Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحر في أنتاركتيكا يبرز الحاجة إلى خطط إنقاذ بيئي

يكمن الحلّ في خطة عمل وطنيّة طموحة تمتدّ على 10 سنوات لتحقيق تحوّل في اقتصادنا وتأمين مناخ صالح للعيش، مع السعي في الوقت نفسه إلى بناء مجتمع عادل

 يوم الجمعة الماضي، بلغت درجة الحرارة على إحدى جزر القارة القطبيّة الجنوبيّة (أنتاركتيكا) ذروتها، متخطيّةً عتبة الـ 20 درجة مئويَّة. جاء ذلك في أعقاب أسبوع قياسيّ بحرارته المرتفعة، إذ تجاوزت خلاله الحرارة في شبه جزيرة القارة القطبيّة الجنوبيّة الـ 18 درجة مئويّة، وهو المستوى الأعلى الذي تشهده المنطقة منذ سجّلت مستوى قياسيّاً مماثلاً في مارس (أذار) 2015. اللافت أنّ "الرقم المُسجَّل ليس معهوداً عادة في "أنتاركتيكا"، حتى في فصل الصيف"، حسبما ذكرت كلير نوليس المتحدِّثة باسم "المنظمة العالميّة للأرصاد الجويّة" في مؤتمر صحافيّ.

فيما يواصل مستوى الأنهار الجليديّة في المنطقة تراجعه، وتتصاعد درجة الحرارة، يحذِّر العلماء مجدداً من تأثير ذلك في ارتفاع مستوى سطح البحر. مثلاً، في وقت سابق من فبراير (شباط) الحالي، أشارت "هيئة الإذاعة البريطانيّة" (بي. بي. سي) إلى ذوبان "نهر ثويتس الجليديّ، المعروف أيضاً باسم "نهر الآخرة الجليديّ" في القارة القطبيّة الجنوبيّة. والحال أنّ هذا الجبل الجليديّ يوازي بريطانيا في الحجم، ويسهم أصلاً في 4 في المئة من نسبة تصاعد منسوب البحار في العالم سنويّاً. كذلك يُعتبر فائق الضخامة لدرجة أنّ كمية المياه التي يحتويها يمكن أن تتكفّل وحدها برفع مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر.

ونظراً إلى أنّ الأنظمة الجيولوجيّة الضخمة، على غرار القارة القطبيّة الجنوبيّة، تتفاعل مع كوكب يكابد احتراراً متسارعاً، أدانت الأوساط العلميّة الحكومات المذنبة بالتقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للحدّ من تغيّر المناخ، والشركات التي تواصل جني الأموال من الاقتصاد العالميّ الذي يعتمد على الوقود الأحفوريّ. وكانت إحدى الخطوات في هذا المجال، حظراً شاملاً فرضه منظِّمو "مهرجان إدنبرة للعلوم" العام الماضي على أيّ صفقات رعاية مع شركات إنتاج الوقود الأحفوريّ، معلِّلين قرارهم هذا بالتأكيد على أنّ "قطاع النفط والغاز لا يعمل بسرعة كافية" في سبيل بلوغ الأهداف المتعلِّقة بالتصدي لأزمة المناخ.

ولكن كلما تعلو الأصوات المندِّدة بتلك الشركات، كذلك تتصاعد صيحات "التمويه الأخضر" من الأشخاص المسؤولين في إطار الإيحاء بأنّهم يعملون لخير البيئة في حين أنّهم يخفون أسباباً تجاريّة بحتة. وعلى سبيل المثل، انضمّ خلال الأسبوع الحاليّ الرئيس التنفيذيّ الجديد لـ "بي. بي" (BP) شركة النفط البريطانيّة إلى "إنستغرام" وأعلن للعالم أنّ الشركة كانت تصغي إلى المطالبات وسوف تستجيب لها عبر التزامها بتقليص بصمتها من الانبعاثات الكربونيّة إلى "صافي صفر في حلول عام 2050". ولكن حسب الرؤية الاستقصائيّة لأليس بيل، وهي كاتبة وناشطة بيئيّة، بشأن خطة شركة "بريتيش بتروليوم" المزمعة، ينبغي علينا جميعاً "توخي الحذر من مديري شركات النفط الذين يظهرون بمظهر أنصار البيئة. ولكنهم في المقابل، ربما يودون ببساطة استغلال العزم المتنامي من أجل التغيير وتوجيهه صوب أهدافهم الخاصة، ألا وهي الحرق المستمرّ للوقود الأحفوريّ".

معلوم أنّ مناخنا المتغيّر آخذ في الاحترار نتيجة الحرارة التي يسبّبها التركيز المفرط لثاني أكسيد الكربون الذي ينتقل إلى الهواء من جراء حرق الوقود الأحفوريّ. ولكن على الرغم من ذلك لا تنفكّ الحكومات توفِّر الدعم لأشكال الوقود الأحفوريّ نفسها فيما لا تتوقّف الشركات عن استخراجها. بيد أنّ الوضع أصبح في غاية الصعوبة. هكذا نرى أنّ أحوال المناخ حاضراً تطغى على الأخبار بشكل لم يسبق له مثيل، فيما تستمرّ درجات الحرارة في تخطّي الأرقام القياسيّة المسَّجلة في أوقات سابقة، وتضرب العواصف والفيضانات المملكة المتحدة، وتصبح موجات الحرارة وما يترتّب عليها من اضطرابات هي الوضع العاديّ الجديد.

وتلك الاضطرابات كافة التي ينطوي عليها تغيّر المناخ يقابلها قلق متعاظم في أوساط الرأيّ العام البريطانيّ. ففي هذا المجال، أظهر استطلاع للرأيّ أجرته العام الماضي "غرين نيو ديل يو. كي"، المنظمة غير الربحيّة التي تعمل على تعزيز الدعم لـ"الصفقة الجديدة الخضراء" في المملكة المتحدة، أن غالبية الشعب البريطانيّ ونصف ناخبي حزب "المحافظين" يدعمون خطة جذريّة ترمي إلى إحداث تحوّل في اقتصاد البلاد ومعالجة أزمة المناخ. وبالنسبة إلى حكومة المملكة المتحدة، يأتي هذا في وقت ما زال كثير من المجتمعات المحليّة، التي يُتوقّع أن تتضرّر بفعل أزمة تغيّر المناخ، تعاني تحت وطأة عقد من التقشف واقتصاد لا يجديها نفعاً. وصحيح أنّ بريطانيا واحدة من أغنى دول العالم، غير أنّ 14 مليوناً من مواطنيها يرزحون تحت وطأة الفقر.

ووسط ذلك كله، لا يجب أن يأتي العمل البيئيّ على حساب ازدهار الإنسان، إذ يمكننا أن نعيش في عالم حيث لا يتناقض توفير الأمن الاقتصاديّ مع حماية البيئة الطبيعيّة. ويتمثّل الحل في برنامج على شاكلة "الصفقة الجديدة الخضراء"، وهي خطة عمل وطنيّة عشريّة طموحة تعمل على إحداث تحوّل في اقتصادنا وتأمين مناخ صالح للعيش، يتزامن مع سعي إلى بناء مجتمع عادل.

ومع التزام عدد من المرشحين بـ"الصفقة الخضراء الجديدة" في الانتخابات التمهيديّة للحزب الديمقراطيّ في الولايات المتحدة الأميركيّة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الحملات المنتشرة في شتى أنحاء العالم، ربما تعني مثل هذه الخطة أنّ في مقدورنا تعزيز حقوق الإنسان الأساسيّة على غرار خدمات الطاقة والسكن والمواصلات، وفي الوقت نفسه إيجاد وظائف ذات رواتب جيدة، وخفض قيمة الفواتير ومنح الناس قدراً أكبر من التحكّم بأمور حياتهم.

ويقتضي ذلك إطلاق خطة لبناء المنازل وتعديلها بطريقة تجعلها أكثر استدامة وكفاءة في استخدام الطاقة. هكذا، ستنخفض قيمة فواتيرنا ولن يضطر أيّ شخص إلى العيش في ظروف باردة وقذرة ورطبة. وعلى المنوال نفسه، ربما نشهد إطلاقاً واسع النطاق لمواصلات عامة أرخص وأسرع ومعدّلة بهدف توفير وسيلة آمنة ونظيفة وسهلة للتنقّل لا تكبد كوكب الأرض الخسائر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذ تظهر التجارب السابقة أنّ علينا ألا نستريح ونترك للسياسيين أمر تحقيق التحوّل الذي نحتاج إليه، لا يُخفى على أحد أنّ الضغط الذي يمارسه الشعب والحركات الاجتماعيّة لطالما كان دورهم أساسيّاً في تغيير مجتمعنا نحو الأفضل، بدءاً بالكفاح من أجل حقوق النساء والأشخاص الملوَّنين ومجتمع الميم والمتسائلين عن نوعهم الجنسي وصولاً إلى سقوط الأنظمة القمعيّة في شتى أنحاء العالم... ومن المطالبة برفع الحد الأدنى للأجور والحق في عطلة نهاية الأسبوع، امتداداً إلى اتخاذ إجراءات أساسيّة من أجل حماية البيئة.

ويعود إلينا أن نبني تلك الحركة التي يمكنها أن تستوعب حقيقة كوكبنا المتغيِّر، ثم تحويل موازين القوى في اتجاه فرض إجراءات سياسيّة على المستويات كافة في معالجة تغيّر المناخ.

(هانا مارتن المديرة التنفيذيّة في "غرين نيو ديل يو. كي" @ GreenNewDealUK)

© The Independent

المزيد من آراء