Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بائعو الشوارع مغمورون في السودان ولكنهم معقل الثورة

كانوا أول المختفين عند اقتحام قوى الأمن مواقع الخيم وغالباً ما يكونون آخر من يعثر عليهم، وقلما ظهرت أسماؤهم في الهاشتاغات (وسم) أو على صفحات "فيسبوك"

بائعتان في العاصمة السودانية (بيل ترو، اندنبندنت)

نداء سارة يقطّع القلب وهو مثل صفعة "أرجوكم. أنا في حاجة إلى المساعدة، لا أستطيع إنجاب هذا الطفل". بائعة الشاي السودانية هذه اغتصبها رجال تعتقد أنهم جزء من "قوّات التدخّل السريع" شبه العسكرية التي يخشاها الجميع، بعدما عمل عناصرها على اقتلاع المخيم الرئيسي لحركة الاحتجاج في الخرطوم في يونيو (حزيران) الماضي.

هذه الشابة هي في العشرينات من عمرها، وهي مطلّقة ومعدمة، ومصابة بسوء في التغذية. قيل لها إنها تستطيع تناول حبوب لتفادي المشكلة. غير أنها لم تدرك ذلك إلا في ما بعد أثناء حبلها وعندما لم تعد المسألة خياراً يعود لها. كما أنها لم تكن تعلم أن الجراحة المطلوبة للتخلّص من الجنين قد لا تكون متاحةً في السودان، حيث الإجهاض من أشدّ المحرّمات.

أمّ الطفلين هذه كانت من بين نحو خمسمئة بائعة شاي قدّمن الطعام والمشروبات للثوّار، ودعمن انتفاضة السودان التي أطاحت الدكتاتور المتمرّس عمر البشير في إبريل (نيسان) الماضي. ويُشار إلى أن بائعات الطعام والشراب اللواتي يُلقّبن بـ "سيّدات الشاي"، موجودات في كل مكان من زوايا الشوارع في السودان حيث يقدّمن المرطّبات لعامة الناس. 

هؤلاء النساء ينتمين أيضاً إلى الفئات الاكثر ضعفاً في المجتمع السوداني، بعدما نزحن داخلياً في كثير من الأحيان من المناطق التي مزّقتها الحرب في البلاد مثل دارفور وجنوب كردفان. وتعاني النساء من أوضاع مالية معدمة ويعشن أحياناً بلا مأوى، وغالباً ما يفتقرن إلى هوية أو أوراق ثبوتية. وكنّ الأكثر تضرّراً خلال حملة القمع التي قامت بها السلطات في الثالث من يونيو (حزيران) في الخرطوم. ويُعتقد أن عشرات منهن تعرّضن للاغتصاب أو الضرب أو حتى القتل خلال ذلك الأسبوع. وما زالت ست بائعات شاي حتى اليوم في عداد المفقودين. 

وبالكاد تمكّنت سارة بائعة الشاي من البقاء على قيد الحياة. وتروي "قبضوا عليّ عندما كنت عائدة للحصول على معدّات الشاي بعد إخلاء المكان من المحتجّين. وكان الشارع حينها يعجّ بعناصر قوى الأمن". وتضيف: "أوقفني أربعة رجال واعتقلوني. رشّوا رذاذاً عليّ فغبت تماماً عن الوعي. وعندما استيقظت شعرت بأنني لا أستطيع التنفّس. وجدت نفسي في مكان مختلف، ملقاةً في الشارع. كنت أنزف بين ساقي ومصابةً بجروح".

جرى الاتّصال بعددٍ من الجمعيات النسائية من أجل مساعدة سارة، وعمل ناشطون على قضيتها التي يقولون إنها مرآة أصداء قصص أخرى ترويها عشرات من بائعات الشاي الأخريات. وتقول عوضية محمود كوكو، مؤسّسة ورئيسة اتّحاد بائعي الشاي في السودان الذي يضمّ الآن قرابة 30 ألف عضو، "كان هناك استهداف منهجي لبائعات الشاي لأنهن كن يقمن بإطعام الناس وتقديم الخدمات لهم في ساحات الاعتصام".

هذه الأم الرئيسة البالغة من العمر 56 عاماً التي نزحت هي أيضاً جنوب كردفان، أمضت عقوداً من الزمن وهي تناضل من أجل حقوق النساء اللواتي يعانين مثلها. وقد أُرسلت إلى سجن المتخلّفين عن سداد دينهم قبل بضعة أعوام، حين عجزت عن سداد قروض مضمونة استدانتها في محاولاتها لمساعدة نساء مفلساتٍ على الوقوف مجدّداً على أقدامهن. 

وتوضح كوكو "من بين جميع الفئات، كنّا نحن الأكثر تضرّراً من إزالة الاعتصامات والعنف. فمعظم بائعات الشاي لا يملكن أجهزة هواتف، وفي الثالث من يونيو (حزيران)، لم يعلن أن الهجوم وشيك، ولم تكن لديهن أيّ شبكة دعم. نحن شريحة ضعيفة من المجتمع، وبالتالي فإن قوّات الأمن لم تتردّد في انتهاكنا".  

قليل من المراقبين الأجانب يدرك الدور المهمّ الذي اضطلع به باعة الشوارع في الثورات التي اجتاحت ساحات الدول من مصر إلى العراق. وفي كثير من الأحيان امتلأت شاشات التلفزيون والصحف الخاصّة بنا بناشطين يتكلّمون الإنجليزية ويتمتعون إمكانية الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن على امتداد الانتفاضات التي قمتُ بتغطيتها، كان باعة الشاي وصانعو الفلافل ورجال المحار وأولاد البطاطا وسائقو التوك توك وفتيان حلوى غزل البنات (شعر البنات أو لحية البابا) الوردية اللون، كان جميع هؤلاء، بؤراً لا تتجزّأ من حركات الاحتجاج والاعتصامات وحتى الخط الأمامي في وجه مداهمات قوّات الأمن.  

وشكل هؤلاء في كلّ مرّة جزءاً حيوياً من البنية التحتية الفريدة للتجمّعات الثورية. ونشأت في تلك اللقاءات الفريدة وبوتقة التجمعات، صداقات وثيقة للغاية عابرة للحدود الصفيقة بين الطبقات الاجتماعية. لكن عندما اقتحمت قوى الأمن تلك الاعتصامات، كان العمّال المستضعفين أول من فُقد أثرهم، وكانوا أيضاً آخر الذين يُعثر عليهم. ونادراً ما كانت تظهر أسماؤهم في الهاشتاغات أو على صفحات "فيسبوك". 

 وتنضوي عوضية محمود كوكو في حركة ترمي إلى تغيير هذا المنحى بدءاً من السودان. وهي تأمل في أن تتكاتف نقابات واتّحادات في دول المنطقة مثل اتّحادها، والتعاون معاً من أجل إعلاء صوت الفئات الأضعف. وكانت في أعقاب هجمات الصيف الماضي زارت منازل نحو 150 بائعة شاي من المصابات. وتحاول منظّمتها العثور على النساء الست اللواتي ما زلن مفقودات حتى اليوم، وذلك من خلال إطلاق حملاتٍ تسلط الضوء على هذه المسألة.

وعلى أثر حملةٍ إعلامية مماثلة، عادت امرأة سابعة اسمها أمل إلى الظهور بعد شهور من اختفائها في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي. ووُجدت ملقاةً على جانب الشارع ومصابةً بصدمة كانت بالكاد معها يمكنها أن تتحدّث. ورتّب اتّحاد السيدة كوكو لها إمكان الحصول على علاج نفسي. ويقوم الاتّحاد الآن بالتواصل مع سارة.

وقالت السيدة كوكو في خلال اجتماع لبائعي الشاي "قبل اليوم، لم يكن لدينا سوى القليل من طرق القتال من أجل الدفاع عن حقوقنا. لكن على العالم أن يعرف ما يجري. وهذا المنحى يجب أن يتغيّر".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء