Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خريف الربيع العربي... سنة تاسعة ثورة!

للمرة الأولى في المنطقة تخرج الناس من دون قيادة ولا أيديولوجيا ودولها تعاني الأمرين

تونسيون يلوحون بأعلامهم الوطنية احتفالا بالذكرى السنوية للانتفاضة التي أطلقت الربيع العربي (أ.ف.ب)

1-
جاءت سفينة بخارية زائرة طرابلس الغرب مطلع القرن التاسع عشر، أصاب الهلعُ السكّانَ، مَنْ تصوّروا أن الشياطين تُدير السفينة، ما صارت باخرة، تنفث الأبخرة في عنان السماء، حينها تقريباً اندلعت حربٌ أهلية بين أفراد الأسرة القرمانلية الحاكمة في طرابلس الغرب، وانقسم سكّان إيالة طرابلس الغرب، كلّ انحاز إلى طرفٍ في هذه الحرب.

في هذه اللحظة الاستثنائية، كتب عبد الله الطرابلسي رسالة في السفينة البخارية، بيَّن فيها أن السفينة أصبحت تسير بفعل الماء المُتبخّر، وعلل ذلك عقلياً، تلكم الرسالة أشار إليها في هامش عبد الله العروي في كتابه الأول.

الرسالة العقلية التعللية العلمية تلكم، واكبتها رسائل أخرى من رفاعة الطهطاوي في مصر، وخير الدين التونسي في تونس، وهذه الرسائل مرّ عليها ما يُقارب القرنين، لكن الأهم، ما نتج عن الحرب الأهلية في إيالة طرابلس الغرب، عودة ميمونة! إلى حكم الإمبراطورية العثمانية، وبرضا الإمبرياليتين العُظميين: بريطانيا المملكة العظمى، وفرنسا دولة الثورة التي احتلت تونس 1881 في أثناء فترة الإصلاح، ما أسهم في نشأته أطروحات وعمل خير الدين التونسي، من تبوأ حينها منصباً رفيعاً في إيالة تونس، وفي مصر رفاعة الطهطاوي قامت ثورة يقودها العسكري أحمد عرابي، اُنهيت باحتلال المملكة العظمى لمصر 1882.

تكللت ثورات القرن التاسع عشر في العالم وشمال أفريقيا بالتدخل الإمبريالي، فالاستعمار وقمعه حركات الإصلاح والتحرير لبلدان المنطقة، ومنذها بدأ مفكرون عقلانيون في بحث مسألة تخلّف بلدانهم ودواعي استعمارها، وإدارة شؤونها من دول أخرى، في عصر الأنوار، ونشأت الدولة القومية.

وفي هذه المسألة، سال حبرٌ، وخضبت أوراقٌ، تغرق البحر المتوسط، لكن الحال لم تتغير، حتى الحرب الأوروبية الكبرى الثانية، إذ نتج أن حركات التحرر في هذه البلدان المستعمرة حصلت على الاستقلال، فإنشاء دولها القومية، وسادت السيادة الوطنية، وما في عرف ذلك، لكن هذا الاستقلال وهذه النشأة لم يحققا المراد، فلقد استبدل الحكام الأجانب في هذه البلدان بحكام محليين ليس إلاّ، لكن التحرر لم يحصل.

أو هكذا جاء تأويل المفكرين والمتفكرين، المحليين وغير المحليين، للعطب المصاب به البلدان المتحررة، ومنهم من رأى أن الاستعمار خرج من الباب ليدخل من النافذة، وخصّ منظرو ما بعد الاستعمار هذه المسألة بكثيرٍ من الاهتمام، أو كما لخص المسألة المفكر إدوارد سعيد: "قد يكون الغربيون غادروا مستعمراتهم القديمة في أفريقيا وآسيا فيزيائياً، غير أنهم احتفظوا بها، لا كأسواق فقط، بل أيضاً كمواقع على الخريطة العقائدية، التي استمروا يمارسون حكمها أخلاقياً وفكرياً".

2-
التاريخ لا يعيد نفسه، حتى في الروايات والأفلام، حيث النهر لا يتكرر مرتين، لكن المهمة التاريخية التي لا تنجز تبقى على طاولة التاريخ، وتتراكم النتائج السلبية لعدم الإنجاز، ولهذا عاشت البلدان المستقلة ما بعد الاستعمار في قلاقل وعدم استقرار، ولم تستطع الخروج من أزماتها التي تراكمت، حتى إن الثروة المزادة بفعل النفط مثلاً أثقلت وأوهنت السلطة في هذه البلدان، التي منها ما زادت فقراً مثل الجزائر وليبيا.

عليه، صار السلاح وسيلة للحفاظ على السلطة محلياً، وللحفاظ على حدودها غير المحددة، من عدو مفترض وحقيقي في الوقت نفسه، لقد أدخلت البلدان المستقلة في حيص بيص ما بعد الاستعمار!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعليه، لم تستطع الدولة الوطنية تحقيق السيادة الوطنية، فترتب على ذلك أنها باتت رهينة عدم التحقق هذا، بل إن الشعوب من أثر ذلك عاشت في ضنك، بينما كانت نخبها تسكب الأحبار في تحليل معاد ومكرور لتأويل مسألة العطب، وعاشت في شبكة ثنائية: الأصالة والمعاصرة، الخارج والداخل... وهلم.

لهذا، جاء الربيع العربي حصاداً لزرع بائر، ما زُرِع في مطلع القرن التاسع عشر، حُصِد في مطلع الألفية الثالثة، جدل: تخلف القرن التاسع عشر من نتائج الإمبراطورية العثمانية الميتة، ناتجه الاستعمار الغربي، مرفوعه تحرر غير متحقق.

للمرة الأولى في تاريخ المنطقة، وخلال العقد الأول من الألفية الثالثة، تخرج الناس كافة، من دون قيادة ولا أيديولوجيا، ودولها وأنظمتها تعاني الأمرين: الإفلاس والفساد، فغياب الأفق حيث كل السبل مسدودة، بعد فشل ذريع لمشروع قومي فوقي، ومشروع ديني ماضوي، مبتغاه السلطة فحسب، ومشروع يساري نجح في الكتب، وفي التحوّل الفني الإبداعي النخبوي.

بغض النظر عن النتيجة الآنية، التي تبدو كما خريف مبكّر لربيع عربي تمثّل فشله في نجاح مسكوت عنه، حيث وضع بلدان المنطقة عند المسألة الأساس والأولى: تكون أو لا تكون، وليس ثمة جبل يأوي أحداً من الطوفان المرئي وغيره، فالواقع أن الناجح من يرفع يده كتونس، وغريق في الطوفان نفسه، ما أصاب قلب الكون/ الشرق الأوسط، من دون توفر لسفينة نوح، في زمن فيه السفائن الغازية تمخر الفضاء، كي تستعمر الكواكب الأخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء