Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خواطر عن 13 يونيو 1974 الحلقة (4)

خواطر عن 13 يونيو 1974 الحلقة (4)

صورة إرشيفية للراحلين الرئيس إبراهيم الحمدي والشيخ عبدالله الأحمر (مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر)  

كان أول قرارات مجموعة حركة / انقلاب 13 يونيو 1974 إعفاء حكومة حسن مكي (رحمه الله) في نفس اليوم، ثم تعيينه في ديسمبر (كانون أول) من العام نفسه مندوبا لدى الأمم المتحدة بعد فترة قصيرة عمل فيها كنائب لرئيس الوزراء في حكومة محسن العيني الذي كلفه مجلس القيادة بتشكيلها في 19 يونيو (حزيران) ثم أعفاه في 16 يناير 1975 وتكليف عبدالعزيز عبدالغني (رحمه الله) بتشكيل حكومة جديدة، وكانت هذه بداية انفراد إبراهيم الحمدي باتخاذ سلسلة من القرارات التي عززت من توجهه لينفرد بالحكم، وسهلت عليه في نهاية شهر ابريل (نيسان) 1975 استبعاد العميد مجاهد أبو شوارب (رحمه الله) من موقعه كنائب لرئيس الوزراء خلال زيارة رسمية كان يقوم بها إلى الصين، وفي الشهر نفسه عزل كلاً من محمد وعلي أبو لحوم (رحمهما الله) وابن عمهما درهم (كان قائدا لمنطقة تعز) من مواقعهم العسكرية، واختتم الحمدي إمساكه بكل مفاصل السلطة المدنية والعسكرية بدفع آخر الشركاء يحي المتوكل (رحمه الله) الى الاستقالة من موقعه كوزير للداخلية، وتعيينه سفيرا في الولايات المتحدة.

تقبل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (رحمه الله) قرارات استبعاد كبار قيادات الحركة / الانقلاب  على مضض رغم محاولات متكررة غير ناجحة لاستثارة الرياض ضد الحمدي، لكن أكثرها إيلاما له كانت إقالة مجاهد أبو شوارب بحكم صداقتهما الطويلة وصلاتهما الاسرية، إذ شعر باقتراب الخطر من موقعه كرئيس لمجلس الشورى بعد أن تنازل عن اختصاصات المؤسسة التشريعية مقابل التخلص من الدستور والمجلس الجمهوري. ولم يكن الشيخ الأحمر يدرك حينها المخاطر المحدقة بموقعه الرسمي والمجتمعي، ولم ينتبه إلا متأخرا جدا إلى أن الحمدي صاحب مشروع متقدم لبناء الدولة، يحتاج معه لتعزيز سلطته رغم أن ملامح الحاكم الفرد ظهرت مبكراً، بعد إقصاء كل مراكز القوى السابقة، وبعد أن استكمل تثبيت رجاله المخلصين في المواقع العسكرية والمدنية، وبعد ان استبعد كل كبار رجال القبائل من المشاركة في تسيير أعمال الدولة.

تزايدت ملامح الطموح السياسي الجارف للحمدي لتظهر جلية على تحركاته الخارجية بعد اطمئنانه الـى وضعه داخليا، وبقيت علاقته وثيقة مع الراحل الملك فيصل فكان من الطبيعي أن تكون المملكة وجهته الأولى، وتمكن خلالها من ضمان استمرار الامتيازات التي كانت ممنوحة لليمنيين العاملين والمقيمين فيها والحصول على مساعدات تنموية كبيرة، ولمزيد من إرضاء المملكة عين القاضي يحي الفسيل - أحد الشخصيات المقربة من السعودية والمحسوبة على التيار الديني المتشدد – مشرفا على ما كان يعرف بالمعاهد العلمية المتخصصة في تدريس المناهج الدينية التي كانت تنفق عليها المملكة، ورغم أن أول معهد جرى تأسيسه في عهد الرئيس الإرياني عام 1972 باهتمام ومتابعة من القاضي عبدالله الحجري (رحمه الله) رئيس الوزراء حينها (كان رئيسا لهيـئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد الإمام الراحل أحمد بن يحي حميد الدين، ثم عين سفيرا في الكويت  في 1969 بعد سنوات اعتقال في المستشفى بسبب اتهامه بموالاة النظام الملكي رغم أنه كان متعاطفا مع حركة الإصلاح قبل ثورة سبتمبر 62، إلا أنه كان معروفا إلى جانب تشدده في معارضة التيارات الليبرالية واليسارية بحكم نشـأته وثقافته المحافظتين)، ولم يكن الرئيس عبدالرحمن الإرياني متحمسا لفكرة انشاء المعاهد ولم ير حاجة لها في بلد مسلم لا يحتاج فيه الناس الى تأطير ولا لإعادة تنشيط دينهم، لكنها انتشرت في عهد الرئيس الحمدي، لأنه أراد بها مجاملة الملك فيصل الذي كان يبدي اهتماما بانتشار مثل هذه المؤسسات الدينية ويرى فيها خط دفاع دون انتشار المد اليساري القادم من الجنوب في الجزيرة العربية على وجه الخصوص.

ظل الرئيس الحمدي حريصا على علاقته بالمملكة حتى الأشهر الأخيرة من حكمه وهو ما قد يفسر الإبقاء على القاضي عبدالله الحجري المقرب منها حتى بعد أن تخلص سياسيا من كل المحسوبين عليها، ومرد ذلك – في تقديري – أن الحجري لم يكن يمثل طموحا يخشاه الحمدي كما كان منحازا لفكرة الدولة القوية رغم علاقته الوثيقة بالقبائل، وجاء اغتياله في لندن 10 ابريل (نيسان) 1977 مع زوجته والدبلوماسي اليمني عبدالله الحمامي لتفقد الرياض معه أحد آخر أهم رجالها في اليمن، ولم يكن ذلك الاغتيال الوحيد الذي تم تنفيذه خارج اليمن بل سبقه اغتيال شخصيات يمنية شمالية مرموقة في بيروت مثل محمد أحمد النعمان (28 يونيو 1974) وعبدالعزيز الحروي (سبتمبر (أيلول) 1973)، وتمت جميعها على يد أفراد يتبعون فصائل يسارية فلسطينية كانت علـي صلة وثيقة بالنظام القائم ذلك الوقت في جنوب اليمن.

استثمر الحمدي الشعبية التي حظي بها وحيويته وقدرته علـى التواصل المباشر مع الناس وتنقله الدائم في مناطق كثيرة من البلاد، فبدأ في التفكير الجدي لتحويل ما كان يعرف باللجان العليا للتصحيح الى تنظيم سياسي يواجه به أي معارضة محتملة من القوى التي فقدت مصالحها بسرعة فاقت حساباتهم وتوقعاتهم، وإذ كان بعيدا عن الحسابات المناطقية والمذهبية في اختياراته فقد منحه ذلك امتدادا لجماهيريته في المناطق البعيدة عن العاصمة وزادت حماسة الناس لحكمه وأسلوب إداراته للدولة وحضور قيادات إدارية شابة.. منحته كل هذه العوامل ثقة مفرطة فلم يعد يرى خطراً يهدده في الجيش بعد أن أجرى تغييرات وضعت من يثق بهم شخصيا على رأس كل الألوية والمناطق العسكرية، ولم يكن يشعر بتهديد من رئيس أركانه أحمد الغشمي ولا من رئيس الاستخبارات محمد خميس، وركن على وجود أخيه عبدالله قائدا لواحدة من أهم ألوية الجيش خارج العاصمة، وما كان ذلك كافيا لحمايته من المؤامرة التي أودت بحياته مع أخيه وعدد كبير من قادة الألوية في 11 أكتوبر (تشرين أول) 1977.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تكتم إبراهيم الحمدي في نسج علاقة مع سالمين الذي بدوره كانت تربطه علاقة قديمة مع عبدالله الحمدي بحكم  انتمائهما الى حركة القوميين العرب، وفي أول لقاء جرى لتثبيت وقف إطلاق النار بعد حرب 1972 بين الشمال والجنوب ترأس إبراهيم الحمدي وفد الشمال وترأس عبدالله الخامري وفد الجنوب، وأخبرني أحد المشاركين في اللقاء أن الحمدي اختلى بالوفد الجنوبي وطلب (نقل تحياته لسالمين) و(ألا يستعجل تحقيق الوحدة اليمنية قبل التخلص من المعممين وأصحاب الجنابي)، وبعد هذا اللقاء بدأ سالمين التواصل مع إبراهيم عبر أخيه عبدالله، واستمرت العلاقات بدون ضجيج وبعيداً عن الأضواء حتى حدث أول لقاء رسمي بينهما بمدينة قعطبة الحدودية في منتصف شهر فبراير (شباط) 1977، أي قبل أشهر قليلة من مقتله.

المزيد من آراء