Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فنانة تشكيلية سورية ترسم بقدميها… تعرفوا إلى دعاء بسطاطي

تملك بسطاطي روحاً مرحة وتستطيع بقدميها ممارسة الأعمال المنزلية إلى جانب الرسم الذي سيوصلها إلى العالمية

الفنانة التشكيلية دعاء بسطاطي تتوسط عدداً من زوار أحد معارضها الفردية (إندبندنت عربية)

هل تستطيع أن تقيّد يديك وتمارس حياتك يوماً كاملاً أو حتى بضع ساعات؟ وإن تمكنت من تجاوز هذا التحدي، فهل يمكنك أن تتخيّل كيف ستتعامل مع محيطك وحياتك؟ وكيف ستنظر إلى الحياة بعد ذلك؟ بالتأكيد، ستكون الحياة مختلفةً، فكيف إن كان هذا الشخص، صاحب التحدي، رساماً!

إنه بذلك يعاكس أول قاعدة من قواعد الفن: "التقط الريشة بيدك وارسم". حصل ذلك مع الفنانة التشكيلية السورية دعاء بسطاطي (28 سنة)، ليقف من يراقب عملها مشدوهاً أمام مبدعة لا تملك يدين لتشق بريشتها هذا البياض الناصع الشبيه بقلبها وروحها.

بسطاطي، صانعة الأمل في حياتها وحياة من يعرفها، تغريك لوحاتها الفائقة الجمال بأن تشاهد المزيد والمزيد، ولن تصدق أن كل ما تشاهده من لوحات، في معارضها الفردية، رُسمت بأصابع القدمين.

نعم، بقدمها تمسك الريشة بكل حنانٍ وشغف، وبهما ترسم على الورق أجمل اللوحات. إنها الفنانة التشكيلية التي ولدت من دون أطراف علوية، لكنها انكبت على الرسم والفن التشكيلي منذ طفولتها بكل حب واندفاع وأمل، وقد شكلت حالة فريدة من نوعها في بلدها، ملقية الإعاقة خلف ظهرها.

حكاية فنانة

تعيش بسطاطي في مدينة دمشق القديمة، التي تنشقت من روحها أصالتها، وذابت في هواء ياسمينها. وهذا ما نشاهده في كثير من لوحاتها، التي ترصد حركة الناس في المدينة القديمة، وتفاصيل حجارتها العتيقة. وعلى الرغم من أنها وُلدت من دون ذراعين، باشرت الرسم في الصف السادس من المرحلة الإبتدائية، بتشجيع من شقيقتها.

"حكايتي مع الرسم بدأت بعمرٍ مبكرٍ، وبتشجيع من شقيقتي، التي أحضرت لي كُتباً ومجلاتٍ فيها رسوم للأطفال، وطلبت مني أن أرسم الأماكن والشخصيات. وعلى الرغم من الصعوبات في البداية، أحرزت تقدماً لافتاً، وتطورت أدواتي حتى دخلت مركز أدهم إسماعيل للفنون الجميلة، وهنا بدأ مشواري مع الرسم بالتطور بشكل كبير ومنظم أكثر".

تأقلمت بسطاطي مع واقعها منذ الصغر، فهي على الرغم من أنها بلا يدين، تملك عزيمة كبيرة وإرادة وتحدياً للحياة لا يملكها كثير من الأصحاء. تستطيع بسطاطي صناعة القهوة بقدميها واستخدام هاتفها الجوال. وبشكل ماهر، تستطيع ممارسة الأعمال المنزلية.

ابتسامتها لا تفارق محياها، تكسر بها كل مُحالٍ وصعب، وتواجه التحديات بضحكة خفيفة مستهزئة بصعوبات الحياة، كأنها تقول إني أستطيع. "بعد دراستي في مركز أدهم إسماعيل، زاد شغفي بالرسم والفنون الجميلة وباتت الريشة أكثر وسيلة أُعبّر بها عن حالتي ونفسيتي وكيف أنظر إلى الحياة. وفي امتحان الثالث الثانوي، حصلت على مجموع يؤهلني لدخول كلية الفنون الجميلة واستطعت أن أدرس هذا الاختصاص بشكل أكاديمي ونجحت في ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الفنون الجميلة

تتمتع بسطاطي بروح معنوية عالية وتفاؤل كبير، وهي شاركت في المؤتمر السنوي لمؤسسة الفكر العربي في لبنان، وحصلت على درع التغلب على الإعاقة تقديراً لموهبتها وإرادتها. كما شاركت في مشروع فني يدعى "توكيذر"، مع المجلس الثقافي البريطاني في العاصمة السورية دمشق.

رحلة بسطاطي مع الرسم عمرها 20 عاماً، تطور خلالها أداؤها وموهبتها، حتى تخرجت في كلية الفنون الجميلة. "أوقفت سنة دراسية في الكلية بسبب الحرب، وصنعت مشروع تخرجي عن حياتي وأهمية اليدين بالنسبة إلى الإنسان. إذ لا يستطيع الإنسان أن يقيد يديه يوماً كاملاً، لكنه يستطيع أن يتحدى الصعوبات وينتصر".

ترسم بسطاطي بكل التقنيات والأساليب، لكنها تميزت بتقنية الرسم على الزجاج لما يتمتع به من شفافية قادرة على أن تعكس ما في داخلها من أحاسيس. وتوضح بسطاطي أن كل من حولها يشجعونها على العمل الفني، ويتعاملون معها كشابة ليس لديها إعاقة. وتعبر شقيقتها عن ذلك بالقول إن "أحداً لا يساعد دعاء في المنزل، بل تستطيع أن تؤمن كل حاجاتها بنفسها. ففي داخلها، طاقة لا توصف للعمل والعطاء".

معارض إلى العالمية

في صالات العرض، كان لبسطاطي حضور مميز وطاغٍ، فهي تستقبل الحضور بابتسامتها اللطيفة، وتشرح لكل من يسألها عن موضوع لوحة من لوحاتها وتناقشه برحابة وعفوية وتلقائية من دون كلل أو ملل. كأنها دعوة إلى الحياة والأمل والتحدي والإرادة. وهي تطمح إلى نقل عالمها الخاص، بفنها، إلى العالمية في المستقبل القريب، وفق كل من يعرفها ويشاهد لوحاتها الفريدة والمميزة.

حالة بسطاطي، التي تشكل استثناءً بكل تفاصيلها، تظهر في معارضها الفردية التي أقامتها في أكاديميات للفنون وصالات عرض الفن التشكيلي. ولك أن ترصد هذه اللوحات لتنتقل من لوحات رسمتها بالزيتي وأخرى بالزجاج، تحاكي أحياناً الطبيعة الصامتة والحزينة، وكأنها تبوح بشيء من نفسها. لكن سرعان ما تنتقل إلى لوحات أخرى تشاهد فيها الفرح والأمل بالحياة وصخبها. ولا تنسى ريشة بسطاطي مداعبة الأمل قليلاً عبر لوحات فيها كثير من الطفولة، ويشدّك رسمها لأماكن عايشتها في مدينة دمشق القديمة وحاراتها.

بطاقة دعاء بسطاطي

ولدت عام 1990، وهي خريجة كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق. شاركت في مشاريع فنية في سوريا وأوكرانيا وبريطانيا، وتعتمد تقنية الرسم العكسي على الزجاج. ومن المعارض التي شاركت فيها "تجارب أنثوية" و"ربيع" و"الخريف" ومعرض عن الوقاية من المخدرات.

المزيد من ثقافة