قدَّر عدد من خبراء الاقتصاد أنّ أزمة فيروس "كورونا" ستكلِّف الاقتصاد العالميّ ما يزيد على 217 مليار جنيه إسترليني، في الربع الأول من العام الحالي 2020.
توقعت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" البحثيّة البريطانيّة المعنية بالاستشارات الماليّة، أنّ الناتج المحليّ الإجماليّ العالميّ سيتوقَّف عن النمو للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن، حتى في حال تمّت السيطرة على الوباء في وقت قريب.
جاء هذا التحذير بعد ساعات من إلغاء علامة "بربري" التجاريّة الفاخرة في مجال الأزياء توقّعاتها بشأن أرباحها للعام الجاري، فيما يهدِّد تفشي "كورونا" باضطرابات ماليّة تطاول مؤسسات تجارية عالميّة.
وكانت شركات سيارات أوروبيّة ومنتجات تجميل عالميّة، منها "لوريال"، بين شركات أخرى دقّت ناقوس الخطر يوم الجمعة الماضي حيال الأثر الاقتصادي للوباء، إذ إنّ تدابير تفرضها السلطات الصينيّة من إغلاق للمصانع وقيود على السفر وحجر صحيّ واسع، تُلحق كلها بهذه الشركات خسائر فادحة.
وخفّض المحلِّلون الاقتصاديِّون توقّعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجماليّ في الصين، حيث أصيب ما يزيد على 31 ألف شخص بالفيروس وتوفي 637 شخصاً.
وفي تطوِّر متصل، أقفلت مصانع ومتاجر ومطاعم كثيرة في شتى أنحاء البلاد أبوابها، فيما تُغلق السلطات الصينية مدناً عدة في محاولة للحدّ من انتشار المرض. كذلك أدّت القيود المفروضة على خدمات النقل إلى تعطيل سلاسل التوريد حول العالم.
في هذا السياق، قال سايمون مكأدام، الذي يعمل خبيراً اقتصاديّاً عالميّاً في "كابيتال إيكونوميكس"، إنّه "حتى الآن، يبدو أنّ الاضطراب الاقتصادي المرتبط بفيروس "كورونا" سيُكّلف الاقتصاد العالميّ في أفضل الأحوال أكثر من 280 مليار دولار في الربع الأول من العام الحاليّ. وفي حال أصبنا في توقعاتنا، سيعني ذلك أنّ الناتج المحليّ الإجماليّ العالميّ لن يكون قادراً على تحقيق أي نمو من ربع السنة إلى الذي يليه، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2009".
وأضاف، أنّ من المتوقّع أن يعود الناتج المحليّ الإجماليّ بحلول منتصف العام المقبل إلى مستويات ما قبل تفشي المرض، ولكن بشرط احتواء انتشار الفيروس قريباً والتمكّن من استعادة ما تكبّده الناتج من خسائر، في الفترات الربع سنويّة اللاحقة.
وقال ماكأدام، "إن الصورة الكاملة للوضع الحالي تعني أنه لو افترضنا أنّ الاضطراب الاقتصاديّ توقّف قريباً، من المحتمل أنّ يكون كورونا في نهاية المطاف قد أخّر الانتعاش الاقتصادي العالميّ لعام 2020، ولم يوقفه تماماً".
وذكرت "بربري" يوم الجمعة الفائت أنّ مبيعاتها في البر الصينيّ انخفضت من 70 إلى 80% في الأسبوعين الماضيين وسط تراجع في عدد المتسوِّقين وفي ساعات العمل. وأدى ذلك إلى، إغلاق دار الأزياء البريطانية الفاخرة 24 من أصل 64 متجراً في البلاد بسبب وباء "كورونا".
يُشار في هذا المجال إلى أنّ الصين وهونغ كونغ تُعتبران من أهم الأسواق العالميّة لهذه العلامة التجاريّة، إذ قدَّر المحلِّلون الاقتصاديِّون الشهر الماضي أنّ حجم المبيعات في الصين سيشكِّل 46% من عمليّاتها التجاريّة للعام الحالي.
غير أنّ أسهم "بربري" تراجعت حوالي 5% في تداولات الساعات الأولى من النهار يوم الجمعة الماضي، بعدما صرّحت جولي براون، وهي كبيرة المسؤولين الماليين فيها، بأنّ حالة عدم اليقين بشأن فيروس "كورونا" كانت تعني أنّ الشركة لم تعد قادرة على الوفاء بتوقّعاتها السابقة للسنة المالية التي تنتهي في مارس (أذار) المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، ذكر لوكا سولكا، المحلِّل في شركة "سانفورد سي. بيرنشتاين" العالميّة لإدارة الأصول، إنّ من المرجح أن يكون تحذير "بربري" هو "الأول في سلسلة من الإعلانات المشابهة المؤلمة".
على المنوال نفسه، خفّضت "إيستي لودير"، العلامة التجارية الأميركيّة لمستحضرات التجميل، هذا الأسبوع توقّعاتها بشأن أرباحها لعام 2020 نتيجة لوباء "كورونا"، في حين تتكهن "لوريال" بحدوث أزمة قصيرة الأجل في أعمالها التجاريّة في آسيا، التي تُعتبر القوة الدافعة الرئيسة لمبيعاتها.
كذلك أغلقت شركة "يونيكلو" اليابانية الشهيرة لبيع الملابس بالتجزئة أيضاً 350 فرعاً من متاجرها الـ 750 في الصين التزاماً بتدابير وقف وسائط النقل العام وإغلاق مراكز التسوّق، علماً أنّ الصين تشتري حوالي الخمس من إجمالي المبيعات العالمية لهذه العلامة التجاريّة.
إلى ذلك، حذّر مجلس الاحتياطيّ الفيدراليّ في الولايات المتحدة الأميركيّة، في تقرير رفعه إلى الكونغرس يوم الجمعة الماضي، من أنّ الفيروس "يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في الصين، ستمتدّ بدورها إلى بقية الاقتصاد العالميّ".
وعلى صعيد قطاع السيارات، من المتوقّع أن يواجه إنتاج المركبات في أوروبا انتكاسات عدة، ذلك أنّ عمليات الإغلاق القسريّة التي تسبَّب بها "كورونا" في الصين تؤثر في إمداد المصانع الكبرى بالقطع اللازمة لاستمرار العمل.
على سبيل المثال، أعلنت شركة "فيات كرايسلر" للسيارات أنّها "حدَّدت مخاطر يُحتمل أن تواجهها في فترة تتراوح من اثنين إلى أربعة أسابيع في منشأة تصنيع في أوروبا"، وكانت هناك مخاوف من أنّ ذلك قد يضرّ بالشركات المصنِّعة الأخرى في جميع أنحاء القارة وفي المملكة المتحدة.
في سياق متصل، حذر ديفيد ليغيت، وهو محرر لشؤون السيارات في شركة "غلوبال داتا" الرائدة في البيانات والتحليلات، من أنّ الأسابيع القليلة المقبلة تُعتبر "حاسمة" بالنسبة إلى مصنِّعي السيارات لأنّ "السيارة النموذجيّة تتكوَّن من 20 ألف قطعة، وثمة سلسلة توريد ممتدّة من قطع غيار وتجميعات فرعية يضمها كلها معاً تسلسل معقّد يفضي إلى صناعة السيارة في شكلها النهائيّ".
وأضاف، "كنا نتوقّع هذا الأمر، وهو نتيجة حتميّة للأثر الاقتصاديّ العميق والواسع الانتشار الذي يخلّفه فيروس كورونا، خصوصاً في سلاسل التوريد الخاصة بصناعة السيارات".
يُشار إلى أنّ مصانع كثيرة في مقاطعة هوبي، التي تُعتبر بؤرة ظهور المرض وتفشيه، أغلقت أبوابها منذ بداية عطلة العام الصينيّ الجديد قبل ثلاثة أسابيع.
يبقى أنّه في خطوة غير مألوفة، حوّلت شركة "فوكسكون" العملاقة في مجال الإلكترونيات التي تصنع أجهزة "آيفون" من "آبل"، جزءاً من إنتاجها إلى أقنعة وجه طبيّة بغية حماية عمّالها من العدوى وإبقاء مصانعها مفتوحة.
وإذ تسعى الشركة التايوانيّة إلى إنتاج مليوني قناع يومياً بحلول نهاية الشهر الحالي، فقد قالت إنّها ستبدأ في توفير هذه الأقنعة لجهات من خارج "فوكسكون" بمجرد أن تتزوَّد القوة العاملة لديها بها بشكل كامل.
© The Independent