Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرقة تعجّ بالمقابر الجماعية بعد هدوء غبار معركة طرد "داعش" منها

لا تتوفر إحصاءات رسمية لعدد الضحايا الذين سقطوا في معركة استعادة السيطرة على الرقة، لكن تقديرات غير رسمية تفيد بأن 15 ألف مدني، 70 في المئة منهم نساء وأطفال، قضوا خلال المعركة 

تكافح السلطات المحلية في مدينة الرقة، شمال سوريا مع فرق الإنقاذ لانتشال مزيدٍ من الجثث الموجودة في المقابر الجماعية لضحايا تنظيم "داعش"، بعد العثور في ريف الرقة، على مقبرة تضم نحو 3500 جثة من الفترة التي كان التنظيم يسيطر خلالها على المدينة. كما عُثر على مقبرة جماعية ضخمة تُعد الأكبر والأقدم من نوعها للذين قتلهم "داعش". كذلك انتشرت على جانب أرض الفخيخة الزراعية الواقعة على مشارف الرقة، مقابر لأكثر من 120 جثة نبشها فريق الاستجابة السريعة التابع لجهاز الدفاع المدني. 
 
الفخيخة أرض المقابر 
 
وكان "داعش" احتجز آلاف الأشخاص أثناء سيطرته على المنطقة، من يونيو (حزيران) 2014 حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2017. ولدى استعادة المدينة على يد قوات كردية مدعومة جواً من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، أطلقَ أقارب بعض المعتقلين لدى "داعش" بعدما باتوا في عداد المفقودين حملةً في أواخر العام 2017 تحت عنوان "أين مختطفو داعش؟". 
وأفاد ناشطون حقوقيون بأن أهالي هؤلاء المفقودين طالبوا قوى التحالف مساعدتهم في تحديد مصير أبنائهم، لكن السلطات المحلية تُقدّر أن آلافاً قُتلوا خلال معركة استعادة المدينة، وعدد منهم دُفن على عجل، أو بقيت جثثهم تحت الأنقاض. 
ويشي اكتشاف المقابر الجماعية بوجود مزيد منها على مشارف المدينة، بما فيها واحدة أُطلق عليها اسم "بانوراما"، انتُشلت منها أكثر من 900 جثة. ورأى خبراء أن موقع "الفخيخة" وحده سيساعد في تحديد هوية عدد أكبر يصل إلى الآلاف من الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً، ويكتنفهم الغموض، من بينهم أجانب أسرى كانوا لدى داعش. 
وأتى اكتشاف المقابر الجماعية في الفخيخة بعد بحث دؤوب من قبل رجال الإنقاذ الشهر الماضي، أي بعد أكثر من سنة على سيطرة القوات المدعومة من الولايات المتحدة على مدينة الرقة، ومع اقتراب هذه القوات من السيطرة على آخر بقعة لمسلحي التنظيم في الباغوز، في ريف دير الزور. 
 
صعوبات البحث والانتشال 
 
من جانبها، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، إلى دعم مجموعة محلية تعمل للكشف عن مقابر جماعية في شمال شرقي سوريا الذي كان خاضعاً لسيطرة "داعش"، وتقديم المساعدة التقنية لها لحفظ الأدلة على جرائم محتملة، والتعرف على الرفات مع وجود عدد غير معروف من المقابر الجماعية في مدينة الرقة والمناطق المحيطة بها. 
وتواجه فرق الإنقاذ تحدياً كبيراً، إذ تنقصها المعدات الفنية والتقنية، مع وجود آلاف الجثث التي لم تُستخرَج بعد. وذكرت مديرة قسم الطوارئ بالوكالة في "هيومن رايتس ووتش" برايانكا موتابارثي، أن "مدينة الرقة تضمّ 9 مقابر جماعية في الأقل، في كل منها عشرات الجثث إن لم تكن المئات، وهذا ما يجعل استخراج الجثث مهمة غير سهلة من دون المساعدة التقنية اللازمة". 


وتسعى السلطات المحلية التابعة لمجلس الرقة المدني التابع لمجلس سوريا الديمقراطي جاهدةً منذ أبريل (نيسان) 2017، إلى مواجهة التحديات اللوجستية المتمثلة بجمع المعلومات وتنظيمها بشأن الجثث التي عُثر عليها، وتوفيرها للعائلات التي تبحث عن أقارب مفقودين أو متوفين. 
وأنهى فريق يُطلق عليه اسم "الاستجابة الأولية" في الرقة أخيراً، الكشف عن مقبرة جماعية تحتوي على 553 جثةً، وأعاد دفنها في مقبرة محلية بعد تسجيل معلومات تحدد الهوية الخاصة بالجثث، وفق ما أبلغ قائد الفريق، منظمة "هيومن رايتس ووتش" خلال زيارة أجرتها إلى المكان في مايو (أيار) الماضي. 
 
الطب الشرعي ومستلزماته 
 
لا تتوفر إحصاءات رسمية لعدد الضحايا الذين سقطوا في معركة استعادة السيطرة على الرقة، لكن تقديرات غير رسمية تفيد بأن 15 ألف مدنيٍ،70 في المئة منهم نساء وأطفال، قضوا خلال المعركة. ويلعب الطب الشرعي دور العراب الأساسي لعملية البحث وتقصي الحقائق الهادفة إلى معرفة تفاصيل أكثر عن الجثث التي اكتنفها الغموض سنة أو أكثر. ويلفت طبيب شرعي سوري طلب عدم كشف اسمه إلى أن "ملف المقابر الجماعية، ملف شائك ويحتاج إلى كثير من الدعم على مستوى دولي ومن خلال منظمات إنسانية بخاصة أن اختصاص الطب الشرعي شبه نادر وعدد الأطباء في هذا التخصص قليل". 
وأضاف الطبيب الشرعي "لا يكتفي الطبيب بانتشال الجثث وفحصها وتحديد الإصابات التي لحقت بها والجنس ولون الشعر والطول واللباس والعمر التقريبي، بل يجب إشراك اختصاصات أخرى مثل التخصص في العلوم لتحديد التربة مثلاً وغيرها من الاختصاصات. واستخراج وتحليل بقايا الهياكل العظمية، عملية معقدة تتطلب خبرة في جمع المعلومات حول المفقودين، وقدرة على إجراء حفريات، ومهارات في التعرف على الجثث وتحديد سبب الوفاة مع مختبرات عالية الدقة لكشف مزيد من المعلومات التي تساعد التحقيقات". 
ويرى رئيس فريق "الاستجابة الأولية" ياسر الخميس أن الفريق يعتقد استناداً إلى ملاحظاته بشأن الإصابات والتقارير الواردة من أفراد العائلات الذين حددوا رفات أقاربهم في مقبرة جماعية اكتُشفت سابقاً في موقع "الرشيد"، أنه يحتوي على مزيج من ضحايا الغارات الجوية وعناصر "داعش"، وربما ضمّ أيضاً مرضى من مستشفى قريب. وذكر ياسر الخميس في تصريح سابق أن فريق "الاستجابة الأولية"، المسؤول عن انتشال الجثث، قال إن العمال حددوا نساءً وأطفالاً ورجالاً بين الجثث من بينها نحو 100 جثة استُخرجت أثناء زيارة وفد "هيومن رايتس ووتش". وحدد الفريق 5 أشخاص يبدو أنهم من مسلحي داعش استناداً إلى ملابسهم، بينما يُعتقد أن البقية مدنيون. 
وفيما تسيطر حالياً قوات سورية الديمقراطية (قسد) المؤلفة من فصائل كردية وعربية مدعومة من الولايات المتحدة على معقل "داعش" السابق في الرقة، يطوّر الفريق آلية عمله بناءً على استشارات هاتفية مع منظمات دولية، لكن نقص المعدات التقنية وقلة الخبرة في مجال الطب الشرعي، هما أبرز التحديات التي تحول دون إحراز تقدم في هذا المجال، كما أن عمليات استخراج الجثث تزداد تعقيداً بسبب وجود ألغام أرضية. 
 
دروع بشرية 
 
وشكلت هزيمة "داعش" في الرقة انتصاراً كبيراً في الحرب على التنظيم لكن "منظمة العفو الدولية" اتهمت التحالف بقيادة الولايات المتحدة بعدم الاعتراف بما حدث، وطالبت بالتحقيق في ما وصفته بأنه نطاق صادم من القتلى المدنيين والدمار في الرقة بعدما استخدم "داعش" المدنيين دروعاً بشرية. 
وقال المتحدث باسم التحالف في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 إن عدد المدنيين الذين تأكد حتى الآن مقتلهم عَرَضاً في تلك الحملة العسكرية هو 104 مدنيين لكنه لم يستبعد ارتفاع هذا العدد. في المقابل، يقول التحالف إنه استخدم في عملياته أسلوب قصف الأهداف بدقة لتقليص تأثيرها على المدنيين إلى أقصى حد. وتزامن ذلك مع تصريح مدير قسم البحث العالمي في "منظمة العفو الدولية" بأنه يُعتقد أن أغلب الجثث التي انتُشلت من الرقة، وعددها نحو 2500 عام 2018، تعود لمدنيين لقوا مصرعهم في ضربات جوية. 

المزيد من الشرق الأوسط