Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دبلوماسية الجزائر تتخلص من "التخندق"

تروج لمبادرة مع تونس ومصر لإنهاء الأزمة الليبية ووزير الخارجية زار بنغازي

عبد المجيد تبون يتلقى دعوة لزيارة السعودية لدى استقباله وزير خارجيتها (وكالة الأنباء الرسمية)

شكلت صور وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم في مطار بنغازي وهو في طريقه للقاء المشير خليفة حفتر، محطة فارقة في تعاطي الدبلوماسية الجزائرية مع الملف الليبي ضمن ملامح تحوّل كبير في ممارسة العلاقات الدبلوماسية.

 وتقطع الجزائر في ما يبدو، مرحلة "اصطفاف" غير معلنة في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الرغم من حمل شعار "المسافة الواحدة بين الأطراف" الذي لم يُفعّل على أرض الواقع.

ولدى الحديث عن الملف الليبي، لا يمكن القول إن علاقة ودية جمعت الجزائر بحفتر، منذ بروز اسمه بعد سقوط نظام معمر القذافي، فحتى الزيارة الوحيدة له للبلاد في ديسمبر (كانون الأول) 2016، رافقتها أحداث "بروتوكولية" تقترب إلى وصفه بـ"الضيف غير المرحب به"، ما دفعه إلى إطلاق تصريحات وصف فيها الجزائر بـ"الدولة غير الشقيقة".

لذلك، لا شك أن مشهد نزول وزير الخارجية صبري بوقادوم من الطائرة الرئاسية الخاصة في مطار بنغازي، ليلتقي حفتر بما لذلك من دلالات "مفاجئة"، تحمل في طياتها عدداً كبيراً من المعاني والأبعاد وربما تكون لها تداعيات على الملف الليبي في المستقبل.

فالجزائر التي أصبحت في الفترة الأخيرة قبلة للمسؤولين السياسيين الليبيين بمختلف توجهاتهم، تحاول لعب دور أكبر في المشكلة الليبية، وقد يكون لها دور مؤثر في اتجاه تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة وإزالة الخلافات.

وتروّج الجزائر لمبادرة "إقليمية" تشرك تونس وربما مصر تنتهي إلى جولات حوار بين الأطراف الليبيين على أراضيها، لذلك تحاول إعطاء "ضمانات" لمن تسميهم الأطراف الفاعلة في الملف الليبي باستقبالها شخصيات، آخرها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، الذي التقى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عصر اليوم الخميس، قبل أن يجري مباحثات على انفراد مع وزير الخارجية صبري بوقادوم.

قيد "الشرعي واللاشرعي"

اشتهر الموقف الجزائري في قضايا إقليمية عدة بوقوفه وراء "عباءة" الشرعية الدولية، وبقدر ما رحب مراقبون جزائريون بهذه النزعة في التعامل مع قضايا خلافية، بقدر ما انتقدوا تخلف البلاد عن مد جسور دبلوماسية، اعتماداً على سياسة "النأي بالنفس".

في هذا السياق، يشير الدكتور خواص العربي، أستاذ العلوم السياسية سابقاً، الى أن "زيارة بوقادوم إلى بنغازي تحمل قراءات مستجدة وهي تُفعّل حقيقة شعار المسافة الواحدة من طرَفَيْ النزاع"، مضيفاً "لا أعتقد أن الموقف الجزائري يعكس تقلص نفوذ حكومة الوفاق، بل هو نتاج مراجعة حكيمة لمنافذ لعب دور في هذا الملف وتوقع نتائج منه".

ويشرح أن لغة "براغماتية" بدأت بالطغيان على سلوك وزارة الخارجية في الجزائر "فهي من جهة، لا تعادي مصطلح الحكومة المعترف بها دولياً، لكنها لا ترغب في شطب أي طرف ثانٍ لا يحمل هذه الصفة". بالتالي "هناك قراءة صحيحة للأحداث، فكل طرف له امتداد يستمد منه شرعيته في الداخل الليبي، بعيداً من قيد الاعتراف الدولي، منطق القبائل وعنصر الجيش هما الفاعلان الأولان في ليبيا".

ويضيف العربي "منذ البداية استقبلت الجزائر مسؤولين ليبيين من حكومة الوفاق، ومسؤولين مصريين وأتراك بينهم الرئيس رجب طيب أردوغان، وأرسلت وزير خارجيتها إلى الإمارات والسعودية، ولاحقاً استقبلت وزيرا خارجية هذين البلدين، هذه الخطوات هي قراءة صحيحة للحدث الليبي".

انتباه روسي

في زيارته إلى بنغازي، التقى وزير الخارجية صبري بوقادوم بالمشير خليفة حفتر، القائد العام للقوات المسلحة الليبية، وناقش مع رئيس مجلس وزراء الحكومة المؤقتة في بنغازي عبد الله ثني، ومشايخ وأعيان القبائل الليبية، كما اجتمع مع رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح عيسى، ومما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية عمّن التقوا وزير بوقادوم أنهم "عبروا عن الثقة الكبيرة  بالدور المحوري الذي تلعبه الجزائر لإيجاد تسوية سلمية للأزمة الليبية".

وقال بوقادوم "تسعى الجزائر إلى لمّ الشمل، والعمل على ليبيا واحدة موحدة سيدة على ترابها"، أما من الطرف المقابل، فقد شدّد عبد الهادي لحويج، وزير الخارجية والتعاون الدولي في حكومة بنغازي على مصطلح "دور الجزائر الجديدة" المرحب به،  كأنّما ينتقد جزائر ما قبل عبد المجيد تبون.

وقال لحويج "تلعب الجزائر الجديدة دوراً مهماً في الأزمة الليبية، ومن جهتنا نريدها أن تلعب دوراً، بل ومستعدون للانخراط فيه"، ولاحقاً نقل التلفزيون الحكومي الجزائري مشاهد جلسة بوقادوم مع زعماء قبائل ليبية، إذ كان يحدثهم قائلاً "وجودي اليوم في بنغازي ينمّ عن إرادة جزائرية وأيضاً تنفيذاً لتعليمات رئيس الجمهورية الذي يتمنى عودة السلام قريباً إلى ليبيا. لقد أتيتكم ضيفا للاستماع إليكم بقلب مفتوح".

يبدو هذا المنحى، أنه لفت انتباه الحكومة الروسية التي لم تتفاعل سابقاً مع المساعي الجزائرية في ليبيا. فخلال تسلّم الرئيس فلاديمير بوتين، أوراق اعتماد السفير الجزائري الجديد لدى موسكو، محمد شريف كورتا، قال الأول إن "موسكو تحيّي الجزائر للخط المتوازن الذي تتّبعه في الشؤون الدولية والإقليمية"، موجهاً دعوة إلى الرئيس تبون لزيارة موسكو.

وأوضح "نحن نرى آفاقاً جيدة لتعزيز التعاون والتنسيق الاقتصادي والعسكري- التقني من أجل ترسيخ الاستقرار والأمن في شمال أفريقيا ومنطقة الصحراء والساحل". وذكر أن الدولتين تربطهما علاقات ودية قوية مستمرة لسنوات طويلة.

ولم يسبق أن نسقت الجزائر علناً مع الحكومة الروسية ضمن مساعيها في الملف الليبي منذ شهرين، وقد يكون "انتباه" موسكو لهذا الدور مقترناً بفتح الجزائر قنوات جديدة لا تكتفي بحكومة فايز السراج في طرابلس.

 عفو

 

في المقابل، أصدر تبون اليوم الخميس قراراً بالعفو عن أكثر من ستة آلاف سجين في إطار سياسة الرأفة التي تجاوز نطاقها بوادر تصالحية قام بها سلفه.
ويسعى تبون إلى احتواء اضطرابات سياسية مستمرة منذ نحو عام. ويأتي العفو الجماعي هذا الأسبوع في أعقاب عرض للحوار مع المحتجين وإطلاق سراح المعتقلين الذين أُلقي القبض عليهم في التظاهرات وتشكيل لجنة لتعديل الدستور والاجتماع مع شخصيات معارضة.

المزيد من العالم العربي