Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تزعزع علاقات إسرائيل التجارية مع الصين تعاونها الأمني مع واشنطن؟

يعتبر استئجار ميناء حيفا من قبل شركة صينية، واحدة من عشرات الصفقات الاقتصادية التي وقّعت مع شركات صينية في مجال البنى التحتية في إسرائيل

ميناء حيفا: استئجار ميناء حيفا، من قبل شركة صينية من عشرات الصفقات الاقتصادية التي وقّعت مع شركات صينية (نقلاً عن موقع ميناء حيفا)

تشهد العلاقات الصينية الإسرائيلية نقاشات حادة عصفت بجهاز الأمن الإسرائيلي، مع التقدم في بناء ميناء حيفا الجديد، من قبل شركة صينية، وهو المكان الأكثر حساسية من الناحيتين الأمنية والإستراتيجية، وتقام في الميناء القاعدة العسكرية البحرية، التي تشكل عصب الدفاع الإسرائيلي في أية مواجهة حربية بين إسرائيل ومنطقة الشمال، ولبنان على وجه الخصوص، وهي أيضاً واحدة من المواقع الإستراتيجية المهمة والمستهدفة لكل طلقة صاروخ من خارج الحدود الإسرائيلية.

وأثارت قضية حيازة شركة صينية على امتياز بناء الميناء الجديد في حيفا واستئجاره وإدارته، وما يحمله ذلك من مخاطر أمنية على إسرائيل، فتح ملف العلاقات الصينية الإسرائيلية ورفعه إلى الأجندة الإسرائيلية، وخرج أمنيون وباحثون عن صمتهم يحذرون من خطر حصول الصين على معلومات حساسة حول القاعدة العسكرية البحرية في الميناء.

جهاز الشاباك اكتفى بالقول إنه قدم توصيات سرية وحذر من أن الصين تملك قدرات عالية في مجال التجسس، أما القائد السابق لسرية الغواصات والمدير السابق لمشروع بناء الغواصات الجديدة في ألمانيا، الجنرال احتياط شاؤول حوريف، فقد أطلق صرخة تحذير من خطر ما يمكن أن يُكشف خلال هذه الفترة من معلومات حساسة أمام الصينيين، تهدد في شكل كبير أمن إسرائيل والقاعدة العسكرية البحرية في الميناء، ويقول إن اكبر المخاطر تكمن لدى معرفة الصينيين، العاملين في الميناء، تفاصيل قطعة بحرية في ميناء حيفا خرجت بمهمة في عمق البحر وهدف المهمة.

كما اعتبر حوريف أن وجود شركة صينية في ميناء حيفا يشكل خلافاً مع الولايات المتحدة، التي تعتبر الصين تهديداً إستراتيجياً مركزياً، في حال أطلق سلاح البحرية الإسرائيلية عملية عسكرية سرية، وفي مثل هذه الحالة يحصل التشاور مع الولايات المتحدة.

صفقات غير مرغوبة أمنياً وواشنطن عقبة كأداء

يعتبر استئجار ميناء حيفا من قبل شركة صينية، واحدة من عشرات الصفقات الاقتصادية التي وقّعت مع شركات صينية في مجال البنى التحتية في إسرائيل بينها حفر أنفاق الكرمل، وبناء ميناء أسدود الجديد، وحفر أنفاق السكك الحديدية الخفيفة في تل أبيب، وتنافس على مناقصة لتوسيع خطوط القطار الخفيف في القدس. وتشير ضخامة الصفقات بين البلدين إلى العلاقات الوثيقة بينهما، وشهدت ارتفاعاً متواصلاً منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والصين في العام 1992.

وتعتبر الصين اليوم الشريكة الثالثة من حيث حجمها في مجال الإتجار مع إسرائيل، إذ بلغت قيمته 9.8 مليار دولار خلال العام 2017، وكانت الحصة الكبرى للصين إذ بلغت قيمة التصدير الصيني إلى إسرائيل 6.5 مليار دولار، بينما لم تتعدّ قيمة التصدير الإسرائيلي إلى الصين قيمة 3.3 مليار دولار.

أما من ناحية الاستثمارات الصينية في إسرائيل فهناك تقديرات مختلفة حول منسوبها، وتتراوح قيمتها ما بين 10 إلى 20 في المئة من مجمل الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، وإذا كانت الصفقات التجارية والاستثمارات الصينية في إسرائيل مزدهرة، فإن الوضع يختلف في الجانب العسكري الأمني، ووفق الخبير الأمني، دان كاطريبس، فإن "حساسية الوضع الأمني، من جهة، وحرص إسرائيل على الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وعدم الدخول في خلافات تسهم في خلق أزمة معها من جهة أخرى، جعلت الصفقات العسكرية كافة مع الصين على الأجندة الإسرائيلية في شكل دائم". 

ويشير الباحث الإسرائيلي إلى أن ذروة الخلافات كانت بعد توقيع صفقتين لبيع منظومات عسكرية إسرائيلية إلى الصين، ووصلت إلى حد الأزمة بعدما تدخلت الولايات المتحدة وفرضت حظراً عليهما ما اضطر إسرائيل إلى توقيفهما. ويتمّ الحديث عن معدات عسكرية إسرائيلية تحتوي على تكنولوجيا أميركية، وقد اعتبرت واشنطن أن بيعها للصين يشكل تهديداً للمصالح الأميركية وأمن تايوان وحلفاء أميركا الآخرين، وأدت الصفقتان إلى وضع نظام جديد للصفقات الأمنية والمعدات العسكرية التي تملكها إسرائيل وتحتوي على تكنولوجية أميركية إلى الصين، فأقيمت دائرة خاصة لمراقبة الصفقات الأمنية، وهذه بدورها أوقفت تصدير العديد من المعدات العسكرية.

 

توتر بين الولايات المتحدة والصين

ووفق الباحث الأمني أساف أوريون، فإن هذه الصفقات أدت إلى توتر، أيضاً بين الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل التي لا يوجد بديل لها في المنطقة، وبين الصين، الشريك الاقتصادي الذي يسهم في إنعاش الوضع الاقتصادي في إسرائيل. ويحذر الخبير أوريون من خطر عدم التمييز بين المخاطر الممكنة والمركبات غير المرغوبة من أجل تطوير هذه العلاقات، ويقول "إلى جانب الأهداف الإيجابية في الغاية الإستراتيجية، ينبغي تمييز المخاطر الممكنة والمركبات غير المرغوبة في تطور العلاقات بين الصين وإسرائيل، والتي تنجم عن علاقات القوة بين الدولتين، وعن نسيج العلاقات بين كل منهما ودول أخرى، على رأسها الولايات المتحدة، وكذلك عن العلاقات مع دول ولاعبين على المستوى الإقليمي".

تحذير أوريون، جاء متناسقاً مع تحذيرات الأمنيين من أبعاد تولي شركة صينية بناء ميناء حيفا الجديد. فعلى الرغم من أن دائرة مراقبة الصادرات الأمنية قرّرت منع بيع الصينيين بنى تحتية لاتصالات سرية، إلا أن الاتفاق مع الشركة الصينية، التي تنفذ مشروع ميناء حيفا الجديد يشمل شبكات اتصال وحواسيب ورادارات. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤول أمني قوله، إن جهات أمنية في وزارة المواصلات و"شركة موانئ إسرائيل" حذّرت خلال المفاوضات مع الشركة الصينية من نشاط محتمل في مجالَي الاتصالات والسايبر الصيني، وسيكون من الصعب على إسرائيل مواجهته.

وأشارت هذه الجهات إلى وجود إشكاليات في حماية المعلومات، ونقاط ضعف في الموانئ التي ستكون مكشوفة للصينيين وكشف تطويرات وتكنولوجيا مثل التعامل مع قنابل عمق، وطرق تشويش تسلل تحت سطح البحر إلى الميناء. وأضافت الصحيفة أن المسؤولين الإسرائيليين يدركون أن جهاز الاستخبارات الصيني (MSS) يدعم مالياً شركات صينية من أجل أن تتوغل إلى مراكز معلومات وخبرات.

 

سبب آخر لمعارضة الأميركيين الصفقة الإسرائيلية

وتوجد لدى الاستخبارات الخارجية الصينية وحدتان – APT 10 وAPT 40 – متخصصتان في هجمات سايبر وخصوصاً ضد التكنولوجيا البحرية الغربية المتقدمة. وتعمل هاتان الوحدتان ضد الأسطول الأميركي، وهذا سبب آخر لمعارضة الأميركيين الصفقة الإسرائيلية مع الصين، في ميناء حيفا، وكانت جهات مسؤولة في الإدارة الأميركية حذرت إسرائيل من مخاطر وجود شركة صينية في ميناء حيفا، وأشار بعضهم إلى أنه في الوقت الذي يدير الصينيون ميناء حيفا، الذي استخدم كميناء للأسطول السادس، لن تتمكن سفن أميركية من الرسو فيه خشية عمليات تجسس صينية.

 

 تميز السلاح الصيني يضع إسرائيل أمام تحد كبير

خلال الأبحاث الإسرائيلية حول العلاقة بين الصين وإسرائيل، لفت خبراء إلى أن خصائص التصدير الأمني الصيني تتطور في شكل كبير حيث ظهر ارتفاع كبير في ميزانية الدفاع والأمن الصيني، ما يضع إسرائيل أمام تحدٍ غير سهل. في هذا الجانب يرى الخبير أساف أوريون أن التحديات أمام إسرائيل كثيرة ومركبة بينها:

- وصول منظومات سلاح متقدمة من الصين إلى أيدي جهات أخرى في المنطقة، بينها أعداء لإسرائيل.

- عدم الالتزام من قبل الصين وغيرها بحفظ التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل على الدول المحيطة.

- انعدام آليات الحوار الأمني معها، كما هي قائمة مع روسيا، إضافة إلى أن الصين تعتبر منافسة جدية للتصدير الأمني الإسرائيلي في مجالات تمتعت فيها إسرائيل بامتياز نسبي واضح، مثل طائرات التجسس من دون طيار.

 

عدم معرفة الحد الأدنى عن الصين

منذ فترة ولايته السابقة، وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الصين، كهدف مركزي لتطوير العلاقات الاقتصادية، ولكن سياسة الحكومة، ووفق بحث موسع أجراه معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، لا تتناول المخاطر وسبل تقليصها، وبالتالي تعمل في هذا المجال أجهزة لا تتلاءم مع ضرورة التحديات المتوقع أن تواجهها إسرائيل بمثل هذه العلاقات، وعلى الرغم من التحذير من هذا الوضع، وإدراك السياسيين ذلك، إلا انه لم يتمّ العمل من قبل أجهزة المراقبة والإشراف على السياسة وتطبيقها، في شكل مهني ومدروس، كما لم تجد المؤسسة السياسية في إسرائيل طرقاً منهجية متواصلة ومتوازنة للاستفادة من العلاقة مع الصين، كما لم تقدم رداً ملائماً لتقليص مخاطر هذه العلاقة. وينتقد البحث الإسرائيلي، تدنّي معرفة الجهاز الحكومي ودوائر صنع القرار في إسرائيل، ووصف بأنه أدنى من المستوى المطلوب. وجاء في البحث أنه "في مختلف الوزارات، هناك عدد قليل من المتخصصين في الصين الحديثة، ما يؤدي إلى محدودية القدرة على إجراء تقييم مستقل ونوعي ومهني يستند إلى معلومات وافية ومعرفة معمقة بالصين وخصائصها. والوضع مشابه أيضاً في الأكاديميا الإسرائيلية، حيث أن المتخصصين في المجالات المتعلقة بالصين لا يصلون إلى عدد أصابع اليد الواحدة، على الرغم من ارتفاع عدد طلاب اللقب الأول في اللغة الصينية. لذلك، ولأسباب أخرى، لا تملك جامعات البلاد اليوم القدرة الكافية لتشكل سنداً مهنياً ومصدراً لمتخصصين تستفيد منهم حكومة إسرائيل، ومن هنا تتزايد الصعوبات أمام بلورة سياسة واقعية وتطبيقها بنجاح.

 

عدم المس بالعلاقات الإستراتيجيّة مع الولايات المتحدة

أما الباحث والخبير الأمني أساف أوريون، فقدم ضمن بحثه توصيات للمستويين السياسي والأمني يؤكد فيها ضرورة وضع مركبات مهمة لتنفيذ الغاية الإستراتيجية من العلاقات مع الصين، بما يضمن عدم تشكيل أي خطر على أمن إسرائيل أو علاقاتها مع دول أخرى، والولايات المتحدة في شكل خاص.

وتشمل توصيات أوريون:

- استنفاد الفرص المتوافرة في الصين لتطوير اقتصاد إسرائيل في شكل متواصل.

- عدم المس بالعلاقات الإستراتيجيّة الخاصة مع الولايات المتحدة.

- الحفاظ على استقلال إسرائيل الإستراتيجي.

- الدفع نحو أهداف إسرائيل السياسية في المنطقة وفي الساحة الدولية.

ووفق أوريون، فإن الخصائص التي تميّز علاقات إسرائيل بالصين، تضع تحديات وصعوبات أمام نيل كل واحد من مركبات الغاية بوجهيها: الأول الغايات الإيجابية، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، والثاني الاضطرابات والمخاطر، ويقول "يزداد وزن الصين في الاقتصاد العالمي، في المنظومة الدولية، وفي بيئة إسرائيل الإستراتيجية، وهذا يقتضي من حكومة إسرائيل أن تبلور وتطبق سياسة تهدف إلى نيل الغايات وتقليص المخاطر، بمهنية ومسؤولية. الشرط الرئيس الذي يتيح ذلك هو إجراء تغيير عميق وسريع في جهاز الدراسة والعمل القومي، عبر إنشاء بنية معرفية موسعة ومعمقة حول الصين الحديثة، ودمج متخصصين وخبراء في عمليات بلورة السياسة وتطبيقها. هذا التغيير ينبغي أن يتمّ بجهد مشترك يشمل الحكومة والأكاديميا وقطاع الأعمال".

ويشدد أوريون على ضرورة دمج متخصصين في الصين الحديثة في هذه العمليات على مستوى حكومة إسرائيل وقطاع الأعمال، وداخل أجهزة الدولة ذات الصلة، وتعميق المعرفة لدى المسؤولين الإداريين والتنفيذيين في المجالات المتعلقة بالصين، عبر الاستثمار في الاستكمالات والدراسة للموظفين ورجال الأعمال العاملين في هذه المجالات. ويؤكد أوريون ضرورة الاستعانة بتجربة دول أخرى، وضمان أن تكون الولايات المتحدة شريكة في هذه الخطوات. وفي موازاة ذلك، إنشاء جهاز عمل وزاري مشترك، داخل الحكومة الإسرائيلية لموضوع العلاقات مع الصين، تتركز مهمته على إجراء تقييم متواصل للعلاقة مع الصّين، وإدارة ملف معطيات في شكل منهجي ومهني، وبلورة سياسات محدثة، تعريف وتحديد أهداف قابلة للتحقّق، متابعة تحقيق هذه الأهداف لتتلاءم مع التطورات الفعلية بواسطة دائرة تغذية راجعة من الفعل المتحقق إلى السياسة الموضوعة".

وتشمل التوصيات التي قدمت بهذا الصدد:

- إنشاء جهاز لإدارة المخاطر، خصوصاً في مجال التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية في عقارات إستراتيجية، لأجل إتاحة توازن صحيح بين احتياجات التنمية الاقتصادية واحتياجات الأمن القومي والاستقلال الإستراتيجي.

- العمل على ضمان دائرة تراقب خصوصاً المخاطر الكامنة في العلاقات الإستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة، إذ تتفاقم بين الولايات المتحدة وبين الصين المنافسة، إلى جانب التطوّر السريع للعلاقات بين إسرائيل والصين، وفي الوقت نفسه يتسع نطاق التعاون والاعتماد المتبادل بينهما.

- إجراء دراسة منهجية للصين ونشاطها في بيئة إسرائيل الإستراتيجية، مع التركيز على علاقاتها مع دول المنطقة ونشاطها فيها، وعلى علاقاتها مع الدول العظمى، على أن يشكل هذا اعتباراً مهماً في إدارة سياسة إسرائيل أمام الصين.

- تكريس الاهتمام التنظيمي في جهازّي الاستخبارات والأمن، في الأكاديميا ومعاهد البحث، ضمن تعاون متخصصين بشرق آسيا وآخرين بالشرق الأوسط.

المزيد من تحقيقات ومطولات