Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينزع ترودو فتيل المواجهة بين الهنود الأصليين والحكومة الكندية؟

رئيس وزراء كيبيك يؤكد وجود كلاشنيكوف بأيدي شباب الموهوك

من مظاهرات الهنود الأصليين في كندا (غيتي)

تتواصل الاحتجاجات وأعمال قطع خطوط السكك الحديدية وبعض الطرق الرئيسة في أنحاء متعددة من كندا من جانب قبائل الهنود الأصليين وبعض مناصريهم، والتي دخلت أسبوعها الثالث على التوالي دعماً لزعماء أمّة "وتسوويتن" (Wet’suwet’en) من الهنود الأصليين، المعترضين على تمديد أنبوب "كوستال غاز لينك" بين مدينتي "داوسون كريك" و"كيتيمات"، مروراً بأراضي أجدادهم التقليدية.

ويلقى المشروع، الذي يتكلف 5 مليارات دولار والمخصص لنقل الغاز الطبيعي غرباً مسافة 670 كيلومترا إلى ساحل المحيط الهادي حيث يوجد مصنع للإسالة قيد البناء، معارضة من قبل "الزعماء الوراثيين" لأمّة "وتسوويتن" الذين يتمتعون بنفوذ روحي كبير في صفوف الهنود الأصليين، في حين تؤيده "المجالس المنتخبة" المحلية؛ ما حدا باتباع "الزعماء الوراثيين" إلى إقامة حواجز ووضع عوائق في موقع إنشاء الأنبوب مانعين العمال من الوصول إليه. كما تضامن مع هؤلاء متظاهرون في أنحاء متعددة من كندا، ولجأ هؤلاء إلى وضع عوائق فوق خطوط السكك الحديدية ما أدى إلى توقف حركة نقل البضائع والركاب في مناطق متعددة من أنحاء البلاد، ضمن سلسلة ضغوط لثني الحكومات المحلية والحكومة الفدرالية عن المضي قدماً في مشروع الأنبوب.

وتَشكل مُعطلو حركة النقل من هنود كندا الأصليين مع بداية اندلاع الأزمة، لكن ما لبث أن انضمّ إليهم مواطنون كنديون في مقاطعات أخرى، رفعوا شعارات من مثل "أوقف الغزو! لا خطوط أنابيب على الأرض الأصلية المسروقة". وسصف المنتقدون خط الأنابيب بالـ"غزو"، لأن زهاء ربع طريقه يمر عبر الأراضي التي تعود تقليديا إلى أمة "وتسوويتن" الأصلية. كما شهدت مناطق كندية متفرقة مواجهات بين عشرات من رجال الشرطة ومحتجين من أمة "موهوك" الهندية الأصلية خلال تفكيك الشرطة لمعسكرات مرتجلة تم إنشاؤها على طول خط خط سكة حديد أونتاريو، تنفيذاً لأمر قضائي صادر من المحكمة قضى بإنهاء الحصار الذي دام أسابيع وشل جزءا كبيرا من حركة مرور البضائع في شرق كندا. كما شهدت منطقة كاهناواكي، جنوبي مدينة مونتريال، توترات مماثلة بين السلطات المحلية ورجال من أمة الـ"موهوك" قاموا بقطع خطوط السكك الحديدية في المنطقة.

تمرد مسلح؟

لكن الأمور اتخذت طابعاً أكثر خطورة مع إعلان فرانسوا ليغو، رئيس وزراء مقاطعة كيبيك، امتلاكه "معلومات مؤكدة حول وجود بنادق أوتوماتيكية، وتحديداً من طراز كلاشنيكوف" لدى عناصر "موهوك" المعتصمين في منطقة كاهناواكي. وجاء كلام ليغو الصادم، رداً على تساؤلات مواطنيه عن الأسباب التي تمنعه من إرسال قوات الشرطة لفض الاحتجاج بالقوة وفتح الطرق المقطوعة؛ إذ قال "ضميري لا يتحمل مسؤولية نزيف دماء أي رجل شرطة قد يذهب في مهمة خطرة كهذه". وأبدى ليغو نفاذ صبره جراء عقم المحادثات السياسية الرامية إلى إيجاد حل لمشكلة قطع الطرقات من قبل رجال الموهوك، خصوصاً وأن تحركات رئيس الحكومة الكندية، جاستن ترودو، لم تأتِ بالنتيجة المرجوة حتى الآن رغم المحادثات المتعددة التي جرت وتجري، متسائلاً "إلى متى سيستمر الوضع على هذا الحال؟".

وصحيح أن الاحتجاجات لم تعرقل أي من خطط بناء الأنبوب حتى الآن، إلا أنها عطلت الحركة الاقتصادية وأحرجت حكومة ترودو الليبرالية. فقد اضطرت شركة "السكك الحديدية الوطنية الكندية" إلى إغلاق بعض خطوطها شرقي البلاد وتسريح زهاء 450 عاملاً بشكل مؤقت. أما شقيقتها "فيا رايل" المتخصصة في نقل الركاب، فاضطرت إلى تسريح 1000 عامل. كما توقف تدفق المنتجات الغذائية ووقود التدفئة والمنتجات الزراعية والمواد الأولية عبر أنحاء البلاد، فيما لم تتمكن السيارات والسفن من عبور جسور وموانئ تقع على الحدود مع الولايات المتحدة، كما تعطلت وسائل نقل موظفين إلى أعمالهم، ما أدى إلى تصاعد المشاعر العدائية ضد المحتجين.

أمام هذا الواقع، اعتصم ترودو بالصبر والتفاوض رافضاً الدعوات إلى استخدام القوة. وهو كان غائباً خلال الأسبوع الأول من الاحتجاجات بسبب جولة خارجية سعياً لحصول بلاده على مقعد في مجلس الأمن الدولي. وقد أجبرته التطورات المتسارعة إلى إلغاء محطته التالية في بربادوس، والعودة بسرعة إلى أوتاوا. ويقول المراقبون السياسيون إن تمديد أنبوب "كوستال غاز لينك" تعد مسألة شائكة بالنسبة لرئيس الوزراء الكندي لأنها تتقاطع مع ثلاثة وعود أطلقها. الأول، وعد بتعزيز المصالحة مع السكان من الهنود الأصليين، وهي علاقة يصفها شخصياً بأنها إحدى أولويات حكومته منذ ولايتها الأولى في خريف 2015، لكن ترودو لم يكشف بعد عن القواعد المنظمة لتلك العلاقة كما كان متوقعاً قبل الانتخابات التي جرت العام الماضي. الوعد الثاني هو حماية البيئة، لكن خط الأنابيب سيحمل وقوداً أحفورياً يفضل كثير من أنصار "حزب الخضر" بقاؤه حبيساً في الأرض. أما آخر الوعود، تعزيز النمو الاقتصادي، فإنه يتطلب بالضرورة تصدير الغاز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إرث ثقيل وقديم

يجمع المحللون السياسيون على أنه لا يمكن لوم ترودو بشأن العلاقة المتوترة مع السكان من الهنود الأصليين. فقد ورث هذا اللغم من الحكومات الفدرالية المتعاقبة التي فشلت في حل التناقضات بين القوانين الوطنية وقوانين الشعوب الأصلية. والأسوأ من ذلك، أن المحاولات السابقة ساهمت في إثارة الفوضى. ففي عام 1876، أُقر قانون قسَّم بشكل مصطنع، الأمم الأصلية إلى "مجالس منتخبة"، رغم اعتراض "الزعماء الوراثيين" الذين رفضوا انتزاع السلطة منهم وتحويلها إلى ممثلين منتخبين. وخلال المفاوضات التي جرت قبل الشروع ببناء خط الأنابيب، رفض "الزعماء الوراثيون" الموافقة على خريطة الطريق المقررة للأنبوب لأنها تخترق مناطق تضم قبور أجدادهم ومناطق غابية مقدسة، فيما وقعت جميع الـ"مجالس منتخبة" العشرين في المناطق الواقعة على طول طريق الخط على اتفاقيات منافع قيمتها 338 مليون دولار كندي مع شركة "تي سي إنرجي" الراعية للخط، بالإضافة إلى620 مليون دولار كندي نظير أعمال تعاقدية لشركات تابعة للهنود الأصليين.

ومع تباعد وجهات النظر وتغليب سياسة الأمر الواقع من قبل الطرفين، دعا زعماء "وتسوويتن" الوراثيون إلى انسحاب عناصر الشرطة الفدرالية من منطقة بناء الأنبوب وطلبوا تعليق العمل ببنائه، كشرطين للجلوس على مائدة المفاوضات مع الحكومة الفدرالية. لكن رئيس الوزراء الكندي اشترط إزالة الحواجز التي تعيق حركة السكك الحديدية والنقل البري كبادرة حسن نية للتفاوض، مع ضرورة احترام وتنفيذ الأوامر الصادرة عن المحاكم بإزالة ما يعيق حركة القطارات.

وأكد ترودو أنّ حكومته تبذل قصارى جهدها من أجل إقامة حوار مع قادة الهنود الأصليين لكنها لم تلقَ تجاوباً، مشيراً إلى أنه "لا يمكن عقد حوار عندما يجلس طرف واحد إلى الطاولة". ورأى رئيس الحكومة الكندية أنّ قطع الطرق "أمر غير مقبول ولا يمكن له أن يستمر"، موضحاً أن "جميع الكنديين يدفعون الثمن، فبعض الناس لا يستطيعون الذهاب إلى أعمالهم والبعض الآخر فقدوا وظائفهم".  لكنه لم يذكر كيف ومتى سيجعل قاطعي الطرقات يحترمون الأوامر الصادرة عن المحاكم بإعادة فتحها، مؤكداً أنّه لن يرسل الجيش لإزالة ما يعيق حركة النقل، مكرراً ما سبق له أن قاله عن ضرورة حلّ الأزمة بشكل سلمي.

شبح أوكا

ومن الواضح أن ترودو لا يرغب في تكرار تجربة "أزمة أوكا" التي حدثت في أغسطس عام 1990، والتي استمرت ثمانية وسبعين يوما بين محتجين من أمة "موهوك" وقوات إنفاذ القانون، بسبب توسيع ملعب جولف فوق أرض متنازع عليها تشمل مدافن مقدسة للموهوك. وقد اضطرت السلطات وقتها إلى نشر أكثر من أربعة آلاف جندي لاستعادة النظام، في بلدة أوكا الصغيرة الواقعة خارج مدينة مونتريال، بعدما اجتاح مسلحون من الموهوك الطريق الرئيسة والمنطقة المحيطة بها، قبل أن تتمكن وحدات من الجيش الكندي من استعادة زمام الأمور بعد سقوط العديد من الضحايا.

ولم تتردد المعارضة المحافظة في استغلال أزمة الأنبوب لتوجيه سهامها السياسية نحو ترودو، إذ وصفت تعامل حكومته "المائع" مع الأزمة بأنه "يفتقر بقوة للقيادة". وفي خضم ذلك، يقود ترودو معركة الأنبوب السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحنكة وحكمة بالغتين، وهو رد على منتقديه من أحزاب المعارضة بأن الأمر ليس مجرد إيجاد حل "سريع" و"سلمي" وإنما "مستدام". وقال تحت سقف مجلس العموم الكندي: "من السهل جدا على أحزاب المعارضة المناداة بالتوصل إلى حلول بسيطة. أما نحن فنعمل على حلول معقدة للمشاكل المتشابكة منذ أسابيع وحتى سنوات".

التوصل إلى اتفاق نهائي لحل نزاع خط الأنابيب قد يتطلب تنازلات من جانب السكان الأصليين، ويتطلب كذلك أن تقوم الحكومة الفدرالية بتبادل الأراضي والتنازل عن بعض السلطات ومنح مزيد من المال لإنهاء الاحتجاجات والمطالبات. ويبدو أن المشاريع المستقبلية، مثل التوسع المخطط لخط أنابيب "ترنس ماونتن" النفطي، ستثير جدلاً جديداً حتى لو تم حل أزمة أنبوب "كوستال غاز لينك" اليوم، لكن المؤكد أن ترودو، فيما لو خرج منتصراً من هذه الأزمة، سيكون قد ضمن فترة حكم ثالثة رئيساً لوزراء كندا.

المزيد من دوليات