كانت آخر أزمة صحية أثرت في التجارة بين الصين وبقية العالم هي السارس في عام 2003. ولكن في ذلك الوقت، لم تكن بكين لاعباً مهماً في الاقتصاد العالمي كما هي اليوم، إذ يشكل الاقتصاد الصيني حوالي 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويقدر المحللون أنه إذا تأخر احتواء تفشي فيروس كورونا إلى فصل الخريف، فإن "التأثيرات المتتالية" قد تتسبب في تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو نقطة مئوية واحدة، بحسب تقرير صادر عن شركة تحليل البيانات العالمية "دون آند برادستريت".
التقرير أشار إلى أن ما لا يقل عن 51 ألف شركة في جميع أنحاء العالم منها 163 مدرجة على قائمة فورتشن 1000 (قائمة سنوية لأكبر 1000 شركة مساهمة أميركية)، لديها واحد أو أكثر من الموردين المباشرين في المناطق الصينية المتأثرة بفيروس كورونا.
كما أشار التقرير إلى أن المقاطعات الصينية الأكثر تضرراً من الفيروس، مرتبطة بشكل معقد بشبكة الأعمال العالمية، وبالتالي فإن تأثر الشركات العالمية بما يحدث في الصين يؤدي بالفعل إلى انخفاض توقعات النمو الاقتصادي لهذا العام.
موديز تخفض توقعات النمو
وفي مذكرة بحثية نشرت الاثنين الماضي، خفضت وكالة موديز توقعاتها للنمو العالمي بمقدار عُشر نقطة مئوية، وتوقعت أن تنمو اقتصاديات مجموعة الـ 20 مجتمعة بمعدل سنوي قدره 2.4 في المئة عام 2020 مع انخفاض الصين إلى 5.2 في المئة. هذه التنبؤات افترضت نجاح العالم في احتواء فيروس كورونا بحلول نهاية الربع الأول، مع استعادة "النشاط الاقتصادي الطبيعي" في الربع الثاني. ومع ذلك، فإن الخسائر الاقتصادية العالمية ستكون "حادة" إذا لم يهدأ معدل الإصابة وأعداد الوفيات، مع تعطل سلسلة الإمداد الدولية مما يعمق تداعيات المرض.
هناك بالفعل أدلة، على أن سلاسل الإمداد تتعطل، بما في ذلك خارج الصين. علاوةً على ذلك قال نائب رئيس وكالة "موديز" مادهافي بوكيل في المذكرة البحثية، إن عمليات الإغلاق الموسعة بالصين سيكون لها تأثير عالمي في ضوء أهمية البلاد وترابطها في الاقتصاد العالمي.
اضطرابات محتملة
نظراً لأن مؤشر داو جونز الصناعي في خضم ما يمكن أن يكون أسوأ انخفاض أسبوعي له منذ الأزمة المالية وسط مخاوف بشأن انتشار فيروس كورونا COVID-19، فإن العديد من الشركات التي تشكل مؤشر داو جونز الصناعي تستعد لإمكانات محتملة اضطرابات مكان العمل.
وأوقفت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إنتاجها من السلع الاستهلاكية مثل الهواتف والملابس والسيارات على مدار الأسابيع القليلة الماضية. واتخذت البلاد تدابير غير مسبوقة للسيطرة على انتشار الفيروس، مثل فرض قيود صارمة على حوالي 780 مليون شخص ووضع الحجر الصحي الجماعي في المدن الكبرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شركات التكنولوجيا
يظهر تأثر شركات التكنولوجيا التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها بفيروس كورونا، مدى اعتماد صناعة التكنولوجيا على الصين. حيث تسبب إغلاق المصانع الصينية في "ارتعاش" الأسواق العالمية وألقى بظلاله على الاقتصاد ككل، خصوصا في صناعة التكنولوجيا، التي تعتمد على العمالة الصينية لبناء كل شيء من رقائق الكمبيوتر إلى أجزاء الهواتف المحمولة. وبالتالي تأثرت شركات التكنولوجيا في العالم بتفشي كورونا الذي أغلق معظم المصانع في الصين بما فيها صناعة الاتصالات.
وتتقلب أسواق الأسهم طوال الوقت بناءً على مجموعة متنوعة من العوامل، ويؤثر فيروس كورونا على الأسهم في مختلف الصناعات، وليس التكنولوجيا فقط. ولكن الهبوط الأخير للقطاع التكنولوجي بسبب كورونا أثار قلقاً خاصاً، خصوصاً أن أكبر خمس شركات تقنية كبرى، وهي مايكروسفت، وأبل، وأمازون، وفيسبوك، وغوغل ألفبيت، تستحوذ على حصة كبيرة من إجمالي سوق الأوراق المالية، ولقد رأينا التراجع الذي شهدته أسواق المالي خلال الأسبوعين الماضيين.
وقالت شركة أبل، أكثر شركات التكنولوجيا قيمة في العالم، إنها قللت من توقعات إيراداتها المستهدفة للربع الأول من العام، في تقرير استشاري نادر للشركة صدر يوم الاثنين الماضي. وأعلنت "تسلا" هي الأخرى أن "الأوبئة الصحية" تشكل خطراً على أعمالها. أما أمازون، التي تعتمد أعمالها على مجال التجارة الإلكترونية وتدفق البضائع بين الصين والولايات المتحدة ودول أخرى، فلم تصدر أي تحذيرات مماثلة، ولكنها عمدت إلى تخزين سلع الموردين من الصين للحماية من الاضطرابات المستقبلية بسبب الفيروس.
لقد شعرت الشركات الصينية نفسها بزلزال كورونا، حيث وصف عملاق التكنولوجيا علي بابا الفيروس بـ"البجعة السوداء"، (لا يمكن التنبؤ بمساره) فيما يتعلق بتوقعاته لأرباح الشركة الربعية.
شركة تكنولوجيا كبرى أخرى تأثرت سلاسل التوريد لديها بالفيروس وهي أمازون، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 40 في المئة من بائعي أمازون ينحدرون من الصين، مما يعني أن نسبة كبيرة من المنتجات التي يشترونها تأتي من البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن نسبة كبيرة من البائعين المقيمين في الولايات المتحدة مصدر منتجاتهم من الصين.
خمسة قطاعات الأكثر تأثراً
ورصد تقرير "دون آند برادستريت" أهم خمسة قطاعات، تمثل أكثر من 80 في المئة من الشركات في المقاطعات المتأثرة، وكانت الخدمات وتجارة الجملة والتصنيع وتجارة التجزئة والخدمات المالية على رأسها. وافترضت الشركة أن جزءاً كبيراً من العمالة والمبيعات الصينية ينبع من شركات داخل المناطق الصينية المتأثرة.
وتمثل المقاطعات المتأثرة، على سبيل المثال، قوانغدونغ وجيانغسو وتشجيانغ وبكين وشاندونغ 50 في المئة من إجمالي العمالة و 48 في المئة من إجمالي حجم المبيعات للاقتصاد الصيني.