Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا تنشغلوا بافتقارنا إلى الكفاءة في السياسة الخارجية وفي مواجهة بريكست فالتهديد الحقيقي لبريطانيا هو شاميما بيغوم ورضيعها

تجريد بيغوم من حقها في حمل جواز سفر بريطاني ليس إلا آخر خطوة في سلسلة الخطوات الغريبة التي يتخذها وزراء للإيحاء أن الحكومة تمسك بزمام الأمور في داخل البلاد وخارجها، مع أن غرابة تصرفاتها لا تعكس إلا حكومة مضطربة وهائمة على وجهها

تجريد بيغوم من حقها في الحصول على جواز سفر بريطاني ليس إلا آخر الإجراءات الغريبة (بي.بي.سي)

جليّ أن قرار وزير الداخلية البريطاني، ساجد جاويد، تجريد الأم والعضوة السابقة في تنظيم داعش شاميما بيغوم من جنسيتها البريطانية، جاء بدافع رغبته في أن يُنظر إليه، وهذا شأن رئيسة الوزراء تيريزا ماي، على أنه (سياسي) حازم ومبادر، وسط حالة الفوضى وعدم اليقين المرافقة لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بريكسيت.  وعلى الأرجح أن هذا القرار غير قانوني، لأن بيغوم لا تحمل جواز سفر بنغالياً. لكن ريثما تأخذ القضية مجراها في المحاكم، تستنفد خطوة وزير الداخلية الغاية منها.

الضجة الدائرة بشأن قضية بيغوم أُثيرت إلى حد ما بسبب حاجة وسائل الإعلام البريطانية الماسة إلى الحديث عن مواضيع أخرى غير الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. إلا أن تجريد بيغوم من حقها في الحصول على جواز سفر بريطاني ليس إلا آخر الاجراءات الغريبة في سلسلة اجراءات بعض الوزراء بقصد إعطاء انطباع بأن الحكومة تمسك بزمام الأمور في داخل البلاد وخارجها، مع أن غرابة تصرفاتها لا تعكس إلا حكومة مضطربة وهائمة على وجهها.

يبدو إرسال حاملة الطائرات العملاقة إتش إم إس كوين إليزابيث إلى منطقة مياه متنازَع عليها قبالة شواطئ الصين، وكأنه يحاكي عبارة "بريطانيا سيدة الأمواج"، وهي أغنية حماسية معروفة في بريطانيا. يقول وزير الدفاع غافين ويليامسون عن هذه الخطوة إنها استعراض لقوة بريطانيا "الفتاكة". باستثناء أننا لم نعد نسيطر على الطرق البحرية في معظم الأماكن وفي بحر جنوب الصين على وجه التحديد. والتظاهر بخلاف ذلك هو أمر لا تُحمد عقباه في المستقبل.

بل ثمة سوابق مشؤومة لربما غفل ويليامسون عنها في هذه الخطوة غير الحصيفة استراتيجياً. فرئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرتشل أرسل الفرقاطتين برينس أوف ويلز وريبلس إلى الشرق الأقصى "تهديداً خفياً" لردع الاعتداءات اليابانية. لكن سرعان ما أغرق الطيران الحربي الياباني السفينتين. لذا يجب أن يكون مصير سفن تشرتشل عبرة لكل سلطة تتبجح بقدراتها من دون التفكير في العواقب إذا ما وُضعت قوتها المزعومة على المحك.

كان من المستبعد أن يرد الصينيون عسكرياً على تهديدات مُبهمة، لكنهم ألغوا بالفعل محادثات تجارية مع وزير المالية فيليب هاموند. وكان التوقيت غريباً وغير ملائم للقيام باستفزاز دولة تتمتع بثاني أقوى اقتصاد عالمي، قبل أسابيع من بدء بريطانيا بالبحث عن أسواق جديدة عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي.

وبعد أيام، نالت اليابان نصيبها من صلابة بريطانيا التي في غير محلها، عندما وجّه وزير الخارجية جيريمي هانت ووزير التجارة ليام فوكس في طوكيو خطاباً يذكّر اليابانيين بأن "الوقت من ذهب" عندما يتعلق الأمر باتفاقيةٍ تجارية آنغلو- يابانية جديدة تقتضي مرونة الجانبين. وتردد أن اليابانيين كانوا على وشك إنهاء المحادثات التجارية التي يدركون بوضوح أن موقعهم فيها أقوى عما كانت حالهم حين كانت بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

سيخمد الغضب من بريطانيا في بكين وطوكيو إن لم يكن هناك مزيد من الاستفزازات، ولكن ما حدث أرسى سابقة غريبة. فبريطانيا باتت بالفعل أضعف بسبب البريكسيت، وعليها أن تتعلم التحدث بلغة ديبلوماسية تعكس وضعها الجديد كقوة أضعف.

المشكلة في التعامل مع الصين واليابان شبيهة بتلك التي تواجهها المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، خطة دعاة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهم يتصرفون كما لو كانوا يمتلكون واحدة، تفترض أن الاتحاد يحتاج الى بريطانيا أكثر من حاجتها إليه، على الرغم من أن كل قد ما حدث منذ عام 2016 يظهر خلاف ذلك.

لا يخفى أن الغاية الوحيدة من التعامل مع بقية العالم بأسلوب التلويحات العدوانية والمجوفة، على الرغم من آثاره السلبية، هي شُغْل الجمهور المحليّ. على رأي المثل الأميركي السياسي الساخر "عند الوصول إلى الحدود، تنتهي السياسة" والذي يعني أن السياسة الخارجية في الواقع تدور دائماً على السياسة الداخلية.

لكن حتى هذا الأمر لا يفسر تماماً الحماقة الواضحة في محاولات الحكومة عرض قوتها في كل حدب وصوب. وخير مثال على ذلك هو إبرام عقد قيمته 14 مليون جنيه استرليني مع شركة سيبورن فريت لتوفير سفن تشحن البضائع بين ميناءي رامزغيت البريطاني وأوستيند البلجيكي إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، بغض النظر عن حقيقة أن الشركة لم تكن لديها سفن ولا خبرة في تشغيلها.

وأُلغي العقد بعد أن انسحبت شركة إرلندية مساندة له. ومع ذلك، يُعتبر استئجار أطياف عبارات أمراً استثنائياً، حتى بالنسبة إلى السِجل المروّع لوزير النقل كريس غرايلينغ.

يقع المستوى الاستثنائي من عدم الكفاءة في سدة الهرم الحكومي، وقعَ المفاجأة على المرء، على الرغم من ان كل حكومة في تاريخ بريطانيا اتهمها معارضوها بالغباء الذي لا مثيل له. ولطالما كانت السخرية من مثل هذه الإخفاقات مادة للثرثرة في الحانات، كان العقلاء حين سماعها يديرون لها أذناً بها صمم من طين. لكن يبدو أن حكومة تيريزا ماي تتفوق على جميع أسلافها في مدى اتساع الفجوة بين ما يقال وما يُنفّذ. وقد يعود ذلك إلى الهوة بين ما كان من المفترض أن يحققه البريكسيت وما سيكون عليه الأمر في الواقع، وهي فجوة لا يمكن سدها إلا بالتمني أوالأكاذيب المحضة.

لا بد أن شخصية تيريزا ماي تلعب دوراً كبيراً في هذا. وقد لاحظت عدم الترابط بين أقوالها وأفعالها للمرة الأولى، حين كانت تلقي خطباً متعاطفة وذكية بشأن الأمراض العقلية، عندما كانت وزيرة للداخلية. وواصلت القيام بذلك بعد انتقالها إلى داونينغ ستريت، إلا أن أعداد الأسرّة المخصصة في المستشفيات لمن يعانون من الذُهان المستفحل استمرت في التناقص، ونُقل المرضى بشكل متزايد إلى مستشفيات بعيدة مئات الأميال عن عوائلهم التي كانت مصدر دعمهم الرئيس.  

وتشير الأرقام المتوفرة إلى وقوع 5800 حالة انتحار في المملكة المتحدة السنة الماضية ، وهذا ما يجعل الانتحار السبب الرئيس لوفاة الشباب بين الـ18 سنة والـ34. ولكن ما هو جواب رئيسة الوزراء تيريزا ماي عن هذه الأرقام المروّعة؟ بشكل غير مفاجئ، بالنسبة إلى أولئك الذين ألِفوا أسلوبها، اتخذت خطوة عديمة الفائدة بتعيين وزيرة لمكافحة الانتحار.

فسّر بعضهم الأزمة الراهنة على أنها فشل للطبقة السياسية البريطانية برمتها. إلا أنني أتحفظ عن هذه الحجة لأنها تلقي بلائمة هذه السياسات الكارثية على نطاق واسع جداً، وهذا يلائم ويريح المجموعة الأصغر بكثير التي تتحمل بالفعل المسؤولية. وأتذكر مقدار الإشادة التي حصل عليها رئيس الوزراء الياباني عام 2012 عندما أعلن الأسف، وقال إن المؤسسات اليابانية كلها كانت مسؤولة عن كارثة فوكوشيما، وفشل جمهوره حينذاك في إدراك أن هذا التصرف أخرج الأفراد المسؤولين من مأزق المساءلة واقتصر على الذنب العام.

ليس السياسيين المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لبّ المشكلة على قدر ما هو بيع الصحافة صورة خيالية عن بريطانيا لنصف البريطانيين المقتنعين بأن بلاده أهم بكثير مما هي عليه. وأثناء تجوّلي في أنحاء بريطانيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، دُهشت لاقتناع الناخبين المؤيدين للخروج بأن الألمان سيريدون دائمًا بيع سياراتهم هنا، وأن الفرنسيين سيريدون بيع الجبن لهم مهما حدث. لا يريد الناس سماع أن توازن القوى ليس لصالحهم أبداً.

ولحسن حظّنا، تبيّن أن التهديد الحقيقي الذي تواجهه بريطانيا مصدره شاميما بيغوم وطفلها الرضيع، وأن الحكومة تعرف، في الأقل، كيفية معالجة هذا الأمر.

© The Independent

المزيد من آراء