على الرغم من مرور نحو شهرين على مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في غارة أميركية مطلع العام الحالي، كانت تستهدف القائد البارز في قوات الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، داخل مطار بغداد، فإن تداعيات هذا التطور ما تزال مستمرة داخل العراق.
"أبو فدك"
في الـ 20 من فبراير (شباط) الحالي، أعلن الحشد الشعبي أن "مجلس الشورى" التابع له، اختار عبد العزيز المحمداوي، الذي يكنى بـ"أبي فدك"، رئيساً للأركان في هذه القوة، خلفاً للمهندس، متجاهلاً حقيقة النص القانوني الذي يحصر صلاحيات هذا النوع من القرارات بالقائد العام للقوات المسلحة، وهو رئيس الوزراء، وفقاً للدستور العراقي.
وصدر هذا القرار بعد سلسلة تسريبات عن خليفة المهندس، لم يتأكد أي منها، ما عزز الشعور بقيمة هذا المنصب. وفي غضون أيام، خرجت إلى العلن أولى بوادر الخلاف الذي تسبب فيه القرار، إذ أعلنت أربع من فصائل الحشد الشعبي أنها ليست على علم باختيار خليفة للمهندس، مشيرة إلى أن هذا القرار "يحتاج إلى سياق قانوني ليس متوفراً الآن في ظل حكومتين، إحداهما تصريف أعمال، والأخرى لم يكتمل تكليفها".
حشد المرجعية والحشد الولائي
ولم تكن هذه الفصائل الأربع سوى تنظيمات تضم جميع مقلدي المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، لذلك توصف بأنها "حشد المرجعية" أو "ألوية السيستاني" لتمييزها عن "الحشد الولائي"، نسبةً إلى الولي الفقيه في إيران علي خامنئي، الذي يمثل القائد العقائدي لمعظم مجموعات وقادة الحشد الشعبي في العراق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفتح اعتراض "ألوية السيستاني" الباب على تساؤلات عدة بشأن الجهة التي دفعت نحو تعيين "أبي فدك" خلفاً للمهندس، من دون مشاورة فصائل الحشد غير الموالية لإيران ولا أخذ موافقة القائد العام للقوات المسلحة، وأكد ساسة عراقيون أن هذا القرار اتخذ في إيران، ولا قدرة لأحد على مراجعته، بما في ذلك رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، الذي التزم الصمت.
وقالت الألوية الأربعة التي اعترضت على القرار الإيراني، وهي فرقة "العباس القتالية" ولواء "علي الأكبر" وتشكيلات فرقة "الإمام علي" و"لواء أنصار المرجعية"، إنها "قدمت رؤيتها" بشأن قانونية هذا القرار إلى رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وهي "تنتظر الإجابة عليها بشكل رسمي".
رد الفياض
ولم يتأخر رد الفياض كثيراً، والمفاجئ أنه جاء انتصاراً لرأي الفصائل السيستانية الأربع في مواجهة الفصائل الخامنئية داخل الحشد الشعبي.
وقال الفياض إن "الحشد الشعبي مؤسسة عسكرية تخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة، ولا يمكن أن تدار بآراء الفصائل والجهات"، مؤكداً أن "الأمر الديواني الذي يتم من خلاله تعيين رئيس أركان الهيئة، لم يصدر حتى الآن".
شورى الحشد
ونفى الفياض وجود كيان داخل هيئة الحشد الشعبي بعنوان "شورى الحشد"، وقال "من يتحدث عن وجود جهة تحمل اسم (شورى الحشد) هو مخطئ أو ليس لديه معلومات كافية، أو ربما لديه دافع آخر، والصحيح أن مناصب الهيئة تتم عبر سياقات الدولة، والسيد (أبو فدك) هو شخصية محترمة، ومرشح للمنصب، لكن لم يصدر أي أمر ديواني بتعيينه رئيساً لأركان الحشد".
ويتابع الفياض "رشحنا مجموعة أسماء، من بينها أبو فدك"، لكن القائد العام للقوات المسلحة لم يحسم أمره بعد، موضحاً أن منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أُلغي في حياة المهندس، واستحدث بدلاً عنه منصب رئيس هيئة أركان الحشد، الذي أُسند إلى المهندس أيضاً. ولم يجزم الفياض بشأن ما إذا كان قرار تعيين رئيس جديد لأركان الحشد، سيصدر في عهد حكومة عبد المهدي المستقيلة، أم سينتظر الحكومة الجديدة.
الكنى الحركية
وتقول مصادر مطلعة إن موقف الفياض يترجم الخلاف الممتد بينه وبين الخط الإيراني داخل الحشد الشعبي، الذي مثّله المهندس طيلة أعوام، ويقوده الآن "أبو فدك"، مشيرة إلى أن الفياض، الذي يشغل أيضاً منصب مستشار الأمن الوطني في الحكومة العراقية، منزعج من الهيمنة الإيرانية الكلية على قرار الحشد الشعبي، وإقصائه تماماً عنه، على الرغم من أنه رئيس هذه القوة، وفقاً للقانون العراقي.
وبخلاف الإيرانيين، لا يفضل الفياض استخدام الكنى الحركية من قبل قادة في قوات يفترض أنها رسمية، على غرار "أبو فدك" و"أبو آلاء الولائي" و"أبو علي البصري"، إذ توحي هذه الألقاب بأن حملتها يمارسون عملاً سرياً معارضاً، ويستلهمون النموذج الشائع في تسمية الجماعات الدينية المتشددة، كتنظيم "القاعدة" و"داعش".