Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إخفاء معلومات عن وزارة الداخلية البريطانية

كانت أجهزة الاستخبارات دائماً تضمر الشكوك حول موثوقية وزراء من أمثال بريتي باتيل وذلك لأسباب مشروعة أو غير مشروعة

أشارت تقارير إلى أن مسؤولين استخباراتيين لم يطلعوا وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، على معلومات  (رويترز)

هل تجنبت أجهزة الاستخبارات إطلاع وزيرة الداخلية بريتي باتيل على بعض المعلومات الاستخباراتية الحيوية؟

تؤكد صحيفة "ذا صنداي تايمز" أن ذلك بالتحديد هو ما فعله القادة الأمنيون، لأن جهاز MI5 "لا يثق" بوزيرة الداخلية، وهذه حالة قد يعتبرها المرء خارجة عن المألوف. وذكر "مصدر" أن "عناصر الاستخبارات يجدون صعوبة بالغة في التعامل معها، لأنها لا تفهم التفاصيل الدقيقة للاستخبارات. إن الأمر ليس أبيض وأسود. ليست لديهم ثقة في قدراتها".

وفي ردها، نفت باتيل والأمين العام لوزارة الداخلية صحة التقرير، لكن مجدداً، كيف يمكن لأحد أن يعرف؟ إن فرض الأجهزة السرية، أو غيرها، قيوداً على حصول الوزراء على معلومات استخباراتية معينة هو أمر يستحيل إثباته.

في الواقع، من الناحية العملية، إذا كانت الأجهزة الأمنية مُجبرة، بسبب الكم الهائل للمعلومات، على غربلة وانتقاء ما تعرضه على عضو في مجلس الوزراء، فإنها بالضرورة "تحجب" عنه بعض أجزاء الصورة الاستخباراتية الواسعة والمعقدة والمتضاربة. وبطبيعة الحال فإن الوزير، بحكم عمله، لن يكون على دراية بما تفتقر إليه الصورة المعروضة عليه، لأنه لم يسبق أن رآه أو سمع به.

أو، كما قال المصدر الأمني لصحيفة "ذا صنداي تايمز"، فإن الأمر كله يتعلق بالتفاصيل الدقيقة. لقد أوضح المصدر أنه "يتعين عليهم أن يقرروا كم من المعلومات هي جديرة بالمشاركة، ثم يشاركون أقل منها. علاوة على ذلك، فهي تُبلغ بالأمور في وقت متأخر من عملية اتخاذ القرار بدلاً من  بدايتها. إن بعض ما تفعله أجهزة الأمن ينطوي على تبعات قانونية، لكنها عادة لا ترغب بسماع ذلك". وربما كانت باتيل ستتعامل مع هذه الأمور بمزيد من اليسر لو أنها حضرت سابقاً بعض جلسات تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الإدارات.

من الطريف أن ذلك يذكرنا بما ورد في صيف العام الماضي، تماماً فيما كان بوريس جونسون يستعد لإطلاق حملته للفوز بانتخابات زعامة حزب المحافظين. في تلك المناسبة، بدا أن رئاسة الوزراء (أي تيريزا ماي) كانت تقدم إفادات ضده.

كان من المفترض أن ثمة تحفّظاً من جانب رئاسة الوزراء أو أجهزة الأمن، أو من كليهما، حول ما سُمح لجونسون بالاطلاع عليه، وذلك حين كان وزيراً للخارجية. وأُفيد بأنه كانت لدى البعض في مجتمع الاستخبارات مخاوف بشأن قدرة جونسون على الحفاظ على سرية المعلومات. ويبدو أن شكوكهم تعود إلى الفترة التي خدم فيها محافظاً للندن (2008- 2016)، عندما أثار استياء تيريزا ماي وزيرة الداخلية آنذاك، بكشفه من دون قصد عن بعض المعلومات السرية قبل أن تُعلن الجهات المختصة عنها رسمياً.

وأُفيد أيضاً بأن رئاسة الحكومة في "داونينغ ستريت" كانت تنظم اجتماعات تمهيدية لمناقشة الموضوعات الحساسة قبل أن يحضر جونسون. وقد أخبر أحد حلفائه لورا كونسبرغ، مراسلة "هيئة الإذاعة البريطانية " (بي بي سي)، أنه "كان من الواضح أن ثمة مخاوف حول قضايا معينة منذ وقت مبكر". وأشار إلى أنه "كان هناك تساؤل مستمر عمّا إذا كان يطّلع حقاً على كل شيء"، أي الصورة الاستخباراتية الكاملة التي يحق له الاطلاع عليها كوزير للخارجية.

لم تكن رئاسة الحكومة على ما يبدو تريد إطلاع جونسون على فئة من المعلومات السرية الحساسة بعد تعيينه في يوليو (تموز) 2016. وقال أحدهم إن جونسون كان على علم بالقرار في ذلك الوقت وكان "مستاء للغاية"، لكن هذا بقي طي الكتمان ولم يجرِ الاعتراف بأي جزء منه علناً.

في الواقع، لقد شهدنا هذا النوع من الانتقائية في الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية على نطاق أكبر في أعقاب حرب العراق عام 2003، مع ما يسمى بالملف المراوغ وسط المزاعم حول من يعرف ماذا ومتى. والمفارقة أن ما حدث على ما يبدو في تلك الحال هو أن مجتمع الاستخبارات كان يلقى التشجيع الفعّال كي يكون انتقائياً بشأن ما يقدم لرئيس الوزراء توني بلير وزملائه من أجل إقامة الحجة للتدخل المسلح، على الأقل لمنع صدام حسين من الحصول على أسلحة الدمار الشامل. وعلى سبيل المثال، وفقاً لتقرير تشيلكوت، كان رد فعل وزير الخارجية آنذاك جاك سترو، عندما وصل الملف إلى مكتبه، أن قال "هذا جيد، لكن ألا ينبغي أن يكون العراق هو الأول وأن يكون نصُّه أكبر؟ يتعين على التقرير أن يوضح لماذا يشكل هذا تهديداً استثنائياً من العراق. إنه لا يُظهر ذلك جيداً بعد".

لقد استُبعدت من التقرير نقاط الشك والضعف في بعض المعلومات الاستخباراتية الخاصة بالعراق وأسلحة الدمار الشامل، والتي ثبت في النهاية أنها خاطئة، وهو أمر بدا أن من ساهموا بصياغة التقرير كانوا في غاية الرضى عنه.

لطالما كان عناصر الاستخبارات في جهازيMI5  وMI6  يضمرون شكوكاً حول موثوقية الوزراء والوزراء المحتملين، وذلك لأسباب مشروعة أو غير مشروعة.

على سبيل المثال، أُشيع في العام الماضي بأن جيريمي كوربين كان يشكل خطراً أمنياً محتملاً، بسبب خلفيته كمناضل كبير من أجل السلام في أيرلندا والشرق الأوسط.

في سبعينيات القرن الماضي، كانت مجموعة متمردة من ضباط الاستخبارات السرية مقتنعين بأن هارولد ويلسون، رئيس الوزراء وزعيم حزب العمال آنذاك، كان جاسوساً إلى درجة أنهم بدأوا في تدبير مؤامرة لتشويه سمعته وإسقاط حكومة حزب العمال المنتخبة ديمقراطياً. كما ظنوا أن رئيس جهاز MI5، السير روجر هوليس، كان هو الآخر عميلاً سوفياتياً. وقد كشف بيتر رايت، ضابط الاستخبارات السابق غريب الأطوار، عن هذه التفاصيل كلها في مذكراته الصادرة عام 1988 بعنوان "صائد الجواسيس" والتي كتبها في تحد لقواعد العمل المألوفة.

ونتيجة لذلك منعت حكومة ثاتشر نشر المذكرات في بريطانيا، على الرغم من أنه كان من المسموح به شراء نسخة من الخارج وجلبها إلى المملكة المتحدة، كما فعل كاتب هذه السطور. وكان مسموحاً أيضاً قراءة أجزاء من المذكرات بصوت عالٍ في "ركن المتحدثين"، الشهير في منتزه هايدبارك اللندني، وهي حرية استغلها السياسي العمالي السابق توني بن بكل سرور. لقد جعل ذلك "سيرك" الاستخبارات بأكمله، كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم، يبدو مثيراً  لقدر من السخرية.

لكن في بعض الأحيان كان هناك جواسيس حقيقيون للكتلة الشرقية، أي السوفيات، في أرفع دوائر الحكومة وفي أنحاء البرلمان حيث جلس معظمهم، لكن ليس جميعهم، على مقاعد حزب العمال. وكان أكثرهم يقدم معلومات قليلة برشاوى صغيرة نسبياً.

كان أحدهم سعيداً بما فيه الكفاية للذهاب إلى السفارة التشيكوسلوفاكية كي يملأ جيوبه بالسيجار الكوبي الغالي مقابل معلومات يمكن العثور عليها فعلياً في أعمدة القيل والقال المنشورة في الصحف، أو من المجلة الساخرة برايفيت آي. وقد استاء مشغّلوه التشيكيون منه إلى درجة أنهم غيروا اسمه الرمزي من "لي" إلى "الجشع النذل".

من ناحية أخرى، كان جون ستونهاوس، مدير مكتب البريد آنذاك، على الأرجح عميلاً تشيكوسلوفاكياً، وكان منصبه في تلك الفترة الغابرة، قوياً بحيث تحتاج السلطات إلى موافقته للتنصت على خطوط الهاتف.

كانت العلاقة الأكثر خروجاً عن المألوف بين سياسي كبير والجواسيس هي تلك التي عاشها معهم هارولد ماكميلان، رئيس الوزراء من 1957 إلى 1963. كانت تلك الفترة ذروة الحرب الباردة، وكان الجواسيس السوفيات متعددي الأوجه في جميع أركان القوات المسلحة البريطانية والأجهزة الأمنية. كانت قضايا Philby وBurgess  و Maclean أشهر الأمثلة فقط على الجواسيس الروس الذين خدموا لفترة طويلة وسربوا معلومات استخباراتية قيّمة للغاية لرؤسائهم في موسكو (ولذلك انشقوا في النهاية بصفتهم ضباطاً برتبة كولونيل في الكي جي بي).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبطبعه السياسي، رأى ماكميلان، الملقب بـ "سوبرماك"، أنه كلما قلّ الحديث إليه عن الجواسيس وشكوكهم المتبادلة كان ذلك أفضل. وعندما كُشف عن الانشقاقات والخيانات الحتمية، كان بإمكانه الوقوف في مجلس العموم والإعلان بصدق أنه لم تكن لديه أي فكرة عمّا كانوا يخططون. فهو في الواقع قد طلب من رؤساء استخباراته عدم إحاطته علماً بما يحدث.

وعندما  افتضح أمر قضية بروفيومو، بما فيها من مزاعم شنيعة حول تقاسم جون بروفيومو، وزير الحرب، أي الجيش، صديقته، كريستين كيلر، مع الملحق العسكري الروسي، لم يكن ماكميلان فعلاً يعلم سوى القليل عنها، وعلى الرغم من ذلك فقد تضرر مما كُشف عنه. وتكمن المفارقة  كما يبدو في أن فضيحة التجسس الأكثر شهرة في القرن العشرين، وهي قضية بروفيومو، لم تشتمل على كشف "بطلها" وزير الحرب أبداً عن أسرار مهمة تتصل بأمن الدولة البريطانية. ولو أن ماكميلان كان قد اهتم بمتابعة الحياة الخاصة لوزرائه عن كثب، لربما كان عرف بعض الأشياء التي كان من شأنها أن تساعد حكومته على تجاوز الفضيحة.

وكما جاء في المثل القديم، إن معرفة القليل قد تكون أمراً خطيراً، وهذا قول مأثور يمكن للسيدة باتيل أن تلتمس فيه العزاء.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات