Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بوابات" تونس التاريخية... تفصل بين الأحياء القديمة والحديثة

تعددت وجهات استخدامها ووظائفها في الماضي... وتعاني اليوم إهمالاً رسمياً

باب بحر في العاصمة التونسية (اندبندنت عربية)

من أصل 24 باباً، بقيت خمسة فقط تحرس مدينة تونس، فيما  اندثرت الأخرى بسبب التوسع العمراني. هي بوابات تونس على التاريخ، بُنيت من حجارة منذ ثمانية قرون بشكل أقواس، أشهرها وأقدمها "باب بحر" في قلب العاصمة التونسية، الذي يفصل المدينة العتيقة عن تلك الحديثة، كأنه يفصلها بين زمنين أو بين عالمين. يطلّ جانب منه على القسم الجديد من العاصمة التي يقودها تمثال ابن خلدون، ثم شارع الحبيب بورقيبة الذي ينتهي بتمثال للرئيس الراحل، عاد إلى الشارع أخيراً بعد إزالته في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. أما الجانب الآخر للباب، فيفتح على المدينة العتيقة بأسواقها وبيوتها وقصورها ومقاهيها وحمّاماتها وجوامعها وشوارعها الضيقة والمسقوفة في جزءٍ منها.

وفضلاً عن دلالتها التاريخية، تمثّل أبواب مدينة تونس، منافذ تجارية تفتح على الأسواق الشعبية ودكاكين الصناعات التقليدية التي لا تزال مقصداً للسياح والمواطنين من أجل اقتناء أهم مستلزمات أفراحهم.
 

تراث إنساني
هذه البوابات هي وجه المدينة وحاملة لأسرارها وحكاياها، فـ"تونس العتيقة" لا تزال تحافظ على تراث إنساني ومعماري فريد من نوعه عربياً وعالمياً، يصون الذاكرة الشعبية التونسية.
وفقاً للمعهد الوطني للتراث، فإن موقع تونس البحري والمهم مكّنها من إقامة علاقات تجارية مع مدن أوروبية عدّة، ما دفع الحكام في العهد الموحدي (1121 – 1269) إلى إيلاء مدينة تونس عناية كبيرة تمثلت في تشييد "القصبة" (مقر الحكومة وغالبية الوزارات حالياً) للمحافظة على نظام المدينة القديم الذي يضم جامع الزيتونة والأسواق العتيقة وأسوارها ذات الأبواب الفريدة لحمايتها.

وكانت أبواب مدينة تونس تؤدي وظيفة مهمة في عصرَيْ الأغالبة (800-909) والحفصيين (1229-1574)، إذ كانت تُستخدم لتنظيم عملية دخول التجار الآتين من مناطق أخرى إلى جانب الاستخدامات الأمنية لتوفير الحماية للمدينة وسكانها في أيام الحرب والسلم، فكانت تُغلق ليلاً.



أسماء ومعاني

تقول ثريا عامري، وهي محافظ مستشار للتراث عن "وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية" إن "الرقعة الترابية لمدينة تونس اتسعت بنسق سريع عبر الزمان... في أوائل المئوية الثالثة للهجرة، شهدت المدينة تطوراً حضارياً متميزا،ً ما جعل الأمراء الأغالبة يبادرون إلى تحصينها، فشيّدوا السور الأول الذي أُثث بخمسة أبواب.

وفي "العهد الحفصي" الذي دام حوالى ثلاثة قرون ونصف القرن، استقطبت مدينة تونس التي أصبحت عاصمة أفريقية، تجمعات سكانية استقرت شمال وجنوب النواة الأولى للمدينة، فظهرت أرباض خارج السور الأول، ما اضطر بني حفص إلى تشييد حزام خارجي من الأسوار أُثِث بستة أبواب جديدة".

وتضيف "ثم تزايد عدد أبواب مدينة تونس شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت إلى 24 باباً. أما بشأن تسميات الأبواب، فربطتها العامري بعوامل عدّة، أهمها "الموقع الجغرافي مثلما هو الحال بالنسبة إلى باب بحر وباب الجزيرة، إذ يذكر بعض المؤرخين أن تسميته مرتبطة بموقعه الذي ينفذ إلى شبه جزيرة الوطن القبلي جنوب العاصمة".

 كما يمكن ربط التسمية بالوظيفة التي كان يؤديها الباب، مثل "باب سويقة" أو "باب السقائين"، إذ كانت توجد ساقية سابقاً في هذا المكان. وتذهب روايات أخرى إلى أن اسمه تصغير لكلمة "سوق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودلّت أسماء هذا الأبواب الأثرية أيضاً، بحسب عامري، على الأحداث التاريخية، مثل "باب الفلّة" الذي أخذ تسميته من الهجوم الإسباني على تونس عام 1535، إذ هرب سكان الحاضرة من الفوهة الصغيرة لذلك الباب، والفـلّة في اللهجة التونسية هي الفوهة الضيقة.

كما ترجع بعض التسميات إلى أصول التجمعات السكنية، مثل "باب العلوج" الذي بناه السلطان الحفصي أبو إسحاق ابراهيم الثاني وسمّاه بـ"باب الرحيبة"، ثم عام 1435 وعندما أحضر السلطان عمرو عثمان أخواله من إيطاليا، فبرّ بهم وأسكنهم في الحي المجاور للقصبة، فأُطلق عليه اسم "رحبة العلوج" (وكلمة العلج تعني الأجنبي). ومن ذلك، أتى اسم "باب العلوج".

 وأخيراً، هناك التسميات التي لها علاقة بالزوايا الدينية والأولياء الصالحين، فتشرح العامري أنه معلوم أن غالبية هذه الأبواب كانت تُغلق بعد صلاة المغرب ولا تُفتح من جديد إلاّ بعد صلاة الفجر. وبُنيت خارج الأسوار الزوايا التي كانت تأوي الوافدين على المدينة بعد إغلاق الأبواب. وأعطت بعض الزوايا تدريجاً أسماءها للأبواب المجاورة لها، على غرار "باب سيدي قاسم الجليزي" و"باب سعدون" و"باب سيدي عبد السلام" و"باب سيدي يحيى".


موروث تاريخي
​​​​​​​تبقى المحافظة على هذا الإرث التاريخي والحضاري هاجس جهات عدّة، وسط تراخي القنوات الرسمية أحياناً في الاعتناء بمحيط هذه الأبواب التي تغزوها إما الأوساخ أو التجارة العشوائية، ما أفقدها جماليتها، وحرم البلاد من استغلال هذه الآثار سياحياً وثقافياً.

في هذا السياق، تقول العامري إن "الدولة التونسية تسعى منذ الاستقلال إلى إرساء استراتيجيات عدّة، هدفها توفير الظروف الملائمة لتهيئة وتثمين واستغلال أمثل للسياحة الثقافية، الأمر الذي انطوى ضمن الحوكمة الرشيدة التي توخّتها مؤسسات الدولة للاستثمار في التراث وجعله أحد محركات التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

وعملت "وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية" على الترويج لمخزون المدينة العتيقة، فدشنت مركزاً لتقديم تاريخ معالم مدينة تونس منذ سنة تقريباً، ضمن فعاليات البرنامج الرسمي لافتتاح تظاهرة "تونس عاصمة للثقافة الإسلامية".

ويقدّم المركز لمحةً تاريخيّة عن جوانب الموروث التاريخي والثقافي لمدينة تونس، كالأبواب والأسوار والمساجد والزوايا والمدارس والصناعات التقليديّة والموارد المائيّة وسبل التصرّف فيها والمساكن والقصور.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات