واصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سلسلة تصريحاته المثيرة بشأن ليبيا. فبعد اعترافه بإرسال مقاتلين سوريين إليها، عاد بعدها بيوم واحد ليعترف بمقتل جنود تابعين لجيشه في العاصمة طرابلس، ما عده معارضون لسياساته تحدياً صريحاً للقرارات الدولية، التي شددت على حظر إرسال السلاح والمقاتلين إلى ليبيا.
وقال في كلمة، أمام مناصرين له في مدينة إزمير، "ذهبنا إلى هناك (ليبيا) مع فرق من الجيش الوطني السوري المعارض، ومستمرون في الكفاح في الميادين ضد قوات (المشير خليفة حفتر)، ولدينا عدد من الشهداء في القتال".
وأضاف "إذا لم نتدخل في سوريا وليبيا والبحر المتوسط وعموم المنطقة، فإن الثمن سيكون باهظاً مستقبلاً".
مقتل ضابطين تركيين
وبعد ساعات من تصريح الرئيس التركي، كشفت مواقع تركية هوية اثنين من الضباط الأتراك المقتولين في ليبيا، وهما الرائد سنان كافرلر من مواليد عام 1993 والعقيد أوكان ألتيناي من مواليد أزمير عام 1971.
وكانت مصادر ليبية قالت قبل أيام إن "ضابطاً عسكرياً تركياً وآخر من المخابرات ومترجماً سورياً، قتلوا في القصف المدفعي الذي استهدف سفينة كانت تعتزم تفريغ شحنة في ميناء طرابلس يوم 18 فبراير (شباط) الحالي، إضافة إلى ثلاثة عناصر من قوات حكومة الوفاق".
وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي اللواء خالد المحجوب، في تصريحات صحافية أكد صحتها إلى "اندبندنت عربية"، إن "16 قتيلاً من الجيش التركي سقطوا في معارك مع الجيش في غرب ليبيا حتى الآن"، متوعداً أردوغان "بقتل مزيد من جنوده الذين أرسلهم" إلى ليبيا.
وكانت صحيفة "حرييت" التركية نقلت عن أردوغان، مطلع فبراير، قوله إن "تركيا أرسلت 35 جندياً إلى ليبيا دعماً لحكومة طرابلس، لكنهم لن يشاركوا في المعارك".
وقال الصحافي الليبي مجدي عطية لـ "اندبندنت عربية"، تعليقاً على تصريحات أردوغان، إن الأخير "يغرق نفسه، وبات يتعرض لموجة من الانتقاد والرفض داخل تركيا وخارجها على تدخله بالشأنين الليبي والسوري وخرقه جميع الاتفاقيات، وآخرها مؤتمر برلين".
واعتبر أن "أردوغان يسعى من خلال تصريحاته هذه إلى جذب تعاطف فئة معينة من الشارع التركي، وإيهامها بأنه بدأ فعلاً في مشروعه العثماني وقدم تضحيات لأجله، وبأنه لا يستطيع التراجع عما بدأه في ليبيا".
الجيش يطلب ردعاً دولياً
في السياق نفسه، اعتبر المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري أن "اعتراف الرئيس التركي بإرسال مرتزقة سوريين وبعض الأفراد من الجيش التركي إلى طرابلس دليل على دعمه الجماعات الإرهابية في ليبيا".
وأضاف "اليوم تعلن تركيا للعالم أجمع أنها تدعم الإرهابيين في ليبيا... والكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي".
وصرح المسماري بأن "الجيش الليبي أوقع خسائر كبيرة في صفوف الجيش التركي والمرتزقة السوريين، وآخر هذه الخسائر مقتل قيادي كبير في الجيش التركي، في الضربة التي وجهها الجيش الليبي إلى سفينة تركية في ميناء طرابلس".
في المقابل، دافع مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة ومستشار فايز السراج للشؤون السياسية الطاهر السني عن تحركات تركيا الأخيرة في المشهد الليبي، قائلاً إن "تركيا هي الدولة الوحيدة التي استجابت نداء حكومة الوفاق، عندما لم يحرك المجتمع الدولي ساكناً لعشرة أشهر، إزاء ما يحدث في طرابلس".
شروط لاستمرار الحوار
في سياق منفصل، أعلن مجلس الدولة الموالي لحكومة الوفاق في طرابلس، في بيان له السبت، "تصويته بإجماع أعضائه، البالغ عددهم 86 عضواً، على تعليق المشاركة في الحوار السياسي في جنيف".
واشترط مجلس الدولة تحقق ثلاثة شروط للمشاركة في جلسات جنيف، وهي تحقيق تقدم في المسار العسكري، والالتزام بالاتفاق السياسي "كونه القاعدة الأساس لأي اتفاق"، وانتظار إجابة البعثة الأممية عن بعض التساؤلات وأهمها، توضيح آلية اتخاذ القرار في لجنة الحوار وموافاة المجلس بأسماء المشاركين من مجلس النواب والمشاركين الذين سيختارهم المبعوث الأممي، ووضوح الرؤية حول أجندة الحوار وماهية المواضيع المطروحة وضمان تمثيل عادل للمرأة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس مجلس الدولة خالد المشري في كلمته أثناء الجلسة التي عقدت في طرابلس، إن "المجلس علق مشاركته لعدم التزام البعثة بتطبيق بعض الشروط التي طلبت منها".
وأوضح المشري أن "المجلس يتعامل مع البعثة كوسيط لتسهيل الحوار بين الليبيين"، رافضاً ما وصفه بـ "محاولاتها لإدارة الأزمة"، مؤكداً "أنه لن يقبل أن تُدار الأزمة من غير الليبيين".
واعتبر الباحث والأكاديمي الليبي محمد حركة، أن هذه الشروط التي وضعها مجلس الدولة للذهاب إلى حوار جنيف، تعبر عن رغبة المجلس في إفشال الحوار، قائلاً لـ"اندبندنت عربية"، "الجميع يعلم أن مجلس الدولة يسيطر عليه تيار الإسلام السياسي ويرأسه قيادي في جماعة الإخوان المسلمين هو خالد المشري".
وأوضح "تيارات الإسلام السياسي لن تقبل ببقاء الجيش جزءاً من أي مشروع سياسي مستقبلي في ليبيا". وبما أن "حوارات بعثة الأمم هي في حقيقتها تسعى إلى إيجاد صيغة لتقاسم السلطة بين الجيش وحلفه السياسي والسلطة التي تحكم طرابلس، فإن مجلس الدولة المسيطر عليه من الجماعات الإسلاموية، سيعمل جاهداً لعدم نجاح المسار الذي حددته بعثة غسان سلامة الدولية"، مستدلاً على تحليله بما قام به المشري "من توتير للأجواء في مؤتمر موسكو، رغبة في عرقلة الحوار الذي رعته روسيا الشهر الماضي".