Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"روما" لغة بصريّة لحياة المرأة اليوميّة، و"غرين بوك" يذكّر بكوميديا فرنسيّة عن العنصريّة

في فيلم المكسيكي كوارون، حضر الزمن كما تراه النساء ويعشنَه. وتناول فيلم "كتاب أخضر لسائق أسود" العنصريّة بشريط ذكّر بفيلم كوميدي فرنسي عنها، لكن لغته السينمائية غاب عنها التفاعل الدرامي الملائم لصراعات شخصياته.

 

بعد تحيّة واجبة للمخرجة اللبنانيّة نادين لبكي عن فيلمها "كفرناحوم" الذي مثّل قفزة أخرى في تطوّر لغتها السينمائية، بدت الدورة 91 لأوسكار "جوائز الأكاديمية الأميركيّة" للسينما كأنها اختتمت بمشاعر متضاربة تجاه فيلمين هيمنا على قمة تلك الجوائز. وأسهمت لغة سينمائية نادرة صنعت فيلم "روما" في إضفاء لمسة الإقرار بالتفوّق على فوز المخرج المكسيكي آلفونسو كوارون بأوسكاري أفضل مخرج وأفضل فيلم أجنبي. في المقابل، سادت خيبة حيال فوز "كتاب أخضر لسائق أسود" بأوسكار أفضل فيلم، وظهرت في كتابات وتصريحات شتى، وهو ما يتجاوز الاحتجاج المحمّل بالخيبة للمخرج المشاكس سبايك لي، عن الأمر نفسه.

تجمع مناهضة العنصرية بين شريطي "روما" (نساء في مواجهة عنصرية ذكوريّة) و"كتاب أخضر" (شريط عن عنصرية العرق واللون)، لكنهما يتفارقان تماماً في ما عدا ذلك. في الفيلم المكسيكي المصنوع بالأبيض والأسود، وهي تحية عميقة إلى السينما وإشارة إلى أنّه تذكّر طفولة بعيدة في سبعينات القرن العشرين، تحضر لغة بصرية تذكّر بطريقة كتابة الرواية عند مارسيل بروست في "البحث عن الزمن الضائع". تستند المشهديات إلى الحياة اليوميّة التفصيلية، منظورة من عين النساء، فتدور الكاميرا وراء الأعمال المنزلية اليوميّة وخلاء المنزل وامتلائه المتكرّر يومياً، ووجبات طعامه، وحيواناته الأليفة. تهمين ترسيمة الماء منذ بداية الشريط، مع ظهور ماء غسل البلاط منعكسة عليه صورة الطائرة: رمز الحداثة والارتحال والغربة والاغتراب. ويتولى ذلك الماء تعريفنا بالشخصيّة الرئيسية وهي الخادمة "كليو" الآتية من ريف بعيد وتحتفظ بحنين رقيق له. تستمر ترسيمة الماء في ماء الغسيل، ثم الماء الذي تقدّمه للأسرة التي تخدمها على المائدة، ويظهر الماء في الشوارع المحتجة، وفي مستنقعات تتخلّل أحياء فقيرة. يغيب الماء عن مشهد الحب الوحيد في الفيلم، فتكون العلاقة مجدبة، وتنهار وتترك المرأة "كليو" تعاني حملاً بجنين هجره ذكر جاحد، لا يتوانى عن وصف من أعطته جسدها وحبها بأنها "خادمة حقيرة". ويغيب الماء عن أحشاء الحامل "كليو" التي تفقده في ازدحام المرور في مدينة تعاني فشلاً في صنع حداثة عميقة فيها. وفي غياب الماء، يصل الجنين- الوليد جثة هامدة، لا تقوى الأم "كليو" حتى على تقبيلها، وتدخل في كآبة حادة بعدها. وبفضل ماء هائل لموجات بحر مكشوف، تخرج "كليو" من كآبتها بفقدان جنينها، بعد أن تنجح في إنقاذ أطفال مخدومتها من غرق محتمل.

نسويّة عابرة للطبقات

في فيلم "روما" تظهر النسويّة هويّة عابرة للطبقات الاجتماعيّة. إذ تتشابه معاناة الخادمة "كليو" الخلاسيّة الملامح، مع معاناة مخدومتها في العائلة الأوروبيّة الطابع في العيش والملامح. "مهما قالوا لك، نحن النساء وحدنا دوماً"، تقول السيدة التي خانها زوجها الطبيب المرموق، إلى المهمشة التي رماها ذكر مدمن سابق، وساعٍ لأن يكون جزءاً من رعاع أجلاف في قوة قمع غير رسميّة في بلده. وفي مشهد ختامي، تتشارك المرأتان احتضان أطفال عائلة، فترين أمومة توحّد نسويّاً بين السيّدة والخادمة، وتكونان حضن الطفولة التي سعى المخرج كوارون إلى استعادتها في شريط "روما".

يصعب الحديث عن لغة غير تقليدية في فيلم "كتاب أخضر". إنها مجدداً العنصرية ضد الأفارقة الأميركيين ومجدداً أحد أشرطة النوع المسمّى سينما الطريق. بسهولة، قارنه نقّاد كثيرون مع أفلام مثل "أن تكون سائقاً للآنسة دايزي" (1989) الذي مثّل فيه مورغان فريمان دور السائق الأسود للسيدة البيضاء التي أدّتها جيسيكا تاندي، وتُوّج أيضاً بأوسكار أفضل فيلم وممثلة في دور رئيسي. وأيضاً، ثمة من تذكّر كثيراً الفيلم الفرنسي "الذين لا يُمسّون" Les Intouchables (2012) الذي أدى فيه الأفريقي الأصول عمر ساي دور العاطل من العمل، والأبيض البشرة فرانسوا كلوزيه دور السيّد المشلول الذي يحتاج إلى سائق وخادم. كرّر "كتاب أخضر" الترسيمة نفسها مع انقلاب الأدوار ليصبح الممثل ماهرشالا علي هو السيّد الأبيض وعازف البيانو الراقي، وأدى الممثل فيغو مورتنسن دور الأبيض العاطل من العمل الذي يطلب وظيفة سائق لدى العازف. وفي الفيلم الفرنسي، تضمّن التفاعل بين الذكرين المتنافرين جلداً، بعداً جنسيّاً تضمن فحولة فائضة عند الأسود (وهي تنميط أيضاً) القويّ البنية، مقابل السيد الأبيض المشلول والعاجز جنسيّاً. واقتبس ذلك البُعد ترسيمة في رواية "عشيق الليدي تشاترلي" للروائي البريطاني الفرويدي الهوى د. ه. لورانس. وتلاعب الفيلم الفرنسي على التيمة الجنسيّة المضمرة بين الذكرين عبر اشتهاء أنثى مرغوبة ومقرّبة من الأبيض المشلول (رمزية ضياع الذكورة أيضاً)، إلى حدّ تحوّل التنافس بين الذكرين تضامناً وتعاوناً بينهما. وأسهم ذلك التلاعب النفسي ورمزيته ومجريات حوادثه، في شدّ عصب الحبكة الدراميّة للفيلم الفرنسي.

وفي المقابل، لم يصنع فيلم "كتاب أخضر" ترسيمة داخليّة للتفاعل بين الشخصيتين الرئيسيتين، فجاءت الحبكة الدرامية وخطوطها كلها محبوكة على ترسيمة العنصرية، فكأنها ترجمة لموقف فكري وثقافي أكثر منها صنعة فن وأخيلة وتفاعلات متنوّعة.

المزيد من فنون