صدر تحذير إلى محرّك البحث العملاق "غوغل" بأنّ ما يصل إلى 90 في المئة من الإعلانات التي تظهر على موقعه للاستثمار في حسابات التوفير الفردية والسندات المالية، قد تكون خادعة بعد أن اتّضح أنّ مواقع مشكوك بصدقيتها وحُجِبَتْ، لكنها عاودت الظهور مجدداً خلال ساعات.
وفي وقتٍ يستعدّ المدّخرون لوضع مليارات الجنيهات في حسابات التوفير الفردية قبل نهاية العام الضريبي في أبريل (نيسان) المقبل، يستغلّ المخادعون أنظمة الرقابة الهشّة في "غوغل" كي يروّجوا لاستثمارات زائفة مدّعين تقديم عائداتٍ سنوية تصل إلى 29 في المئة.
وقد وصل الأمر ببعض الإعلانات إلى حدّ انتهاك الأنظمة التي تحصر عمل الترويج للاستثمارات بالشركات المالية التنظيمية، ما يشكّل جنحة تصل عقوبتها إلى عامين من السجن.
وخلال ستة أسابيع، اهتم مارك تابر الناشط الشبكي الذي يحذّر من انتشار عدوى الإعلانات المالية الخادعة عبر الإنترنت، بتسليط الضوء على 126 إعلاناً منفصلاً، وقدّم بلاغاً عنها إلى "سلطة السلوك المالي" وشركة "غوغل".
وعلى الرغم من حجب معظم هذه المواقع، إلاّ أنه اتّضح أنّ عدداً منها عاود الظهور فوراً عبر موقع "غوغل" نفسه مع تغييرٍ بسيط في العناوين الإلكترونية لتلك المواقع.
وتملك "سلطة السلوك المالي" التي تتولّى المسؤولية عن حماية المستهلكين "لائحةً بالمواقع المخادعة" لكنها لا تضمّ سوى مجموعة قليلة من المواقع التي تُعتبر مثيرة للشكّ، وغالباً ما تُدرَجْ أسماءها في اللائحة بعد مرور أسابيع عدّة على تحرّك مخاوف بشأنها.
وبحسب التوقعات، كلّفت مواقع الاستثمارات المُضَلّلة جمهور المستهلكين حوالى مليار جنيه استرليني (1,29 مليار دولار) العام الماضي مع استهداف عديد من المستخدمين الذين يستدرجون للنقر على أحد الإعلانات المالية في موقع "غوغل"، ما يؤدي إلى دخولهم [إلى المواقع المشبوهة] التي تطلب منهم تعبئة استمارات عبر الإنترنت.
يُذكر أنّ "غوغل" لا تدقّق في الإعلانات قبل إظهارها على الشبكة العنكبوتية ما يترك المستهلكين عرضةً لخطر الاستهداف من قبل شركاتٍ عديمة الضمير مستعدة للانقضاض عليهم للحصول على مدّخراتهم وجنى عمرهم.
وتوقّعت "سلطة السلوك المالي" هذا الأسبوع أيضاً أنّه إذا لم يحدث تشديد سريع في القوانين، فسيخسر المدّخرين 20 مليار جنيه استرليني (25.7 مليار دولار) جرّاء نصائح التقاعد السيئة التي تظهر للجمهور في غالبية الأحيان عندما يبحثون عن معلومات من ذلك النوع.
وأعلنت تلك الهيئة للرقابة المالية أنّ "التضليل المتعلّق بالمعاشات التقاعدية يستمرّ في التسبّب بضررٍ كبير للمستهلكين الذين يقعون ضحيّته، ما يعني أنه يشكّل تهديداً لثقة المستهلك ونزاهة الأسواق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبصورة عامة، يُعرَف أنّ غالبيّة الأشخاص الذين يسعون إلى معرفة أفضل طريقة لاستثمار مدّخراتهم، يلجأون إلى محرك البحث "غوغل". ولذا، تكون النتائج الأربع الأولى في نتائئج عمليات البحث المتعلقة بالاستثمارات كناية عن إعلانات تضع رمز "إعلان" (Ad) بمهارة، لكن في نهاية المطاف لا يمكن تمييزها عن النتائج الحرّة الأخرى.
ولا تظهر الإعلانات في أعلى نتائج البحث [على محرك "غوغل"] لأنّها الأكثر ارتباطاً بالسؤال الذي يبحث عنه المستخدم، بل لأنّ المعلن دفع مبلغاً من المال [إلى شركة "غوغل"] كي يظهر في مقدمة نتائج عمليات البحث عن كلماتٍ مفتاحية محددة.
ويملك تابر الذي يشكّل رأس حربة لعددٍ من أشهر الناشطين ضد المصارف ممن يعملون بالنيابة عن جمهور المستهلكين، نصيحةً سهلةً يوجّهها للمستخدمين، "لا تبحثوا عن الاستثمارات على "غوغل"".
وفي التفاصيل أن تابر عمل على دراسة الإعلانات التي يعرضها "غوغل" عندما يبحث المستخدمون عن أسئلةٍ شائعة تتعلق بالاستثمارات [الفردية]. وبحسب تقديره، فإنّ 90 في المئة من هذه الإعلانات ترسل المستخدمين إلى مواقع مرتبطة بالتضليل الاستثماري.
وكذلك تبيّن له أنّ عدداً من المواقع التي حجبها "غوغل" [بسبب مخادعتها] قد نُسخت روابطها ووُضعت على مواقع اخرى بطريقة تمكنها من معاودة نشر الإعلانات [عن الاستثمارات الفردية] مجدداً وبشكلٍ فوريّ. ولاحظ تابر أيضاً أنّ بعضها لا يعطي تفاصيل للاتصال سوى رابط أو نموذج على الإنترنت، ما يشكّل انتهاكاً صارخاً لقواعد العمل في "غوغل" التي تلزم المعلنين بإعطاء الجمهور عنواناً حقيقيّاً.
وبشكلٍ مضلّل، يدّعي بعض المتلاعبين أيضاً أنّهم يقدّمون استثماراتٍ تخضع لحماية نظام تعويض الخدمات المالية الذي يمكنه إعادة المال للمستهلكين في بعض الحالات.
واستناداً إلى ذلك، دعا تابر شركة "غوغل" للتدقيق في الإعلانات المرتبطة بالمنتجات والخدمات المالية قبل أن تصبح متوافرة عبر الإنترنت، ما من شأنه أن يوقف غالبية مواقع حسابات التوفير الفردية والسندات المالية المضللة بين ليلةٍ وضحاها، وفق كلماته. وفي ظلّ هذا الوضع، حتى إذا كانت المؤسّسة غير مرخص لها من قبل "سلطة السلوك المالي"، فإنّ "غوغل" لن يمنعها من الترويج لمنتجٍ ماليّ عبر الإنترنت. ويرى تابر أنّه يتوجّب على "سلطة السلوك المالي" أن تبدأ في مقاضاة الأشخاص الذين يكسرون القواعد. ويضيف، "تملك "سلطة السلوك المالي" صلاحية زجّ الأشخاص الذين يصدرون إعلاناتٍ مالية من دون ترخيص في السجن لعامين، لكنّها لا تستخدم تلك السلطة أبداً".
وفي هذا السياق، لم تطلق "سلطة السلوك المالي" سوى ملاحقتين قضائيتين استناداً إلى انتهاك قواعد الإعلان المالي خلال العامين السابقين ولم تصل القضيّتان إلى خواتيمها.
وأضاف تابر أنّه في حالة الإعلانات الخادعة فإنّ العملية ستكون بسهولة إصدار ضبط مخالفة سرعة. وإذا لجأت شركة ما إلى نشر إعلانات مالية من دون حيازتها ترخيصاً، فينبغي أن تتلقّى استدعاءً إلى المحكمة بالبريد المضمون في غضون بضعة أيام.
واعتبر تابر أنّه "من غير المنطقي أن تتوقّع "سلطة السلوك المالي" من شركة "غوغل" أن تتحرّك عندما يرى عملاق البحث تلك الهيئة الرقابية تقف مكتوفة الأيدي".
وفي هذا الإطار، يعتقد أندرو بايلي الرئيس التنفيذي في "سلطة السلوك المالي" أنّها كهيئة رقابية غير قادرة على مقاضاة ما ينشر على "غوغل" لأنّه مستثنىً من قوانين الإعلان المالي بحسب توجيهات وزارة الخزانة.
وفي المقابل، قد يُساق إلى القضاء ناشر ما كالصحف لاشتراكه في نشر إعلاناتٍ مضللة، لكن "غوغل" تعتبر أنّها ليست مسؤولة عن محتوى الإعلانات، مع العلم أنّها كسبت 113 مليار دولار (87.7 مليار جنيه استرليني) من الإعلانات خلال العام الماضي.
وصرّح أحد المتحدّثين باسم "غوغل" أنّ جمهور "المستهلكين البريطانيين يبحث دائماً عبر الإنترنت للحصول على المساعدة في اتخاذ القرارات المالية، لكن هنالك شركات ومواقع تهدف عمداً إلى تضليل المستهلكين. إنّ حماية المستهلكين والمؤسّسات الموثوقة العاملة في هذا المجال تشكّل أولوية بالنسبة إلينا ما يستوجب قوانين صارمة والتشدّد في التطبيق. نحن نعمل أيضاً مع "سلطة السلوك المالي" وغيرها من الخبراء المستقلّين في سبيل إيجاد حلولٍ طويلة الأمد وقابلة للتطوير تستطيع ضمان حماية المستهلك".
وفي المقابل، أوضح متحدّث باسم الحكومة، "نحن نريد حماية الأشخاص من نماذج الاستثمارات المضللة. وقد منحنا "سلطة السلوك المالي" صلاحيات متينة للتأكّد من تنظيم هذه المنتجات والخدمات بفعالية. وعلى الرغم من أنّ قيود الإعلانات في المملكة المتحدة تعتبر من بين الأشد صرامة في العالم، لا نشعر بالرضا التام، بل نستمرّ في مراجعة كيفية تنظيم الإعلانات عبر الإنترنت في المملكة المتحدة بهدف تقييم أثره الاقتصادي والاجتماعي".
كيف تعمل إعلانات الاستثمار التضليلية عبر الإنترنت؟
بوسع كل شخص فتح حساب على "غوغل" والشروع في تقديم عروض [مالية إلى شركة "غوغل"] كي يوضع إعلانه في أعلى قائمة النتائج التي تظهر في البحث. وفي العادة، لا توجد سقوف لتلك المبالغ التي تُدفع.
يُذكر أنّ عدداً من تلك الإعلانات المتعلقة بمنتجات الاستثمار، تكون شرعية وقانونية، ولكن "غوغل" مبنيّة بشكلٍ يخوّلها تفضيل المشغّلين الأقلّ شرعيّة وحتّى تلك التي تروّج للأضاليل بشكلٍ فاضح.
ويسعى محرّك البحث العملاق إلى ضمان حصوله على أكبر إيرادات ممكنة من الإعلانات عبر إطلاق مزادٍ عن كلّ كلمة مفتاح. وتُعتبر مصطلحات البحث الاستثمارية على غرار "أفضل سندات حسابات التوفير الفردية"، من بين الأكثر ربحية لأنّ كلّ مستهلك بوسعه أن يعود بالكثير من المال للمُعلِن.
من ناحية أخرى، غالباً ما يؤدي غياب عمليات تدقيق للإعلانات، إلى تمكين المخادعين من التغلّب بالمزايدة على الشركات القانونية.
وفي ذلك السياق، يذكر أن شركات الاستثمار الحقيقية كافة تتحمل التكاليف المرتبطة بتشغيل الأعمال واستثمار الأموال، بينما لا يتحمل المخادع تكاليف سوى ما يتوجّب عليه دفعه لاجتذاب المستهلكين وإقناعهم بمشاركة نقودهم [مع المُخادِع].
وبالنتيجة، تكون غنيمة المُخادِع أكبر بكثير إذ أنّه من المحتمل أن يستحوذ على كلّ المال الذي يستثمره شخص ما معه، على عكس العمولة الصغيرة التي قد تفرضها شركة قانونية.
إضافة إلى ذلك، أنشأ تابر قاعدة بياناتٍ تضمّ إعلانات استثمار بشأن حسابات التوفير الشخصية منذ بداية العام الحالي. ووفق تقديره، فإنّ 90 في المئة تقريباً من تلك التي تظهر في أعلى قائمة البحث ليست شركات استثمار شرعية.
وفي هذا الصدد، ترى غوغل أنّها ليست مسؤولة عن الإعلانات التضليلية لأنّها منصّة بحث وليست ناشراً. في المقابل، تعتبر "سلطة السلوك المالي" أنّها غير قادرة على مقاضاة شركة "غوغل" لأنها تتخذ من إيرلندا مقراً لها ما يجعلها بحسب وزارة الخزانة معفية من القوانين التي تحكم الإعلانات المالية.
وبالنتيجة، لا يبقى أمام المستهلكين سوى قليل من الأمكنة التي بوسعهم اللجوء إليها.
مشاكل إضافية...
لا تكمن الغاية الأساسية لغالبية مواقع الاستثمار التي تروّج عبر "غوغل" لمعدلات فائدة مرتفعة للغاية، في بيع المنتج بشكلٍ مباشر بل في أن تحثّ الأشخاص على وضع تفاصيل تتعلق بهم على الموقع. وبعد ذلك، يعمل مندوب مبيعات على الاتصال بهم لمناقشة استثمار قد يكون شرعياً لكنّه محفوف بالمخاطر أو قد لا يعدو كونه خدعة تضليلية محتملة. وما يدعو للعجب يتمثّل في أنّ هذه الشركات التي تُعرف "بوكلاء التقديم" لا تخضع بالضرورة للرقابة من قبل "سلطة السلوك المالي"، ولا حتى الخدمات التي تبيعها، ما يجعل آليات حماية المستهلكين هشة.
وتفيد تلك الهيئة الرقابية أنّها مسؤولة عن تنظيم أنواع محددة من الشركات بصورة حصرية. ويشمل ذلك الشركات التي تروّج للمنتجات والخدمات المالية ولكن يمكن للشركات الالتفاف على تلك القوانين عبر زعم أنّها تقدّم فرصة عوضاً عن منح المشورة أو تولّي الاستثمار.
واستطراداً، قد يجري غضّ النظر عن عديد من الأشخاص الذين يكونون في المقلب الآخر من عملية الإقناع لمصلحة وكيلٍ يعرض الخدمات المالية، لمجرّد تفكيرهم أنّهم سمعوا عرضاً ترويجياً لمنتجٍ مالي ما.
"الوكلاء المعتمدون"
من الثغرات الصارخة الأخرى في القوانين أنّ بوسع الشركات التفاخر بأوراق اعتمادها الممنوحة لها من "سلطة السلوك المالي" وتُدرج نفسها على سجلّ تلك الهيئة من دون أن تخضع لتقييم المنظّم أبداً.
ويمكن بذلك لشركة ما لا تخضع للقوانين أن تروّج للاستثمارات طالما أنها تحظى بكفالة شركة تخضع لقوانين "سلطة السلوك المالي". وبعدها، ستظهر الشركة على سجلّ "سلطة السلوك المالي" بصفتها "وكيلاً معتمداً" من دون أن تخضع للتدقيق فعلياً من قبل تلك الهيئة الرقابية.
وكخلاصة، أدّى ذلك الوضع إلى بروز قطاع أعمال يُدار من المنازل، إذ تكلّف بعض الشركات الخاضعة للقوانين والتشريعات، مؤسسات أخرى غير خاضعة لتلك القيود كي تستخدمها جسر عبور بواسطة الاستفادة من ترخيص "سلطة السلوك المالي" التي تحظى بها الشركات [القانونية] ما يسبّب ارتباكاً غير مبرر لجمهور المستهلكين. واستطراداً، نادراً ما تترتّب تبعات على شركة قانونية في حال خرقت شركة غير قانونية منظومة التشريعات والقوانين التنظيمية.
© The Independent