قبل كل شيء، لنبدأ بشيء من التحدي. هل تعتقد أن الإدمان (سوء استعمال المواد/العقاقير Substance/Drug Abuse) هو ظاهرة تتعلّق بصفات المادة التي يمكن أن "يعلق" الإنسان في شباكها؟ ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟ في كافة التصنيفات الطبيّة المتصلة بالإدمان، يظهر القمار بشكل مستمر على تلك اللوائح! ما الذي "يتناوله" المرء في القمار؟ الأرجح أنك توافق على أن أحداً لا يتخيّل مقامراً "يأكل" أو "يدخن" أوراق اللعب، أقله ليس ذلك ما يجعل القمار إدماناً قاسيّاً! المقصود؟ ثمة جزء أساسي في الإدمان يتعلّق بتكوين العادة الإدمانيّة، بل أنها أحياناً تكون أكثر أساسيّة من المادة التي يجري تعاطيها.
لِنَسِرْ خطوة اخرى، لنتفحص إدماناً اخر: تدخين التبغ. ثمة إجماع في الطب النفسي على أن النيكوتين مادة ضعيفة في القوّة الإدمانيّة، وكذلك فإنها تخرج من الجسم في أربعة أيام أو أسبوع على أبعد تقدير. إذاً، لماذا يعود شخص ما إلى تناول السجائر، بعد تركها شهوراً أو حتى سنة أو أكثر؟
وعلى رغم حملات توعية مستمرة وقويّة منذ عشرات السنوات، لا زال إدمان تدخين التبغ مستمراً، خصوصاً في العالم الثالث الذي يشمل البلدان العربيّة. تذكير: تدخين النارجيلة هو تدخين للتبغ. أليس واضحاً أنه ينتشر بصورة متفاقمة في البلدان العربيّة؟
إذا جُمِعْ الأمران السابقان سويّة (تكوين العادة وقوة التعلّق بتدخين التبغ)، يظهر أحد ملامح المخاطر المرتبطة بالماريجوانا. إذ غالباً ما يجري تناولها مع التبغ، وكذلك فإنها أداة قويّة في تكوين العادة الإدمانيّة وتثبيت التعلّق بالتناول والتعاطي. النتيجة؟ هناك خطر هائل في أن يكون تدخين الماريجوانا خطوة نحو الإنزلاق إلى هاوية الإدمان على مواد الكيف الاخرى، كالكوكايين والهيروين وحبوب الـ"إكستازي" وغيرها، وهو أمر ملموس بوضوح لدى من يتعاطون الماريجوانا.
تحتل حوادث السيّارات صدارة قائمة مخاطر الحشيشة التي يجب تذكّر أنها تُحدِثْ أيضاً تأثيراً يشبه السُكْر أو الخدر في الدماغ.
في سياق متّصل، ربما كان مفيداً تذكّر أنّ فرنسا انضمّت أخيراً إلى قائمة الدول المهتمة بالتأثيرات الصحيّة الإيحابيّة لزيت الحشيشة، واستخداماته في علاجات معينة، بل شكّلت "قوة عمل" لدراسة ذلك الأمر والحسم بشأن تشريعات الماريجوانا في فرنسا.
إذاً، ما هي المعطيات الإساسيّة الاخرى بشأن الماريجوانا:
01- الحوادث. تحتل حوادث السيّارات صدارة قائمة مخاطر الحشيشة التي يجب تذكّر أنها تُحدِثْ أيضاً تأثيراً يشبه السُكْر أو الخدر في الدماغ. ويشير مختصون في المواد المؤثّرة على الكَيْف، إلى أنّها تُحدِثْ نوعاً من البُطء في استجابات الدماغ والجهاز العصبي، وهي من الأمور المطلوبة في القيادة السليمة. إذا فاجأك شخص بعبور الطريق بطريقة غير متوقّعة، يجب أن يعمل جهازك العصبي بسرعة كي تتمكن من الضغط فوراً على الفرامل وزيادة التحكّم بالمقود كي تتفاداه. مع التباطؤ الذي تحدثه الماريجوانا في الدماغ والأعصاب، تنخفض قدرتك على تفادي ذلك الحادث! واستطراداً، على عكس ما يعتقد كثيرون، يؤدي المزج بين الحشيشة والكحول إلى زيادة إمكان التورط في الحوادث.
02- التورّط في التعاطي والوصول إلى التعوّد. في بحوث عدّة، لوحظ وجود تفاوت بين مراهق وآخر في تعاطي الحشيشة. وفي كتاب موسّع عن تعاطي الماريجوانا في أوساط اليافعين والشبيبة الغربيّة عنوانه "المراهقة" الذي صدر في 2018 في فرنسا، تظهر تفاصيل صورة التفاوت في تعاطي الحشيشة. إذ يشير الكتاب إلى أنّ معظم المراهقين يدخنون الماريجوانا على سبيل التجربة والحشريّة والتقليد والرغبة في الاندماج مع الشلّة وغيرها، ويستمر جزء كبير منهم لبضعة شهور، قبل أن يتركها. في المقابل، تستمر شريحة منهم في التناول شبه المنتظم ثم المنتظم، في حالات أقل. في تلك الحال، تتضافر التأثيرات المبهجة للماريجوانا مع نوع من الابتعاد عن الواقع، إضافة إلى قلّة التركيز وصعوبة التعلّم وزيادة في الإهمال وقلّة الاهتمام. وتصل قلّة من المراهقين والشباب إلى التعاطي اليومي، بل مع زيادة الكمية، لأنها تسعى إلى الابتعاد نفسياً وفكرياً عن واقع تعيشه لكنه يؤلمها. في تلك الحال، يجب البحث عن العنصر الاجتماعي أولاً.
03- متى يظهر التعوّد/ الإدمان؟ عند أولئك الذين يصلون إلى التعاطي اليومي المنتظم، يصبح الدماغ متعوّداً على التأثير الذي تحدثه الحشيشة فيه. وفي حال التوقف أو الانخفاض المفاجئ في الكميّة، يحدث اضطراب في الدماغ والجهاز العصبي، مع زيادة في التوتر والقلق وسرعة الانخراط في نوبات غضب، وصعوبة في النوم وغيرها. وأحياناً، تحدث كآبة مرضيّة تستمر طويلاً.
04- أمراض نفسيّة؟ الموضوع خلافي. بكل واقعيّة، تجدر الإشارة إلى عدم اتفاق المختصين على أن الماريجوانا بحد ذاتها تسبب أمراضاً نفسيّة، خصوصاً أنّ الحشيشة لا تُحدِث تعوّداً جسدياً مباشراً كذلك الذي يحدث مع التبغ والكحول والكوكايين وغيرها. وفي ذلك السياق، يتحدّث كتاب "المراهقة" عن غياب الأدلة عن السببيّة المباشرة في علاقة الماريجوانا مع الأمراض النفسيّة، لكنه يلاحظ أن التعوّد عليها يسرّع آليات الاضطراب العصبي- النفسي.
05- ماذا عن السرطانات؟ بديهي القول ان تدخين الماريجوانا مع التبغ (سجائر ونارجيلة وغيرهما)، يترافق مع زيادة في مخاطر سرطانات الفم واللسان والرئة والجهاز التنفسّي. ويرجع ذلك ببساطة إلى تجمع مخاطر التبغ وتدخينه، مع المواد المُسَرْطِنَة التي تنجم عن احتراق الماريجوانا.