Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصدر والقوى المدنية في العراق... اتساع الخلافات

"محاولة احتكار قرار الساحات ودماء الضحايا لمصالح سياسية إشكال حقيقي بالنسبة إلى القوى المدنية"

 شارع مغلق بسبب عجلات محروقة (أ.ف.ب)

يبدو أن العلاقة بين التيار الصدري والقوى المدنية في العراق باتت أكثر تأزماً، بعد تصاعد الخلافات بين الطرفين في ما يتعلق بالحراك الاحتجاجي. وبينما ينفي التيار الصدري أي خلافات بينه وبين القوى المدنية، يتهم المدنيون التيار الصدري بمحاولة "ركوب موجة الاحتجاجات لتحقيق غايات سياسية".

ولعل أبرز ما أزم العلاقة بين الطرفين التحول في موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في الفترة الماضية، خصوصاً بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، الذي رأى فيه الصدر فرصة لتسيد المشهد الشيعي في العراق، ما أدى إلى تصدع العلاقة بين القوى المدنية والتيار الصدري، وفق مراقبين.

دعم علاوي وبداية التصدع

لكن اللحظة الفارقة في علاقة التيار الصدري والقوى المدنية، كانت مع دعم زعيم التيار الصدري تكليف محمد توفيق علاوي لرئاسة الحكومة، متجاوزاً مطالب المحتجين الرافضين هذا التكليف، فيما ادعى الصدر أن علاوي يمثل خيار المحتجين. ما أدى إلى حصول اشتباكات أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من المحتجين الرافضين لهذا التكليف. وفيما نفى التيار الصدري علاقته بذلك، اتهمت القوى المدنية "القبعات الزرق" بالقيام بتلك الاعتداءات، التي كان أبرزها أحداث ساحة التحرير واقتحام بناية المطعم التركي وأحداث النجف.

ويعتقد المدنيون أن الصدر بات يقترب بشكل كبير مع الرؤية الإيرانية. ما تسبب بإشكالية في ما يتعلق بالتقارب بين الطرفين، إذ إن السبب الرئيس في هذا التقارب من وجهة نظرهم كان بسبب مواقفه من النفوذ الإيراني والقوى السياسية المساندة لهذا النفوذ في الداخل العراقي.

اعتداءات مستمرة

وشهدت الفترة الماضية اعتداءات عدة طالت ناشطين في الحراك الاحتجاجي، وسط اتهامات "لعناصر تنتمي إلى التيار الصدري بالقيام بتلك الاعتداءات ومحاولة فرض سلطة على ساحات الاحتجاج بالقوة".

وكان آخر تلك الاعتداءات على الناشط البارز حسين رحم، الثلاثاء 3 مارس (آذار)، إذ تعرض لاعتداء وطعنات في ساحة التحرير، وسط بغداد، من قبل عناصر تدعي الانتماء للتيار الصدري.

وقال شقيق الناشط، حسن رحم، في منشور على "فيسبوك"، "تعرض أخي حسين رحم للاعتداء بالسكاكين في ساحة التحرير من قبل جهة سياسية معروفة"، مؤكداً "امتلاك أدلة تثبيت تحريض أفراد ينتمون إلى تلك الجهة ضدنا أنا وأخي".

أضاف رحم، "بيننا وبينكم القضاء والإعلام والسكاكين لن تثنيا".

وأردف في منشور آخر أن "المجموعة التي هاجمت شقيقه كانت تقول إن هذا ثأر لمقتدى الصدر".

وتابع "نضع مظلوميتنا أمام أعينكم، وأمام الأمم المتحدة ومرجعية النجف"، لكنه قام بحذف منشوره الأخير.

فيما نشر حسين رحم منشوراً على "تويتر" جاء فيه، "كل شيء حصل معنا، اعتقلنا مع عائلتنا بعمر 7 سنوات من قبل النظام السابق، والإصابات التي تعرضت لها في تظاهرات 2015، وإصابتي بشظايا التنظيم الإرهابي بمعارك الموصل، وإصابتي في تظاهرات تشرين وآخرها السكاكين التي ملأت رأسي وظهري"، مردفاً "كلها فداء لتراب الوطن"، فيما ألحق منشوره بوسم "يمضون ونبقى".

في غضون ذلك، نشر الحساب الشخصي لصالح محمد العراقي، المقرب من مقتدى الصدر منشوراً وضع فيه صورة الناشطيَن حسين وحسن رحم، قال فيه، "سلامتك وتبت اليد التي اعتدت عليك، والاعتداء ضدك لن يمر مهما كان الفاعل"، لكنه سرعان ما حذفه ونشر منشوراً آخر قال فيه "سلامتك أيها الثائر.. قم أيها المعتدل بسلام... فسيد إصلاح زمانه لن يرضى بالتعدي على المعتدلين".

أصوات "الفتنة"

في المقابل، قال مدير مكتب الصدر في بغداد إبراهيم الجابري، إن "الأصوات التي تتهم الصدريين بأنهم يقومون باعتداءات داخل ساحات الاحتجاج هي أصوات نشاز تحاول خلق الفتنة وإرباك الوضع بين المحتجين بعد أن رأوا استقرار وضع الساحات".

وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "أبناء التيار الصدري هم أبناء هذا الوطن ولا مشكلة لديهم مع إخوتهم في التيارات المدنية وأي اعتداء على المدنيين مرفوض جداً".

وتابع، "الجميع يعلم أن المدنيين معنا منذ 2015 حتى الآن في جميع تظاهراتنا واعتصاماتنا ولا يزالون شركاءنا وندافع عنهم قبل الدفاع عن تيارنا".

وأشار إلى أن "الحديث عن محاولة استغلال وابتلاع تظاهراتهم ليس اتهاماً بل فتنة يريدها السياسيون الفاسدون وبعض الأشخاص التابعين لهم"، مبيناً أن "هذه الفتنة تم تجاوزها بقوة وشجاعة الشعب العراقي".

ولفت إلى أن "أمس جرت جلسة مطولة في ساحة التحرير مع كل الحركات،  ونرفض أي اعتداء على المدنيين لجر الحركة الاحتجاجية إلى الفتنة"، مردفاً "نحن أقرب إلى المدنيين من الطبقة السياسية ومستمرون في هذا التقارب".

سلطة على الشارع

في السياق ذاته، قال مستشار المركز العربي للدراسات الاستراتيجية يحيى الكبيسي، إن "المشكلة الحقيقية ليست في طبيعة العلاقة بين التيار الصدري والقوى المدنية، بل في بنية التيار الصدري نفسه، حيث يعيش ازدواجية حقيقية، ويريد من جهة أن يكون فاعلاً في السلطة من خلال تمثيله النيابي وهيمنته على مواقع المسؤولية في الدولة، ومن جهة أخرى يريد احتكار الشارع ويعتقد أن رأسماله الرمزي الأساسي هو قدرته على التحشيد الذي يعطيه القدرة على الضغط سياسياً".

أضاف، "التحالف مع التيار المدني لم يكن مبدئيا بل مصلحياً، ويعتقد التيار الصدري أنه يجب منع احتكار المدنيين الشارع ومزاحمتهم على رأسماله الرمزي"، مبيناً أن "تحالف التيار الصدري مع القوى المدنية كان الطريقة المثلى لاستخدامه لغايات الصدر السياسية".

وعبّر الكبيسي عن اعتقاده أن "الغاية الأساسية للتيار الصدري هي عدم السماح لأي تيار بمزاحمتهم على الشارع"، لافتاً إلى أن "التيار الصدري بات يعتقد أنه خسر القدرة على التحشيد، وبالتالي لا يمكن أن يسمح بذلك لأنه يعني فقدان قوتهم الحقيقية".

وأشار إلى أنه "من الصعب ترميم علاقة التيار الصدري مع القوى المدنية مرة أخرى، وما فعله التيار كان صدمة للجميع لأنه تجاوز لكل المحرمات"، مبيناً أن "محاولة احتكار التيار الصدري قرار الساحات ودماء الضحايا لمصالح سياسية كان إشكالاً حقيقياً بالنسبة إلى القوى المدنية".

خلافات عميقة

فيما يرى رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر أن "الخلاف بات عميقاً بين القوى المدنية والتيار الصدري، وما لم يقم الصدر بخطوات جدية لإعادة ثقة الشارع به، ستستمر وتتعمق الخلافات".

ويوضح، أن "الصدر نجح في السابق في محاولة استمالة الشارع العراقي للظهور بمظهر القوة السياسية التي لا يمكن إزاحتها عن المشهد السياسي، ونجح في استحصال عدد أكبر من النواب في الانتخابات الأخيرة بسبب هذا الخطاب"، لافتاً إلى أن "الصدر أدار ظهره للمحتجين عندما رأى أن الغنيمة أكبر بإمكانية السيطرة على كل الحكومة العراقية".

ويعتقد داغر، أن "سيطرة التيار الصدري على البرلمان مستقبلاً باتت بعيدة المنال، وفرصته الوحيدة هي السيطرة على السلطة الآن مستغلاً التشتت الحاصل في القوى السياسية والمشهد العراقي المعقد"، مردفاً "الاستمرار على هذا النسق سيزيد من المأزق الذي وضع الصدر نفسه فيه، إذ أصبحت القوى المدنية المحتجة والقوى السياسية ناقمة عليه".

ويشير إلى أن "مشكلة الصدر كانت مع القوى السياسية الشيعية التي تسيطر إيران على معظمها، لكنه يحاول الآن القول لإيران أنا المخلص لكن بمقابل السيطرة على المشهد السياسي خصوصا بعد غياب سليماني".

إدارة الصراع بين المحتجين والقوى السياسية

من جانبه، يلاحظ الكاتب والناشط علي المياح أنه "على طول خط العلاقة بين الصدر والمدنيين، كانت هناك تجاذبات وخلافات، لكن ما جرى بعد الأول من فبراير وحادثة اقتحام الساحات بالهراوات والعصي الكهربائية وما بعدها من تغول صدري على الساحات، يمكن القول إن كل الجسور قد فجرت بين الصدر وجمهور المدنيين، وإن باتوا لا يرونه إلا كأي قائد فصيل مسلح معادٍ لانتفاضة تشرين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضيف، "تغاضي الصدر عن السلوكيات المتطرفة لأتباعه غير مبرر، وبمثابة ضوء أخضر للمضي بهذا التطرف، وهذا ما لم نعهده منه على الأقل خلال السنوات القليلة الماضية".

يتابع، "الصدر كان منذ اندلاع انتفاضة تشرين يسعى لإدارة الصراع بين الطبقة السياسية والشارع المحتج، ولكي يتمكن من إدارة هذا الصراع، بما يتناسب مع أهدافه، يجب أن يُحكم السيطرة على الساحات، أو يحجمها إلى حد ترويضها وعدم خروجها عن المسار الذي يحدده الصدر".

لحظة القطيعة

في السياق ذاته، يقول المدوّن والناشط زايد العصّاد إن "الخلاف وصل أشده لحظة تبشير الصدر بتكليف علاوي وتصديره على أنه مرشح الساحات وهو ليس كذلك، بعدها وقعت أحداث عدة عمقت الخلاف بين المدنيين والصدريين ابتداءً بحادثة الهراوات مروراً بأحداث ساحة الصدرين في النجف، وليس انتهاءً بالتضييق على حريات المعتصمين وآرائهم وشعاراتهم في ساحات الاحتجاج، خصوصاً ساحة التحرير".

يضيف "المتظاهرون اليوم ينظرون إلى الصدر وتياره على أنهما شريكان أساسيان في هذه العملية السياسية ولا يمكن استثناؤهم من الفساد والفشل وحتى الإجرام والانتهاكات ضد الحريات والمواطنين"، معبراً عن اعتقاده أن "الصدع بين الصدريين والمدنيين لا رأب له في هذه الحركة الاحتجاجية".

ويلفت إلى أن "التيار الصدري بتكوينه تيار هرمي لا تشاوري ويخضع لرأي واحد وهو رأي زعيمه، بالتالي لا يمكن اعتبار الانتهاكات التي تصدر من مجاميع التيار الصدري كتصرفات فردية أو غير مسؤولة بل تمثل في النهاية رؤية زعيم التيار الصدري وآراءه المكتوبة والمسموعة".

فيما يرى الناشط محمود حميد أن "المدنيين المتقبلين لوجود التيار الصدري في الاحتجاجات كانوا ينظرون إلى المتبنيات الوطنية التي دفع الصدر وأتباعه في اتجاهها، في ما يتعلق بالموقف من التدخل الإيراني، ومغادرة الخطاب الطائفي، وتفكيك البيت الشيعي كبادرة للتحول من التمثيل السياسي المكوناتي إلى التمثيل الوطني وغيرها من متبنيات تبلورت بعد عام 2015".

وعن إمكانية أن يسيطر التيار الصدري على خطاب المحتجين، يعتقد حميد أن "احتجاجات تشرين لم تكن صالحة للتحول إلى أداة للتيار الصدري، يمكن التعويل عليها كورقة ضغطٍ على الخصوم السياسيين كما حصل في السابق، إذ تم رفض مرشح دعمه الصدر، وتم التصدي للخيارات السياسية للتيار، وبالتالي يريد التيار الصدري عبر شعار تطهير الساحات خلق أرضية احتجاجية صالحة للاستثمار السياسي".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي