Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفنان الأميركي باري إيفرسون جذبته مصر... فنقل جمالياتها

معرض فوتوغرافي بين اللقطة الواقعية والتخييل

لقطة فوتوغرافية من مصر (اندبندنت عربية)

صورة فوتوغرافية قديمة وملونة يدوياً تعود إلى عام 1880 لامرأتين ترتديان الزي التقليدي للمرأة الريفية في ذلك الوقت. خلفية المشهد تُظهر سماء القاهرة مغطاة بطبقة ضبابية برتقالية اللون. التكوين الفوتوغرافي، ومشهد الأشخاص يوحي بالافتعال، فالصورة تنتمي إلى شريحة من الصور الفوتوغرافية كانت تُستخدم كبطاقات بريدية يرسلها المقيمون في الشرق من الأجانب إلى أصدقائهم وأحبائهم في الوطن، وغالباً ما كانت هذه الصور تحمل مشهداً مصطنعاً تم صوغه كي يتواءم مع الصورة النمطية للحياة في الشرق كما يراها أو يتخيلها الغرب. هذه الصورة وغيرها تحولت اليوم – مع افتعالها- إلى مرجع بصري لطبيعة الحياة في ذلك الوقت. عشرات المجموعات الفوتوغرافية القديمة الموزعة اليوم حول العالم تُشكل معاً أرشيفاً بصرياً واسعاً للشرق وثقافته، أرشيف بصري يتداخل فيه الحقيقي بالمتخيل.

بعيداً من هذا التنميط المُتعمد لتلك الصور، فقد بقي المشهد مجرداً ومجسداً لعبقرية الفوتوغرافيا وحضورها الساحر، ومُستدعياً كذلك للحكايات المُحتملة التي تقفز إلى المخيلة حين تتطلع إلى وجه حقيقي، تدرك جيداً أنه مجرد أثر، شبح لشخص آخر كان هنا، وقف في لحظة أمام عدسة الكاميرا ثم رحل، تاركاً لنا ظله. ربما تفصلك عن صاحب هذا الظل أو الصورة سنوات طويلة، وربما عقود، لكنه هنا، يبدو شاخصاً إليك عبر تلك المساحة الصغيرة متحدياً الزمن. الصورة الفوتوغرافية ليست رسماً، هي أشبه بالحقيقة، تستطيع من خلالها تأمل الملامح وخلجات الوجه وتعبيراته الآنية في تلك اللحظة الساحرة. تلك اللحظة التي ضغط خلالها المصور على زر الكاميرا، فتجمد حينها الزمن وأحاط الوجه بتلك الهالة الأسطورية. الصورة الفوتوغرافية هي انفصال مراوغ للوعي بالهوية، هي تلك الدهشة التي تبعثها في النفوس، وقدرتها على التوثيق وتخطيها للحظة الراهنة. تحمل الصورة الفوتوغرافية عبقريتها الخاصة، وتقدم على مستوى تخيلي هذه المساحة الشديدة الغموض بين الموت والحياة. يقول رولان بارت في كتابه الحجرة المضيئة: "أتذكر أنني احتفظت لوقت طويل بصورة قصصتها من مجلة تعرض سوقاً للعبيد، يقف سيد العبيد بقبعته، والعبيد في ملابس تكشف عوراتهم، جالسين. أكرر أنها صورة وليست رسماً، لأن رُعبي وافتتاني الطفولي أتى من هنا، من ذلك اليقين أن ذلك قد وُجد"... نعم، تكمن رهبة الفوتوغرافيا الأسطورية في ذلك الإدراك الراسخ بأنك تشاهد لمحة حقيقية وشديدة الوضوح من زمن تعرف جيداً أنه انقضى. تكمن دهشتها في ذلك الحضور المزدوج للماضي والحاضر، ذلك الحضور الذي يجمد الزمن ويتيحه للآخرين.

صورة المرأتين هي واحدة ضمن مجموعة من الصور الفوتوغرافية القديمة المعروضة حالياً في غاليري "فن أبورتيه" حتى الرابع عشر من مارس (آذار) في مدينة دبي تحت عنوان "الرحلة" الصور المعروضة هي جزء من مجموعة المصور الفوتوغرافي باري إيفرسون، وهو مصور أميركي يقيم في القاهرة. جاء إيفرسون إلى القاهرة قبل أربعين عاماً، وعمل لسنوات مصوراً لصالح مجلة تايم الأميركية، كما حصل على منحة فولبرايت عام 1985 لدراسة تاريخ التصوير الفوتوغرافي في مصر. برع إيفرسون في تسجيل مشاهداته اليومية للقاهرة وغيرها من المدن المصرية والعربية التي زارها. إلى جانب أعماله الفوتوغرافية الخاصة اهتم إيفرسون بجمع الصور القديمة، هذه الصور التي التقطها غيره من المصورين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لمدن الشرق.

الصور التي يعرضها إيفرسون هنا تشترك جميعها في كونها ملونة يدوياً، وهو أسلوب طالما اتبعه المصورون قبل ظهور تقنية الصور الملونة. تُضفي هذه التدخلات اليدوية بُعداً آخر على هذه الصور، يضع هذا التدخل الصورة الفوتوغرافية في مساحة ضبابية بين البيان والإخفاء، أو كونها انعكاساً لمشهد حقيقي أو مُتخيل. الألوان المقحمة هنا لا تقترب من الدرجات الحقيقية بقدر ما تلامسها بخفة، وتلقي بظلالها الوهمية هذه على المشهد الفوتوغرافي ككل. هنا صور تعود إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر لرجال ونساء مثلت الفوتوغرافيا لهم مثيراً جديداً ومدهشاً. نستطيع أن نتبين خلال هذه الصور بسهولة الكيفية التي تقبل بها الناس مثلاً هذه التقنية الجديدة واستحداثهم لأساليب التعامل معها.

الصور التي اختارها إيفرسون في معرضه تبدو مُختلقة، فالأشخاص في الصور تظهر عليهم الجاهزية الكاملة لآداء أدوار ربما لا تخصهم. في هذه الصور المطبوعة ثمة إشارات لرواد السينما والمسرح والغناء في مصر في بدايات القرن العشرين، هناك صورة مثلاً للمطربة منيرة المهدية، وهي إحدى رائدات الغناء في مصر في زمن الجرامافون، تظهر منيرة المهدية هنا مرتدية زي رجل وعلى رأسها الطربوش. خلافاً للصور الخاصة بمصر ثمة صور أخرى من دمشق والدوحة وبغداد والعقبة وباريس، جمعها إيفرسون خلال رحلاته المتعددة إلى هذه المدن.

المزيد من ثقافة