تجدّدت الاحتجاجات الشعبية في السودان، المطالبة برحيل الرئيس عمر البشير، يوم الخميس في الخرطوم، لكن القوات الأمنية فرّقتها مستخدمة الغاز المسيّل للدموع والهراوات، واعتقلت قيادات معارضة في ظل توازن قوى بين الحكومة والمحتجين.
وتجمّع مئات المحتجين وسط العاصمة الخرطوم، استجابة لدعوة من قوى المعارضة، و"تجمع المهنيين السودانيين"، بغرض التوجّه في موكب نحو القصر الرئاسي، لتسليم مذكرة تطالب البشير بالتنحي، وتشكيل حكومة انتقالية.
واستبقت قوات الشرطة والأمن موعد الموكب الذي أطلق عليه "موكب الرحيل"، بشنّ حملة اعتقالات واسعة وتفريق أي تجمّعات قد تشكل نواة لاندلاع احتجاجات.
وسجّل قادة الأحزاب السياسية حضوراً كبيراً قبل توقيفهم، وأبرزهم محمد مختار الخطيب زعيم الحزب الشيوعي، ومريم الصادق نائبة رئيس حزب الأمة، وسارة نقد الله الأمينة العامة للحزب، ويحيى الحسين القيادي في حزب البعث السوداني، ومحمد فاروق سليمان القيادي في التحالف السوداني.
وقال إبراهيم صالح عضو تجمّع المهنيين لـ "اندبندنت عربية" إن القوات الأمنية اعتقلت 17 من قيادات الأحزاب المعارضة في باحة مسجد فاروق وسط العاصمة قبل انضمامهم إلى المتظاهرين، واقتادتهم إلى جهة غير معلومة، إضافة إلى اعتقال عشرات المحتجين وضرب بعضهم بالهراوات.
ونقل شهود عيان أن الشرطة والقوات الأمنية أطلقت الغاز المسيل للدموع بكثافة على المحتجين الذين تجمعوا في أكبر موقفَين للحافلات وسط الخرطوم.
أضاف أن المتظاهرين استطاعوا أن يتجمعوا على الرغم من الوجود الأمني الكثيف، وردّد المتظاهرون هتافات الحراك الشعبي المعتادة: "حرية سلام وعدالة"، و"الثورة خيار الشعب"، و"تسقط تسقط بس"، و"سلمية سلمية ضد الحرامية"، و"الشعب يريد إسقاط النظام".
وأعلن تجمّع المهنيين، تنظيم تظاهرات في منطقة كرمة، شمال السودان، وتنفيذ موظفين في شركتي "زين" للاتصالات و"أم تي إن" للاتصالات في الخرطوم، وقفات احتجاجية، رفعوا فيها لافتات تطالب بسقوط النظام.
وفي شرق السودان، نفّذ عمال في ميناء بورتسودان إضراباً عن العمل، بالتزامن مع الاحتجاجات الشعبية، اعتراضاً على خصخصة الميناء الجنوبي في مدينة بورتسودان، والتعاقد مع شركة فيلبينية لتشغيله. ما يشرد العمال المحليين.
رفض وتمسك
كشف مدير جهاز الأمن السوداني صلاح عبد الله، أن من اعتقلوا منذ بدء الاحتجاجات في 19 ديسمبر (كانون الأول) وهم نحو ثلاثة آلاف أُفرج عن غالبيتهم باستثناء 372 شخصاً. وقال إن عدد القتلى 33 شخصاً، مؤكداً أن القوات الأمنية لم تستخدم الرصاص ضد المتظاهرين.
ورفض عبد الله المبادرات المطروحة لتسوية الأزمة طالما كانت "خارجة عن الشرعية الحالية". وأحاط عبد الله البرلمان بالتطورات الأمنية ذات الصلة بالاحتجاجات الشعبية المنادية بتنحّي النظام الحاكم.
وقال "ما أستطيع تأكيده، هو أن هناك مبادرات كثيرة مطروحة في الساحة، ويجب أن يعلم الجميع أن أي مبادرة تخرج على الشرعية الموجودة ليس لها أي مكان".
ودفعت أحزاب سياسية وشخصيات عامة بمقترحات لتشكيل حكومة انتقالية مدتها 4 سنوات كمخرج من الأزمة الراهنة، بينما تتمسك قوى في المعارضة بضرورة تنحي النظام الحاكم والرئيس البشير عن السلطة ليتأسس بعدها نظام بديل.
واشنطن تحذّر من العنف المفرط
لمّح مسؤول أميركي بارز إلى احتمال وقف مفاوضات شطب السودان من قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب، وذلك على خلفية "العنف المفرط" الذي تستخدمه قوات الأمن السودانية لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وقال مدير شؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي سيريل سارتور الذي يزور الخرطوم، "من غير المقبول أن تستخدم قوات الأمن القوة المفرطة لقمع المتظاهرين، إضافة إلى التوقيفات من دون اتهامات، وكذلك اللجوء إلى العنف والتعذيب". وختم سارتور قائلاً "ليس هناك أي سبب لقتل أي كان".
وفي 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعدادها لشطب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، شريطة قيام الخرطوم بمزيد من الإصلاحات.
توازن قوى
مع دخول الاحتجاجات في السودان شهرها الثالث، لم يحقّق المحتجون ما خرجوا من أجله، بحمل النظام على التنحّي. وفي المقابل، لم تتمكن الحكومة من إخماد التظاهرات التي تعتبر الأضخم والأقوى التي يواجهها البشير منذ توليه السلطة بانقلاب مدعوم من الإسلامين بقيادة الراحل حسن الترابي في العام 1989. وصعّدت الحكومة أخيراً من لهجتها تجاه الاحتجاجات، واتهمت أحزاباً معارضة بالسعي إلى استغلالها للوصول إلى السلطة. وقال وزير الإعلام مأمون حسن
إن "الحكومة شرعت في اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة أحزاب للمعارضة في "قوى إعلان الحرية والتغيير"، لدعوتها إلى العنف والإرهاب السياسي والفكري والتغيير بالقوة".
ويرى خبراء أن التوازن هو سيد الموقف بين الحكومة والمحتجين، فهما كفّتان متوازيتان في الوقت الراهن. وإن ما ملكه المتظاهرون من قوّة توازي قوة الحكومة، يعود إلى النفس الطويل لهم.
ويرى المحلّل السياسي الطيب بابكر أن الوقت حان للحل السياسي، وذلك بفتح حوار أو تبني المبادرات المطروحة لحل الأزمة التي تعيشها البلاد، لأن الأوضاع وصلت إلى مرحلة جمود مما يتطلب إنعاشها سياسياً لتجنب انزلاق السودان إلى فوضى أو دخوله في دوامة عنف كما حدث في دول عربية في المنطقة.
ومنذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تشهد مدن سودانية تظاهرات احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية، مطالبةً بتنحّي الرئيس البشير، صاحبتها أعمال عنف أسفرت عن سقوط 32 قتيلاً وفق آخر إحصائية حكومية، فيما قالت منظمة العفو الدولية، في 11 فبراير (شباط) الحالي، إن العدد بلغ 51 قتيلاً.