Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف صارت السعودية الناجي العربي الوحيد من "الاستعمار"؟

مؤرخون: لم يستطع المستعمر دخولها بسبب عنفوان السعودي والاعتزاز بقبيلته

الدولة السعودية الأولى منذ نشأتها حريصة كل الحرص على استقلاليتها وسيادتها 

على الرغم من مطامع القوى الأوروبية في الجزيرة العربية الفتية، إلا أنها خشيت أكثر من مرة من الإقدام ومحاولة الدخول إليها، والسبب ما يشبه على حد توصيف أحد السياسيين الفرنسيين المعاصرين لتلك الفترة بأن ما تشهده الجزيرة العربية على أيدي السعوديين يذكره بثورة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) التي أطاحت بعرشي دولة فارس ودولة الروم، من أجل هذا عملت هذه الدول الاستعمارية على التحالف مع الدولة العثمانية.

ولما لم يجدوا سبيلاً إلى قلب الجزيرة لا بالتفاوض ولا بالقوة أوكلوا الأمر للدولة العثمانية التي كلفت واليها على مصر محمد علي بمهاجمة الدولة السعودية الأولى في عاصمتها الدرعية، واستطاع ابنه إبراهيم باشا احتلالها وهدمها، وحمل أئمتها معه إلى مصر، وقتل علماءها وأحرق مبانيها وهجر سكانها، لأنه يعلم أنه لن يستطيع البقاء فيها. ولكن أحد الكتاب الفرنسيين القريبين من محمد علي، فيلكس مانجان، قال في كتابه "مصر في عهد محمد علي"، إن دولة السعوديين ستعود أقوى مما كانت عليه. واستمرت الروح الاستقلالية والتمسك بالحكام الشرعيين، هما العاملان الأقوى في قيام الدولة السعودية إلى الآن.

وقال الباحث والمؤرخ السعودي، وعضو مجلس الشورى السابق، الدكتور محمد ال زلفة من المعروف، "إن الهبة الأولى للاستعمار تجاه منطقتنا العربية تعود إلى الحملة الفرنسية على مصر على أيدي نابليون بونابرت في أواخر القرن الثامن عشر، وقيام التنافس الشرس بين أهم قوتين استعماريتين، بريطانيا التي رسخت وجودها في الهند والحريصة علي سلامة خطوط مواصلاتها مع الهند عبر أراضي وممرات مائية يفترض أنها تابعة للدولة العثمانية، وبين فرنسا الثورة التي تمكنت من فرض سيطرتها على معظم أوروبا، ولم يقف في وجهها بقوة إلا بريطانيا. حاولت فرنسا الثورة أن تنقل صراعها مع بريطانيا إلى مكان آخر وهو الشرق العربي، متخذة من مصر مرتكزاً لنشر نفوذها في هذه المنطقة والوصول إلى الهند معقل قوة النفوذ البريطاني. لم تكن الدولة العثمانية الضعيفة قادرة على حماية أراضيها في مصر أو بلاد الشام أو العراق والممرات المائية المتمثلة في البحر الأحمر والخليج العربي. وأصبحت هذه المناطق مسرحاً للتنافس وصراع القوى الاستعمارية. وكانت هذه البواكير الأولى لرسم الخطة الاستعمارية للبلاد العربية.           

الدولة السعودية الأولى في مواجهة الاستعمار

وفي الوقت الذي كانت الدول الاستعمارية تعمل علي مد نفوذها في منطقتنا العربية وضعف وهزال الدولة العثمانية في الحفاظ عليها هيأه الله قيام الدولة السعودية الأولى التي تمكنت من بسط  نفوذهاعلى كافة أنحاء الجزيرة العربية بما فيها سيطرتها على الممرين المائيين البحر الأحمر في الغرب والخليج العربي في الشرق، فحالت هذه القوة دون تمكين الدول الاستعمارية من أن تكون لها قدم راسخة في الجزيرة العربية، ولكن هذه القوى الأوروبية التي رأت في هذه الدولة العربية الفتية التي تمكنت من توحيد الجريرة العربية  ما يشبه على حد توصيف أحد السياسيين الفرنسيين المعاصرين لتلك الفترة بأن ما تشهده الجزيرة العربية علي أيدي السعوديين يذكره بثورة النبي محمد التي أطاحت بعرشي دولة فارس ودولة الروم من أجل هذا عملت هذه الدول الاستعمارية على التحالف مع الدولة العثمانية لمحاربة السعوديين، بحجة أنهم خرجوا على الشرعية العثمانية، وتمكنوا من إسقاط الدولة السعودية الأولى. وكانت أولى الدول المباركة دولة فارس، ولكن الأثر السياسي والفكري للدولة السعودية هو المؤثر والحي الذي لم يمت. رأيناه في الدولة السعودية الثانية واستماتتها في الحفاظ على عروبة الخليج العربي، ومنع أي تمدد للنفوذ الاستعماري إلى داخل الجزيرة العربية على الرغم من كل التحالفات بين بريطانيا والدولة العثمانية وبعض القوي المحلية ضد السعوديين في الدولة السعودية الثالثة أو الحديثة بقيادة الملك المؤسس عبد العزيز، الذي اتبع نهج أسلافه في الحفاظ على عدم وقوع أي شبر من بلاده تحت أي نفوذ استعماري. واستطاع أن يعيد سيطرته على معظم الأنحاء التي امتد إليها نفوذ أجداده في الدولة السعودية الأولى على الرغم من جسامة كل التحديات. وبذلك بقيت أراضي المملكة طاهرة نقية من أي دنس استعماري، وبنى علاقاته مع كافة دول العالم على أسس من الندية. ولم يكن متوحشاً من علاقاته مع أي دولة طالما تلك العلاقة تخدم مصلحة بلده وشعبه. وهذا ما تسير عليه الدولة في عصر نهضتها الحديثة، لأنها دولة لا ترضى بالجمود وعدم مسايرة العصر، ولأنها لا ترضى إلا أن تكون قوية ومؤثرة، وهذا قدرها منذ بداية تكوينها.

وذكر رئيس مركز التاريخ في الطائف الدكتور عائض الزهراني، أن المستعمر الأوروبي لم يستطع الوصول إلى عمق بلاد الحرمين بسبب القبائل العربية، التي تتسم بالشيم وعدم الاستسلام لهيمنة الآخر والعنفوان والاعتزاز بالقبيلة، ولن تسمح بدخيل للحكم عليها، مهما حاولت بطريقة الاستعمار العثماني، ولكن خططهم باءت بالفشل.

وأوضح استاذ اللغة العربية بجامعة الملك سعود الكاتب والمؤرخ الدكتور محمد خير محمود البقاعي، أن الدولة السعودية الأولى كانت منذ نشأتها حريصة كل الحرص على استقلاليتها وسيادتها، على الرغم مما كان يحيط بها من تنازع القوى الكبرى في السيادة على المناطق الاستراتيجية. فقد كانت فرنسا، على سبيل المثال في أيام نابليون، تسعى إلى غزو الهند عن طريق الخليج العربي لإزعاج بريطانيا، فأرسل نابليون أيام الدولة السعودية الأولى جواسيسه لدراسة الشعوب في الطريق إلى الخليج ومنه إلى الهند، وكانت الدولة السعودية الأولى حينئذ في عز قوتها أيام الإمام سعود بن العزيز وولده الإمام عبدالله بن سعود. وكان حلفاؤهم القواسم يسيطرون على الملاحة في الخليج، وكان لا بد من التواصل مع الدولة السعودية القوية لتسهيل مرور القوات، ولكن ذلك لم يحصل لانهزام نابليون. مثل هذه الوقائع تبين مكانة الدولة السعودية التي توافرت لها عوامل القوة بالارتباط بالأرض والشعب والدافع الديني، فلم تفكر القوى الاستعمارية إلا بالتعاون معها في كل مراحلها لحفظ مصالح تلك القوى. إن قلة الموارد وندرة الخرائط وتمسك الشعب بقيادته جعل أمر التوغل في الجزيرة العربية صعباً، فاكتفى البريطانيون بالنفوذ على السواحل، ولكنهم حتى هنا واجهوا مقاومة عنيفة جعلتهم يحاولون التفاوض لحماية أنفسهم.

ولما لم يجدوا سبيلاً إلى قلب الجزيرة لا بالتفاوض ولا بالقوة أوكلوا الأمر للدولة العثمانية، التي كلفت واليها على مصر محمد علي بمهاجمة الدولة السعودية الأولى في عاصمتها الدرعية، واستطاع ابنه إبراهيم باشا احتلالها وهدمها وحمل أئمتها معه إلى مصر وقتل علماءها وأحرق مبانيها وهجر سكانها، لأنه يعلم أنه لن يستطيع البقاء فيها. وليس أدل من فرحة بريطانيا والقوى الاستعمارية آنذاك بما فعله محمد علي من أن بريطانيا أرسلت ضابطاً من قواتها في الخليج قطع الجزيرة لتهنئة إبراهيم باشا بما ارتكب من جرائم بحق السعوديين. ولكن أحد الكتاب الفرنسيين القريبين من محمد علي، فيلكس مانجان، قال في كتابه "مصر في عهد محمد علي"، إن دولة السعوديين ستعود أقوى مما كانت عليه. واستمرت الروح الاستقلالية والتمسك بالحكام الشرعيين هو العامل الأقوى في قيام الدولة السعودية الثانية التي لم تنهكها مواجهة الغزاة بقدر ما أنهكها الخلاف الداخلي، ولكن الاستقلال وعدم الخضوع للأجنبي كان النبراس الأول. حتى حصل ما حصل وقيض الله للدولة السعودية مؤسساً استثنائياً ورث كل أمجاد السنين وكرسها لإقامة الدولة السعودية الثالثة، في حقبة تغول أوروبا لاستعمار البلاد العربية، ولكن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله، قاد غمار الاستقلال والبناء واضعاً في حسبانه الصراعات والمطامع التي تحيق ببلاده، التي كانت في رؤيته واضحة في كل جهاتها، وبدأ في نجد التي محضته ودها، والحجاز التي رأت أنه المحافظ الحقيقي على خدمتها، والجنوب الذي كان يتطلع إلى التوحيد ثم الاندماج تحت راية التوحيد، والشمال الذي كان يتلهف لطرد الأتراك وأعوانهم. وتحققت الوحدة العظيمة وقاد الربان سفينته بعيداً عن المطامع فيما بدأ يتضح من معالم الخير في الدولة السعودية.

إن الأسباب الرئيسة التي جعلت المملكة العربية السعودية تبقى في حرز من الاستعمار هو تمسك المواطنين في كل العهود بسلطة شرعية منهم قريبة من مصالحهم ومعتقداتهم، ووجود المقدسات التي أحسن السعوديون حمايتها وخدمتها، فكسبوا ولاءها وولاء أهلها وكل أبناء اليلاد على امتدادها. ولما بدأت بوادر الخير تنبثق في أراضيها رسم الملك المؤسس رحمه الله طريقه لتوحيدها والمحافظة على خيرها واستقلالها، ووعت الحكومات الاستعمارية أن في هذه المنطقة من العالم سلطة تستمد قوتها واستقلاليتها من شرعية تاريخية قربتها إلى الناس، من ذوي الطبيعة المستقلة الرافضة لأي نوع من أنواع سيطرة الآخر المستعمر.

تلك هي بعض الملامح التي جعلت المملكة في كل أطوارها تنجو من كوارث الاستعمار ومن مستلزمات التبعية. وقد سار أبناء الملك المؤسس على هدي والدهم حتى عهد  الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله، وولي عهده الأمين  الأمير  محمد بن سلمان يحرسه الله، في حرصهم على استقلالية القرار وصيانة البلاد من أي تدخل مهما كان نوعه، وهو ديدن السياسة السعودية في تعاملاتها الدولية.

وقال المؤرخ الدكتور راشد العساكر، إن هناك أسباباً عدة كانت من أهم ما أبعد المستعمر عن المملكة العربية السعودية.

فالعلاقة المنبثقة بين الأسرة السعودية وأهل الحل والعقد، وكذلك بين الأسرة السعودية وبين القبائل والأسر والمدن كانت مهمة جداً، كونها عميقة في روابطها واضحة في أهدافها ومبنية على الاحترام المتبادل والمحبة والمشاركة المجتمعية.

ساهم هذ الترابط في مقاومة أي نفوذ أجنبي يطأ المملكة العربية السعودية.

هذا منذ  قيام هذه الدولة السعودية الأولى عام 1157 / 1744.

وقد سعت الدولة السعودية في مقاومة النفوذ الأجنبي المتمثل في الدولة العثمانية بعد سيطرتها بالقوة على الحجاز عام 923.

وعانت الحجاز في خضم تلك الحقبة من مآسٍ دامية وصراعات مؤلمة لم تنصف العربي فوق أرضة أو المسلم.

وقد انجلت تلك الحقبة وعودة الحق لأهل البلاد، وهذا ما مكن هذه البلاد من أن تاخذ في التطور والازدهار.

المزيد من تحقيقات ومطولات