Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عقوبات أميركية جديدة تطاول "حزب الله"... وتصميم على تجفيف "عمليات التمويل"

تخبط داخلي حول الأزمة المالية اللبنانية وتباينات ضمن الفريق الواحد في التعاطي مع وفد صندوق النقد الدولي

محتجون لبنانيون يحاولون إقفال الطريق المؤدي إلى البرلمان في وسط بيروت (أ.ف.ب)

تتصاعد العقوبات الأميركية ضد "حزب الله" اللبناني والكيانات التي تصنفها واشنطن في فلكه مثلما حصل الأربعاء 26 فبراير (شباط)، بينما يغلب التخبط على المواقف السياسية اللبنانية حيال المعالجات المطلوبة للمأزق المالي النقدي الاقتصادي والسياسي الذي يغرق فيه لبنان.

ووجهت واشنطن ضربة جديدة لمؤسسات تعتبر أنها تساهم في تمويل "حزب الله"، ولجهود يتردد أنها أوروبية من أجل تحييد لبنان واقتصاده وحكومته عن العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية على الحزب، في انتظار توجهات حكومة الرئيس حسان دياب.

دفعة جديدة من العقوبات

لكن وزارة الخزانة الأميركية أعلنت أمس الثلاثاء في بيان، عن دفعة جديدة من العقوبات معتبرة أن "حزب الله يسيطر على الاقتصاد اللبناني كما يسيطر على السياسة"، ولافتة إلى أنّ الوزارة "تدرس إدراج مسؤولين لبنانيين متهمين بالفساد على قائمة العقوبات".

وأدرجت الوزارة ثلاثة أشخاص و12 كياناً في لبنان على علاقة بـ"حزب الله" على قائمة الإرهاب، التي شملت قاسم بزي باعتباره مسؤولاً عن "مؤسسة الشهيد"، وجواد محمد شفيق نور الدين الذي اتهمته بأنه "مسؤول عن تجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى سوريا واليمن"، فضلاً عن يوسف عاصي مؤسس شركة "أطلس هولدنغ". كما شملت العقوبات شبكة محطات وقود "الأمانة" باعتبارها مملوكة لأشخاص تابعين لـ"حزب الله"، وهي محطات تعمل في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع.

ونشر الموقع الإلكتروني للخزانة الأميركية لائحة الشركات المستهدفة بالعقوبات وهي: شركة "أطلس" لامتلاكها أو إدارتها من قبل "مؤسسة الشهيد"، المسؤول فيها قاسم محمد علي بزي، إضافة إلى وصفه بأنه المالك الأكبر لأسهم "أطلس". وعددت الخزانة الأميركية بعض الشركات الـ11 المرتبطة بـ"أطلس" كالآتي: شركة MEDIC للأدوات الطبية والأدوية، شركة "شاهد" للأدوية، شركة "أمانة" للوقود، شركة "أمانة" بلس، شركة "الكوثر"، شركة "أمانة" للطلاء والدهان، شركة "سيتي" للأدوية، شركة "غلوبال" للخدمات السياحية، شركة "ميراث"، شركة "سانوفيرا" للأدوية، وشركة "كابيتال"، إضافة إلى جواد نورالدين والشيخ يوسف عاصي وهما مسؤولان في "مؤسسة الشهيد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأفاد موقع الخزانة أن الوزير ستيفن منوشين قال، إن "حزب الله" يستفيد من بيع "مواد حيوية لصحة واقتصاد الشعب اللبناني، مثل الأدوية والبنزين". وقال إن إدارة الرئيس دونالد ترمب تقف إلى جانب الشعب اللبناني، وهي مصممة على كشف ومحاسبة عمليات تمويل إرهاب الحزب.

وتعني العقوبات بحسب البيان، أن أي أملاك أو مصالح من أملاك الشركات والأشخاص المستهدفين بالعقوبات الجديدة يجب مصادرتها إذا كانت في أميركا أو في عهدة أميركيين، من قبل "أوفاك" (مكتب المراقبة الخارجية للأصول) الذي يمنع أي تعامل أميركيين أو موجودين على الأراضي الأميركية مع الأملاك أو الأشخاص المستهدفين، بما فيها التحويلات المالية، ويعرّض من يقوم بها للعقوبات والملاحقة. كما بإمكان "أوفاك" حظر فتح حسابات لمؤسسات مالية مراسلة أجنبية.

كذلك، أعلنت الخارجية الأميركية أن "واشنطن تكثف الضغط على جماعة كتائب حزب الله المدعومة من إيران"، معللة ذلك بارتباط الجماعة بقتل متعاقد أميركي في العراق في ديسمبر (كانون الأول).

وقال ناثان سيلز منسق شؤون مكافحة الإرهاب في الوزارة خلال مؤتمر صحافي "لا تزال جماعة كتائب حزب الله تشكل تهديدا للقوات الأميركية في العراق... نزيد الضغط المفروض على الجماعة منذ عشر سنوات".

قراءتان لتصريحات لومير

وجاءت هذه العقوبات بعد تصريحات لوزير المالية الفرنسي برونو لومير الأحد الماضي، قال فيها إن "فرنسا مستعدة لدعم لبنان مالياً، في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف"، داعياً إلى "عدم خلط قضية تعافي الاقتصاد اللبناني بمسألة إيران". لكنه عاد وأوضح الاثنين أن "باريس مستعدة للمساعدة في إطار صندوق النقد الدولي إذا شاء لبنان ذلك".

وتعددت القراءات لموقف لومير في بيروت. فمنهم من اعتبره تميّزاً فرنسياً عن التشدد الأميركي نتيجة نقاش بين واشنطن وباريس، تعتبر فيه الأخيرة أنه يجب عدم تدفيع لبنان واقتصاده المأزوم ثمن سياسات "حزب الله" الذي توجد قوى سياسية عدة في البلد رافضة لمواقفه وتوجهاته، وأنه الأفضل العمل على تحييد الاقتصاد اللبناني عن المواجهة بين أميركا وإيران، وتقديم المساعدات له.

أما القراءة الثانية بحسب قول أحد النواب البارزين المتصلين بالمسؤولين الفرنسيين لـ"اندبندنت عربية"، فهي أن لومير عدل في تصريحه في اليوم التالي نتيجة سوء فهم من قبل فرقاء محليين، وعاد فربط أي مساعدة بما يجري الاتفاق عليه مع صندوق النقد.

وتلقي هذه العقوبات بثقلها على الوضع السياسي اللبناني الملبد، وعلى جهود معالجة الأزمة الاقتصادية المالية في لبنان، في انتظار اتضاح القرار الواضح لحكومة دياب مطلع الشهر المقبل في شأن هيكلة الديون، والقسط الأول منها في 9 مارس (آذار) المقبل (1.2 مليار دولار)، وحول الخطة الإنقاذية التي سترافق إعادة هيكلة المبالغ التي مجموعها قرابة 4.5 مليار دولار أميركي حتى آخر عام 2020. وهي الخطة التي يأمل لبنان في الحصول على مساعدات مالية على أساسها.

وتغلب على المشهد السياسي الداخلي الانقسامات حيال العناوين التي تفرض نفسها وسط تصاعد المشاكل الاجتماعية الناجمة عن تقييد السحوبات المالية بفعل شح السيولة لدى المصارف، وتسعير العملة اللبنانية مقابل الدولار في السوق السوداء، إضافة إلى قفزات أسعار السلع الاستهلاكية اليومية.

تمايز بري عن "حزب الله" حيال صندوق النقد

ومن مظاهر التخبط اللبناني تباينات برزت حتى ضمن الفريق الواحد في التعاطي مع وفد صندوق النقد الدولي. ففي وقت تحدثت وسائل الإعلام عن رفض "الثنائي الشيعي" أي "حزب الله" وحركة "أمل"، أن تتخطى مساعدة الصندوق المشورة، تجنباً للانخراط في برنامج مشترك معه يفرض ضرائب، ومن تسلل الجانب الأميركي إلى مجالات تتناول الحزب تحت عنوان التصحيح المالي والاقتصادي، فإن لهجة رئيس البرلمان نبيه بري حيال ما تقوم به البعثة جاءت مختلفة عن حليفه الحزب. إذ قال بري بعد لقائه الوفد الأحد الماضي، إنه أبلغه بأن لبنان ملتزم إجراء الإصلاحات المطلوبة. أما "حزب الله" فأكد على لسان نائب أمينه العام نعيم قاسم حين قال، "لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي ليُدير الأزمة، لا مانع من تقديم الاستشارات، وهذا ما تفعله الحكومة اللبنانية، وبإمكان الحكومة أن تضع خطَّة وتتخذ إجراءات بنَّاءة لبدء المعالجة النقدية والمالية".

في المقابل، علمت "اندبندنت عربية" من أحد السياسيين الأصدقاء لبري، أن الأخير أبدى ارتياحه للقائه مع وفد الصندوق، لاكتشافه أنه ملم بتفاصيل الأزمة التي يمر بها لبنان. ولم يرَ بري أي موقف سلبي من الوفد الذي أبلغه أنه مدد إقامته لمزيد من البحث، وأن الصندوق أبدى استعداداً لمساعدة لبنان. لكن بري سمع من الوفد أن المسؤولين الحكوميين الذين التقوا الوفد لم يبلغوا الصندوق بمطالب واضحة عما ينوونه من خطوات نظراً إلى غياب خطة متكاملة، ما حمل بري إلى الطلب من وزير المال غازي وزني بضرورة الإسراع في صوغ الخطة المطلوبة.

جابر وتوزيع الخسائر في الخطة

ويقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان ياسين جابر، العضو في كتلة "التنمية والتحرير" التي يرأسها بري، إن الصندوق حضر إلى لبنان بناء على طلب مشورته التقنية، ومهمته ليست وضع برنامج الحلول. وأوضح جابر لـ"اندبندنت عربية"، بعد اجتماعه ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان مع وفد الصندوق (عقد جابر لقاءات عدة لم يعلن عنها مع الوفد بعيداً من الإعلام)، أن خطة الإنقاذ ليست على عاتق الصندوق. فهو يجتمع مع الحكومة التي يفترض أن تنتج الخطة مع الفرقاء اللبنانيين على الصعيد الوطني، "وهم أبلغونا أنهم بعد اطلاعهم على الخطة التي ينتظرونها، يبدون ملاحظاتهم المفترضة عليها من زاوية مدى صدقيتها. فلبنان بلد مضروب مالياً ومصرفياً ونقدياً واقتصادياً، فيما الصدقية اللبنانية شبه معدومة لأنه مضت سنوات ونحن نتعهد بإجراء الإصلاحات ونخل بالتزاماتنا".

وأضاف جابر "آخر مرة حصل ذلك في مؤتمر (سيدر) أي في أبريل (نيسان) 2018 حين التزمنا تطبيق الإصلاحات، وإذ بنا نعود إلى بيروت فتتوجه وزارة الطاقة والحكومة إلى البرلمان طالبة أموالاً إضافية لسد عجز الكهرباء، على أن يجري تعيين مجلس إدارة وهيئة ناظمة للقطاع خلال شهرين، وحتى الآن لم يحصل ذلك". وتابع جابر "نسمع الحديث نفسه من جميع السفراء الذين يرددون أنهم لم يعودوا يؤمنون بالوعود الكلامية للمسؤولين اللبنانيين نتيجة التجارب السابقة، ويشددون على أهمية إصلاح هذا القطاع كبداية. أما أن ينبري وزيرا الطاقة السابقان ندى البستاني وسيزار أبي خليل إلى الدفاع عن المرحلة السابقة (في السجال الذي اشتد أخيراً بين وزراء التيار الوطني الحر السابقين من جهة، وبين حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة ثانية حول فشل خطة الكهرباء)، فهذا لا يحقق أي تقدم".

مصادقة الصندوق والهبوط الآمن

ويؤكد أن نصيحة وفد الصندوق هي وضع الحكومة الخطة الإنقاذية، حتى يتمكن هو من المصادقة عليها، فإذا اعتبرها ذات صدقية يجعل المطالبة بدعم لبنان مالياً مقبولة لدى المجتمع الدولي والصندوق نفسه. ويردف بأنه "علينا أن نكون عادلين، إذ مضى زهاء أسبوعين على نيل الحكومة الثقة ويقومون الآن باستشارة مؤسسات حول إعادة هيكلة الدين العام، الذي هو جزء من الخطة". ويرى جابر أن الخطة "يفترض أن تشمل توزيع الخسائر، عبر خفض خدمة الدين والفوائد وهيكلة المصارف وإعادة الأموال المهربة... نتيجة فقدان حوالى 40 مليار دولار أميركي من السوق (أموال مودعين وظفتها المصارف في سندات الدين لمصلحة الخزينة)، وفق موازنة المصرف المركزي. والمطلوب خطوات عملية على هذا الصعيد. ولماذا لا نبدأ بإجراءات في الكهرباء من دون التوقف عند إصرار "التيار الحر" على أسلوب عمله القديم في الحكومة الجديدة. فأمامنا فرصة أخيرة لنحقق هبوطاً آمناً للطائرة التي نحن فيها، والتي باتت تحتاج إلى صيانة عاجلة، وإلا ستصطدم بالأرض".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي