Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شروط خروج الجامعة العربية من العجز إلى الفعل

"ربما يعود الفشل إلى أنها لا تملك آلية سياسية أو عسكرية تستطيع من خلالها التوصل إلى قرارات بالإجماع"

جامعة الدول العربية تبدو أكثر عجزاً من أي وقت مضى (أ.ف.ب)

لم تكن جامعة الدول العربية منذ نشأتها عام 1944، قادرة على جمع دولها الأعضاء تحت لوائها في "السرّاء والضرّاء"، أو تتّحد في يوم من الأيام حول قضية واحدة، حتى في مواجهة "العدو المشترك" في احتلال فلسطين، التي كانت تطلق عليه تسمية "العدو الإسرائيلي"، وراحت طوال فترة الصراع العربي- الإسرائيلي تتسابق إلى عقد معاهدات صلح مع الكيان الإسرائيلي، مرات منفردة ومرات مجتمعة.

شكّلت الجامعة العربية أوّل تكتّل إقليمي نشأ في العالم، إذ تأسّست عام 1944. نجحت كل الاتحادات التي نشأت بعدها في خلق تكتلات إقليمية اقتصادية أو سياسية إقليمية، أسهمت في الحدّ من الصراعات بين الدول المجاورة أو إنهائها، وشكّلت كياناً يدافع عن المصالح القومية المشتركة، فيما لم تتمكَّن جامعة الدول العربية من التوصّل إلى تسويةٍ للنزاعات العربية الكبرى، وانتهى بها المطاف في كلّ أزمة، إلى طاولة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وأظهرت الأزمة الناجمة عن غزو العراق للكويت ضعفَ جامعة الدول العربية وعجزها عن إيجاد حلولٍ للنزاعات بين الدول الأعضاء. ففي البداية، طالبت الجامعة في قرار مجلسها رقم 5036 بأن يسحب العراق قواته من الكويت فوراً وبلا شروط، مؤكدةً التزامها القوي بحماية سيادة الدول الأعضاء وسلامتها الإقليمية. بيد أن اختلاف مواقف الدول الأعضاء في قمَّة الجامعة التي عُقِدت في 9 و10 أغسطس (آب) 1990، والجدل حول قرار القمة العربية رقم 195 الذي دعا الدول الأعضاء إلى إرسال قوات إلى السعودية لردع أيِّ غزو عراقيٍّ لأراضيها أوضحا ضعفَ الجامعة في حلِّ النزاعات الإقليمية بين دولها، إذ وافقت آنذاك 12 دولة من أصل 21 دولة على ذلك القرار، بينما عارضه العراق وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية، وامتنعت الجزائر واليمن عن التصويت، فيما تغيَّبت تونس عن القمَّة. ومع ذلك، كان مجلس الأمن هو مَن اتخذ في نهاية المطاف، القرارات الفعلية لتشكيل قوات التحالف الذي حمى السعودية وحرَّر الكويت.

مصر وكامب ديفيد

ودام فراق مصر عن عضوية الجامعة العربية عقداً كاملاً، بعدما حجبت الجامعة عضوية مصر من عام 1979 حتى عام 1989. أما السبب في هذه القطيعة، فيعود إلى توقيع مصر معاهدة السلام "كامب ديفيد" (منفردة) مع إسرائيل عام 1978.

في العام التالي، دعا العراق إلى قمة عربية في بغداد، بمشاركة 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعُرفت هذه القمة بـ"جبهة الرفض"، وأعلنت رفضها لاتفاقية كامب ديفيد، وأصدرت قرارات عدّة، أبرزها تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، إضافةً إلى تعليق الرحلات الجوية إلى مصر ومقاطعة منتجاتها.

وللأثر السلبي الذي لاحق الجامعة في غياب مصر طوال 10 سنوات، استضافت المغرب مؤتمراً طارئاً للقمة العربية في مايو (أيار) 1989، لاستئناف عضوية مصر في الجامعة. ورُفع العلم المصري في 2 يونيو (حزيران) 1989، على مقر الجامعة العربية في تونس، ثم أُعيدت الجامعة إلى مقرها الرئيس بالقاهرة في سبتمبر (أيلول) 1990.

الغزو العراقي للكويت

 في 2 أغسطس (آب) 1990، اجتاح الجيش العراقي بأمر من صدام حسين أراضي جارته الكويت، واستولى عليها كاملةً في غضون يومين، وشكّل حكومة "صورية" تحت مسمّى "جمهورية الكويت". وبعد سبعة أيام، أعلنت الحكومة العراقية ضمّ الكويت إلى العراق لتكون المحافظة التاسعة عشرة. واستمر الاحتلال العراقي للكويت نحو 7 أشهر، وانتهى بتحريرها في 26 فبراير (شباط) 1991 بعد "حرب الخليج الثانية".

لماذا لم تجرؤ الجامعة على معاقبة العراق كما فعلت مع مصر، خصوصاً أنه خالف أهم بنود قيام هذه الجامعة؟

شكّل فائض القوة التي استخدمها العراق في غزوه للكويت حالة قلق لدى قيادات دول الجوار، من بينها السعودية التي لجأت إليها القيادة الشرعية للكويت، إذ تلقت تهديداً مباشراً من القيادة العراقية عن طريق توجيه نداء إلى العرب والمسلمين بالجهاد ضد القوات الأميركية التي وطأت أرض السعودية.

وبين عامَي 2010 و2011، في فترة هبوب ما يُسمّى بـ"الربيع العربي"، توسّع النفوذ السياسي والمالي لقطر وتأثيرها في سلوك وقرارات الجامعة العربية التي باتت تضم في عضويتها 22 دولة. هذه الجامعة لم تتأثر لرؤية نظام حسني مبارك يتهاوى في أيام معدودة. ووافقت في فبراير (شباط) على تجميد عضوية ليبيا أثناء حكم معمر القذافي، ووقفت تنظر عندما جاهر القطريون باحتضان القوات المناهضة للحكومة الليبية، ثم أعلنت موافقتها على إنشاء منطقة حظر الطيران التي فرضها حلف شمال الأطلسي (ناتو) فوق ليبيا، التي شكّلت عنصراً حاسماً في تحويل دفة الحرب لصالح "الثوار المناوئين للقذافي".

ثم اتخذت الجامعة العربية موقفاً متشدّداً ضد نظام بشار الأسد في سوريا. ففي أغسطس (آب) 2011، دانت الجامعة دمشق لقمعها المتظاهرين المطالبين بالإصلاح ودعت النظام السوري إلى وقف حملة العنف المسلح ضد المدنيين. وفي نوفمبر (تشرين الأول) 2011، قررت الجامعة تعليق عضوية سوريا فيها وفرض عقوبات عليها. وفي أواخر عام 2018، بدأت تظهر إشارات لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، بعدما اتّخذت الإمارات خطوة لافتة عبر إعادة فتح سفارتها في دمشق، وسبقتها زيارة الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى العاصمة السورية، ثم تقرّر بحث إعادة عضويتها على مستوى مجلس الجامعة، ولا يزل البحث مستمراً.

كتب المفكر اللبناني والعربي كريم مروة مطولاً حول قضية الجامعة العربية والعلاقات التاريخية التي تربط البلدان العربية وشعوبها بعضها ببعض "وكان من أوائل ما توقف عنده الاجتماع الذي عُقد عام 1944 في القاهرة بحضور ممثلين عن ست دول عربية نالت استقلالها، هي: مصر والعراق وسوريا ولبنان والسعودية واليمن. في ذاك التاريخ، جرى توقيع بروتوكول سُمّي بروتوكول الاسكندرية الذي أسّس من حيث المبدأ لقيام الجامعة العربية بعد ذلك بعام واحد (1945)، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية. بيد أنها ظلت طويلاً في صيغة جامعة عربية من دون أن تحقق ما كانت تطمح إليه أو تعبّر عنه تحت الشعار الذي جرى تكراره وحدة الأمة العربية". وأضاف مروة "استطاعت أوروبا أن تؤسس الاتحاد الأوروبي، وهنا سألت تكراراً: هل يكفي أن نكرر بأننا أمة عربية واحدة ولا تشكّل الجامعة العربية الحد الأدنى مما تعبّر عنه من حقيقة تاريخية؟ مع العلم أن ما يجمع البلدان العربية وشعوبها أكثر بكثير ممّا يجمع الدول الأوروبية. على العكس، الدول الأوروبية كانت متصارعة في ما بينها. أما البلدان العربية وشعوبها، فتربطها تاريخياً علاقات وثيقة جداً، على الرغم من خصوصية كل بلد منها. بل يجب أن يتعدى الأمر إلى اتحاد عربي وليس جامعة عربية فحسب". وختم قائلاً "يجب أن تتكوّن كتلة تاريخية تحمل هذه القضية كراية من أجل المستقبل".

ربما يعود الفشل بدرجة كبيرة إلى أن الجامعة لم تكن تملك آلية سياسية أو عسكرية تستطيع من خلالها التوصل إلى قرارات بالإجماع بين دولها الأعضاء أو حتى فرض تنفيذ تلك القرارات في حال التوصل إليها.

في العيد "الماسي" لتأسيسها (1945- 2020) تبدو جامعة الدول العربية أكثر عجزاً من أي وقت مضى. وفشلها اليوم في توحيد الكلمة والصفوف، يُضاف إلى سلسلة الفشل الذي رافق تاريخها والذي يعكس الفشل العربي في الاتحاد وفي التضامن للدفاع عن قضاياه القومية. فتاريخ الدول العربية المعاصر هو تاريخ تضارب مصالح وتناحر وتعدٍّ. منذ سنوات، سقطت أنظمة عربية واندلعت حروب حوّلت الدول العربية إلى ساحات لصراعات إقليمية ودولية وجامعتهم تستنكر وتشجب وتدين وتطالب.

المزيد من العالم العربي