Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تركتمونا في منتصف الطريق": الأكراد السوريون يخشون مزيداً من الاضطرابات مع إعداد القوات الأميركية للانسحاب

ريتشارد هول: خططُ تركيا لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا تقلق الأكراد السوريين

عندما سمع أبو عمار الأخبار أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من سوريا، تبادرت أغنية حب قديمة إلى ذهنه. "أخذتني إلى منتصف الطريق، وتركتني هناك،" تقول الأغنية، بحسب بائع السيارات المستعملة الكردي البالغ من العمر 50 عاماً. "هذا ما يفعله الأميركيون بنا،" يقول أبو عمار.

تختلف كلمات الأغنية الأصلية قليلاً، لكن المعنى هو نفسه.

على مدى السنوات الأخيرة، واجهت الأقلية الكردية في سوريا تهديد داعش، وتمكنت من كسب مزيد من الحريات، وأنشأت إدارة مستقلة يحدوها الأمل بأن تستمر بعد انتهاء الحرب الأهلية في البلاد.
يعود الفضل في ذلك إلى حد كبير، إلى الحماية التي يوفرها لهم الجيش الأميركي، الذي تحالف مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، وأرسل ألفَي جندي إلى سوريا للمساعدة في القضاء على داعش.


لكن مع بلوغ التنظيم شفا الهزيمة، فإن هؤلاء الجنود الأميركيين في طريقهم للخروج. وقد أثار خبر انسحابهم، الذي أعلنه دونالد ترمب بشكل مفاجئ في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، احتمال انزلاق الأكراد مجدداً نحو مزيد من عدم الاستقرار.

يقول أبو عمار"عبر التاريخ، قمنا بتحالفات مع قوى كبرى، لكن عندما يغادرون، يتركوننا على الدوام في مأزق".

ويكفي القاء نظرة إلى الخريطة لمعرفة سبب قلق أبو عمار. في اتجاه الغرب، تتوق الحكومة السورية التي استعادت الجرأة لبسط سلطتها من جديد على المناطق الكردية بعد سنوات من الغياب. وإلى الجنوب، تخرج خلايا داعش النائمة من رماد الخلافة المهزومة. لكن الخطر الأكبر يكمن في الشمال، حيث تهدد تركيا بعبور الحدود وسحق الميليشيا الكردية التي تمسك بالسلطة هناك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


هدد رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان، على مدى أشهر بإنشاء "منطقة آمنة" داخل سوريا وإزالة قوات سوريا الديموقراطية من المناطق الحدودية. وتشمل الخطة التركية منطقةً تمتد إلى عمق 32 كيلومتراً (20 ميلاً) داخل سوريا. ومن شأن مثل هذه الخطة أن تبتلع المدن والبلدات الكردية الكبرى، بما في ذلك القامشلي، حيث يعيش أبو عمار.

يقول أبو عمار: " نحاول الآن ادخار أموالنا، تحسباً لاجتياح. إذا جاء الأتراك إلى هنا، فسيكون الوضع كما كان عندما سيطر داعش على هذه المناطق، سأترك كل شيء ورائي وأغادر".
وكما هو الحال في عدد كبير من المناطق الكردية في سوريا، ينظر أبو عمار إلى تركيا بارتياب عميق. وبسبب سياسات التمييز التركية سحابة عقود طويلة ضد سكانها الأكراد البالغ عددهم 15 مليوناً، ينظر كثير من الأكراد السوريين إلى تركيا على أنها عدو.

خلال السنوات الأربعين الماضية، خاضت تركيا حرباً ضد تمرد محلي بقيادة حزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم مسلح أُسس للقتال من أجل حكم ذاتي للشعب الكردي في تركيا، لكنه يقول الآن إنه يناضل من أجل حقوق أكبر. وصنّف الاتحادُ الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا حزبَ العمال الكردستاني منظمةً إرهابية.

لكن بينما تميز الولايات المتحدة بين حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تقول أنقرة إن مقاتلي قسد مرتبطون مباشرة بحزب العمال الكردستاني، وتالياً تعتبر تنامي قوة "قسد" تهديداً وجودياً.

وتجد الولايات المتحدة الآن نفسها بين هؤلاء الأعداء اللدودين. كانت قوات سوريا الديمقراطية حليفاً رئيساً لواشنطن في الحرب ضد داعش، لكن أميركا تعتبر تركيا شريكاً حيوياً في الناتو.

ومنذ إعلان الانسحاب، سارع الديبلوماسيون الأميركيون إلى منع اندلاع قتال قد يسمح لداعش بإعادة تجميع صفوفه. وبحسب نيكولاس هيراس، المحلل في مركز الأمن الأميركي الجديد، فإن خطط إنشاء منطقة آمنة "معلقة" ومصيرها مبهم.

ويضيف هيراس في تصريح الى موقع "اندبندنت": " الأميركيون ، وهذا يحسب لهم، يحاولون جاهدين التوصل إلى صفقة تستجيب مخاوف تركيا، وتحافظ أيضاً على "قسد" باعتبارها الأداة الأساسية التي من خلالها يمكن مواجهة عودة ظهور داعش".
"لكن الفريق الأميركي لا يستطيع الحصول على ضمانات من تركيا تقضي بوقف المساعي التركية الرامية إلى تفكيك قوات سوريا الديمقراطية"

هنا في القامشلي، ثمة شعور بالقلق من الخطط الأميركية، وتتكرر في الأحاديث الإشارة إلى عفرين، وهي منطقة ذات أغلبية كردية تقع غرب نهر الفرات ومعروفة ببساتين الزيتون الشاسعة، كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية إلى حين سقطت في يد تركيا في أوائل العام الماضي.

ومنذ ذلك الحين، اتهمت منظمة العفو الدولية الجماعات المتمردة السورية التي تسيطر الآن على المنطقة، تحت قيادة تركيا، بالوقوف وراء عمليات اختفاء قسري، ومصادرة الممتلكات والتعذيب.

"في عفرين، عانى الناس المذابح. هذا ما سيحدث هنا،" بحسب سردار خليل، وهو اختصاصي تقني يبلغ من العمر 60 عاماً. "الآن هناك سلام بالنسبة إلينا. لكن في عفرين لا يسمح لأحد بالتحرك".

تدرك قوات سوريا الديموقراطية أن حظوظها ضعيفة أمام الجيش التركي الحديث، لذلك كانت تبحث عن حل وسط، واقترحت أخيراً أن تقوم قوة دولية تابعة للأمم المتحدة، عوض تركيا، بإنشاء منطقة آمنة.

تختتم إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية للمجلس السوري الديمقراطي، الجناح السياسي لقوات سوريا الديموقراطية، جولة من المحادثات في العواصم الغربية هذا الأسبوع لحشد التأييد لهذه الفكرة.

وقالت أحمد خلال زيارتها لندن هذا الأسبوع بحسب صحيفة ذي غارديان: "أي محاولة من قبل الدولة التركية لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا ستكون احتلالاً، وبغض النظر عن أن الدولة التركية تريد إقناع الآخرين بأنها ستكون قوة تهدئة في المنطقة، وهذا لن يحصل."

إلا أن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار رفض الفكرة بشكل قاطع. وقال، بحسب وكالة أنباء الأناضول: "المنطقة الآمنة ليست لتركيا وحدها، ولكن أيضاً لضمان عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم بعدما اضطروا إلى مغادرة منازلهم. يجب أن تكون تركيا وحدها موجودة في المنطقة الآمنة".

وحتى لو أبرم اتفاق على المنطقة الآمنة، فإن قوات سوريا الديمقراطية تواجه عدواً قوياً آخر هو الحكومة السورية، وهذه حليفة روسيا. وأوضحت دمشق أنها تعتزم إعادة بسط سيطرتها على كامل البلد. وعليه، الإدارة الذاتية المستقلة التي أرستها قوات سوريا الديمقراطية خلال السنوات الأخيرة هي الآن في خطر.

إن بسط سيطرة الحكومة من جديد هنا يعني العودة إلى مرحلة كان يعامل فيها الأكراد مواطنين من الدرجة الثانية، وفقاً لأبو أمجاد، وهو بائع آخر من القامشلي.
يقول أبو أمجد (54 عاماً): "كل شيء كان يمر عبر نظام البعث، إذا أردت وظيفة، لا يسمحون للأكراد بالحصول على وظائف. إذا كنت ترغب في شراء عقارات لا يمكن أن تسجلها باسمك، بالإضافة إلى أن أجهزة الأمن كانت تزعج الناس طوال الوقت."

لعل التأثير الأكبر للإدارة الذاتية سيكون على الجيل الأصغر من الأكراد، الذي نشأ مع حقوق لم يتمتع بها آباؤه، مثل تلقي التعليم بلغته الأم في المدرسة في سابقة من نوعها.

يقول رحمن عزالدين بوزو (17 عاماً) وهو طالب في مدرسة ثانوية، إنه لم يُسمح له التحدث باللغة الكردية في الممرات من قبل. وأضاف: " كنت أتحدث باللغة الكردية وضربني المعلم بعصا. وهذا حصل مرتين أو ثلاثاً. درسنا سبع أو ثماني سنوات باللغة العربية، لذلك كان من الصعب إجراء التغيير. لكن أن تدرس بلغتك الأم فهو أمر جميل".

كما أن عودة سيطرة الحكومة قد تعني معاقبة عشرات الآلاف من الأكراد الذين تجنبوا التجنيد في الجيش السوري. ويعيش كثيرون الآن بشكل أساسي هاربين، غير قادرين على السفر خارج مناطق السيطرة الكردية خوفاً من الاعتقال.

من دون حماية الولايات المتحدة، يخشى أبو عمار من الأسوأ. "إذا جاء الأتراك إلى هنا، فسيتم تدمير المجتمع الكردي بأكمله. وإذا جاء النظام فسوف يأخذ الآلاف من الشباب للتجنيد". هذا ما كان يعنيه بأنهم يُتركون في "منتصف الطريق".

* تم تغيير بعض الأسماء في هذا التقرير لحماية هويات الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات، والذين يخشون من اعتقالهم في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

© The Independent

المزيد من سياسة