Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطة السلام وتابوت الماضي

"إسرائيل" ليست "بن غوريون ومائير"، ففيها اليوم يتم ترقيع "دولة نتنياهو"

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض (غيتي)

(أحياناً يتوجب علينا، أن نهدم البيت الذي عشنا فيه وألفناه، لكي نعيد بناءه من جديد، لأننا إن لم نفعل، فسيقع فوق رؤوسنا) - ديكارت

التاريخ لا يُعيد نفسه بالتأكيد، لكن الحياة مكرورة بمعنى ما، هذا ما نعيشه، ما هو مدعاة الملل والقلق البشريين، فالتكرار عند بقية الكائنات، الاتساق والاستمرارية. ومن حقيقة الحياة المكرورة هذه، ينظر البعض إلى أن التاريخ يكرر نفسه، ومن هذا الظن يعتقد الأيديولوجي أن الماضي يمكن أن يُستعاد، فالمعتقدي يواجه الأزمة بالظنون لا بالعقل، لذا يتكئ على كتف ميت.

خاصة عند القياس، بما يترأى له على الأرض، جاعلاً منه المبرر، ما يسوغ له، أن يحمل على كتفيه تابوت الماضي، مكرساً حياته، في انتظار من "يأتي ولا يأتي"، فـ "غودو" هذا، الشبح ما يتجسد للعيان، في دولة تناهض أحلامه سندها الماضي، دولة لباسها وقناعها التاريخ "إسرائيل". وما يناهض مسنوده، مبرر استدعائه لميت، ماضيه التليد الناصع البياض، إذاً الأزمة وما يسهم في استفحالها، من وقائع عينية، من المسببات الحاسمة لماضويته.

هذه الخواطر اجتاحتني، لما تابعت بالضرورة، "صفقة قرن" ترمب، فالضجيج المصاحب لها، وكليهما أي الصعقة وردود الفعل حولها، نتيجة لإعادة عرض للفيلم الأميركي المسلسل "رامبو"، مع تغيير لبطل الفيلم ما بات "ترمب"، حيث السيناريو نفسه، لكن المعطيات المختلفة، تجعل المتلقي مدهوشاً مصعوقاً، وهذه الصفعة "الصفقة"، تكرر رد الفعل ليس إلا، فالشكل المدهش ليس بالمستطاع، أن يخفي المضمون وإن لم يفضحه.

لذا المخرج الجديد، يتكئ على الشكل، لتمرير مضمونه المكرور، تكريساً لاستعادة ماض زال، وتوظيف المعطيات المفارقة، كما تكية قوية لصفعة القرن. باعتبار أن هذه المعطيات الحالية، أنجيل لا يأتيه الباطل، لتوكيد التأسيس ما طال توكيده: الحق المطلق. والحقيقة المغيبة: أن المشروع الصهيوني مشروع قرن مضى، وإذا صفقة القرن توكيد ليس إلا، وصبغ دستور أرض الميعاد، من أفضل صُباغه رجل ماضوي بحث، شعبويته كما رجل دين، فيتلو "ترمب" زبوره، كرجل مختار لشعب الله المختار.

صفقة القرن، صعقة "انتقام الجغرافيا"، أن الحجارة المنسية: أساس المبنى والمعنى، فالشرق "المتوسط" و"الأوسط" ، كنيتهما آتية من الجغرافيا، ليس من التاريخ، ما يزول ما انمحاء منه، ليبقى ما رسخ، وإن رسخ شيء من التاريخ، فالراسخ الحجارة.

الحجارة ما تركنها الصواريخ العابرة للقارات، ما تحث الخُطى إلى الكواكب السيارة، وإن أمكن لهذا تعطيل التاريخ، فإن الحجارة/ الجغرافيا المركونة لا تتعطل، ومرة أخرى يعود "الأوسط / المتوسط" إلى التاريخ، ليس بما مضى بل ما يحدث، فالآن وهنا، تاريخ يتكون ومعطيات تستجد، وما "صفقة القرن" إلا استباق.

الجغرافيا المذبح، والتاريخ (الآن وهنا) المذبحة، القول الفصل أن المتوسط قلب العالم، وفيه وحوله "تكرار التاريخ"، لا بمعنى إحياء الرميم، إنما ما يدق الأبواب الموصدة وحتى يقتلعها: المستقبل، تاريخ ما هو قادم، صفقة القرن كما محاولة النفس الأخير، ليس لإعطاب الحتمي أو لتأخيره، بل لتدارك ما هو حادث، فالشرق الأوسط في الألفية الثالثة، كما العالم ليس الشرق الأوسط، إذاً "صفقة التاريخ" صعقة مما هو قادم، ما زبوره كجيتو "أن المستقبل ليس استعادة الماضي".

ملخص ذلك تنسج قماشته الوقائع: زوال مشروع "الدولة الدينية"، وإن خص بها مخرج الفيلم الأميركي "ترمب"، دولة الملالي والسلطان العثماني، فمشروع التيار الإسلامي برمته، فإن فيروس "كورونا" لا تحاصره السدود والصفقات، وليس ذلك مرقون، على باب التمنيات والرغبات، بل ما يحفره إزميل الوقائع على "الحجارة المنسية".

وأن "إسرائيل" ليست "إسرائيل بن غوريون ومائير"، ففيها اليوم يتم ترقيع "دولة نتنياهو"، وأنها ليست تاريخاً يستعاد، ولا التاريخ المكرر، بل المشروع لحلّ المسألة اليهودية في القارة الغالبة فالعجوز، من قبل الإمبرياليات العظمى للقرن العشرين الزائلة. هذا المشروع كان إصطناع منفى لمواطنين أوروبيين، ذنبهم الخلاف الديني، وهم فقراء اليهود، وطبعاً كان المشروع بدعم وتنفيذ "رأسمالية الكوارث" اليهودية.

وأن يبنى المشروع على أسطورة، فالتاريخ نافل الأساطير، وناسخ الآيات بإرادة البشر، وما يحدثونه من متغيرات، التي في الساعة تجتاح العالم، في شوارعه وبيوته، وبإرادة جماعات بشرية مختلفة، ليست جماعات حزبية، لا طلائع مسلحة أو عمال وطلاب، ولا يقودهم أحد، كما نخب وطليعة ومثقفين، وفي عصر سبراني التواصل فيه شاهد عيان.

إسرائيل منفى شرق أوسطي عربي، في هذا الشرق استجد الكثير وفي هذه الساعة، منها أن العرب يُهجرون إلى أوروبا، ناتج حروب أهلية بغطاء دولي، كما إسرائيل ذاتها ناتج حروب قارية وأهلية، فتهجير بغطاء دول عظمى.

تأتي "الصفعة" ناتج لهذه المعطيات/ المتغيرات، لكن الصفقة تتم من (شايلوك)، من أهل الكهف، فيعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، ليعيش ما شبه له، كما (بلفور)، آخر الألفية الثانية أول القرن العشرين المنصرم، في القرن الأول من الألفية الثالثة، وأميركا في عصر الصين، وأوروبا في عصر روسيا، والعرب في الربيع العربي بدمويته وتحت "مقصلة" التاريخ! وفي إسرائيل (يتم ترقيع "دولة نتنياهو").

تأتي "الصفعة"، كما تمديد عمر، أو تحنيط لجثة مهترئة، والشرق الأوسط، دوله العربية والأعجمية، في حالة هدم قديم. فالعالم برمته في محطة أخرى، نقلة تاريخية، قد تكون على غير ما عرف البشر، في سردياتهم الكبرى، وما لا يتوقعون.

المزيد من آراء