تحرك خارجي لدعم الصادر ومسألة الاستيراد وإعادة العلاقات مع المؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية لضخ رأسمال تشغيلي تستفيد منه قطاعات منتجة عدة لفترات طويلة، إلى جانب أهمية العمل على ثبات السياسات الائتمانية النقدية والضريبية والجمركية وقانون الاستثمار، فضلاً عن العمل على استقطاب مدخرات المغتربين من خلال وضع سياسات تشجيعية واضحة.
وتوقع ظهور آثار هذا القرار الإيجابية بشكل كبير في المدى المتوسط، وبشكل محدود في المدى القصير، نظراً إلى ما حدث من انهيار كبير للاقتصاد السوداني ومؤسساته المختلفة فترة الثلاثين سنة الماضية.
وأشار إلى أن إعادة الثقة إلى الاقتصاد تتطلب اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لمعالجة المشاكل التي تعاني منها القطاعات الاقتصادية بخاصة الإنتاجية منها وذلك بصورة جادة ووفق رؤية واضحة المعالم وجدول زمني محدد يراعي معقولية التدرج في تنفيذ السياسات.
157 مؤسسة
أكد محافظ بنك السودان المركزي بدر الدين إبراهيم، أن البنك تلقى خطاباً من مدير مكتب العقوبات في وزارة الخارجية الأميركية عبر وزارة الخارجية السودانية يفيد بتأكيد انتهاء أشكال العقوبات الاقتصادية كافة المفروضة على السودان، بموجب الأمرين التنفيذيين 13067 و13412، الصادرين منذ 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
وأوضح أنه بموجب إلغاء الأمرين فقد تم رفع العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية، ولم يتبق ضمن العقوبات سوى بعض الأفراد والمؤسسات المرتبطين بالأحداث في دارفور.
ويشير الخطاب إلى أن ذلك ليس له أي علاقة بمسألة التحويلات البنكية، هذا فضلاً عن ثلاثة روابط تشير إلى انتهاء العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية.
وراسل بنك السودان المركزي المصارف السودانية والمراسلين بذلك، كما راسل بعض المصارف المركزية بالدول العربية لتنشيط علاقات المراسلة المصرفية تعظيماً للمنفعة المشتركة.
وكانت الولايات المتحدة قررت في 12 أكتوبر 2017، رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على الخرطوم، بعد فرضها مدة 20 عاماً متواصلة، على خلفية مزاعم دعم الخرطوم للإرهاب، لكن القرار لم يجر تنفيذه.
وفي وقت سابق قال وزير المالية السوداني إبراهيم البدوي إن "تطور مسار الحوار المجتمعي في السودان يستهدف الوصول إلى صيغة وبرنامج يمكنان السودان من التفاوض مع المؤسسات الدولية" في ما يتعلق بالديون الدولية المستحقة على السودان، مشيراً إلى أهمية التخلص من العقوبات في منح السودان دفعة إلى التفاوض بشأن ديونه وتلقي المساعدات من المنظمات الدولية.
أنواع العقوبات
ومن المعلوم أن هناك نوعين من العقوبات الأميركية التي استهدفت السودان، يتمثل النوع الأول في عقوبات تنفيذية رئاسية شملت الأمر التنفيذي 13067 وهو صدر في نوفمبر(تشرين الثاني) 1997 والذي تم بموجبه فرض عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية شاملة، علماً أنه قد تم قبل ذلك إضافة السودان إلى القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب عام 1993، والأمر التنفيذي 13400 الصادر في أبريل (نيسان) 2006، حيث وسعت العقوبات لتشمل حظر الأفراد الذين تثبت مساهمتهم في نزاع دارفور وحجز أملاكهم، والأمر التنفيذي 13412 الذي صدر في سبتمبر (أيلول) 2006، وهو قضى باستمرار حجز أموال الحكومة السودانية، مع إضافة كل المعاملات التي قد يقوم بها أي مواطن أميركي مع صناعة البترول والصناعات البتروكيمائية في مجال النفط وأنابيب النفط السودانية.
أما النوع الثاني من العقوبات، فقد تم بتشريعات من الكونغرس الأميركي، وضم قانون سلام السودان عام 2002، وقانون سلام السودان الشامل عام 2004، وقانون سلام ومحاسبة دارفور عام 2006، وقانون المحاسبة ونزع الاستثمار في السودان عام 2007.