تعد الآرت ديكو واحدة من نظريات اتجاه الحداثة في التصميم، الذي شمل أيضاً حركة الديستل ومدرسة الباهاوس والنظرية الوظيفية والآرت نوفو. وهي تمتاز بأسلوب تصميم تطويري يعتمد على التطبيق العصري للكلاسيكية، بروح فنية انتقائية تجمع الأشكال الهندسية البسيطة والزخارف التقليدية مع المواد الممكننة، التي تعكس الفخامة والتقدم الاجتماعي والتكنولوجي.
على عتبة القرن العشرين
ظهرت حركة الآرت ديكو للمرة الأولى في فرنسا، في أواخر القرن التاسع عشر، عندما أدرك العديد من الفنانين والمصممين البارزين، الذين لعبوا دوراً بارزاً في تطوير أسلوب الآرت نوفو، أن اعتماد الطرق التقليدية في الإنتاج أصبح غير مناسب لعالم عصري يتسم بالتحدي والميل للمكننة، وأنه قد حان الوقت للانتقال إلى نمط جديد على عتبة القرن الجديد.
وبذلك بدأت حركة الآرت نوفو بالتراجع خلال الحرب العالمية الأولى فاتحة المجال للآرت ديكو لتطور بنزعتها الآلية وتصاميمها الفاخرة، التي جاءت كرد فعل على حياة الزهد القسري التي سادت بعد الحرب. فلاقت رواجاً كبيراً وسجلت ذروة نشاطها في فترة الكساد التي عمت أميركا وأوروبا في فترة الثلاثينيات، وتحولت إلى أسلوب عالمي شائع، طُبق على العديد من مجالات التصميم. فأثرت في الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي والتصميم الصناعي والأزياء وفنون الرسم والسينما. كما استخدمت على نطاق واسع في المنتجات الاستهلاكية، مثل السيارات والأثاث وأدوات المطابخ والمنسوجات والمجوهرات والساعات والإلكترونيات.
استلهام
سميت بداية بـ "مدرسة الأسلوب المعاصر"، ثم استمدت اسمها الحالي "آرت ديكو"، الذي يعتبر اختصاراً لـ "Art Decoratifs"، من شعار "المعرض العالمي لفن الديكور والصناعة الحديثة"، الذي أقيم في العاصمة الفرنسية باريس عام 1925.
تأثرت الآرت ديكو بمعظم الحركات التصميمية التي ظهرت في عصرها كالتكعيبية والحداثية ومدرسة الفن الحديث. كما استلهمت خطوطها وأشكالها الفنية من الأنماط القديمة الأفريقية والفرعونية والأزتيكية (الأميركيون الأصليون)، فذهب المصممون إلى دمج عناصر مصممة آلياً مع زخارف قديمة من مصر وبلاد ما بين النهرين (بابل وآشور وسومر) واليونان وروما وآسيا وأميركا الوسطى.
كما استوحت أفكارها الزخرفية من الطبيعة، كالزخارف النباتية (شجرة الساكورا وأوراق النباتات الاستوائية وشجر النخيل وزهرة اللوتس) والحشرات وأشعة الشمس وغيرها من الأشكال التقليدية.
التكنولوجيا الحديثة
يتميز نمط الآرت ديكو باستخدام الخطوط الواضحة والأشكال الهندسية، بما في ذلك المثلثية والمتعرجة وشبه المنحرفة والمزخرفة، بشكل متكرر يظهر الخصائص البصرية الأساسية لهذا النمط، إضافة إلى خصائص التصميم الآلي كالتناسب والتماثل والتكرار الثابت والانحناء والصقل.
واستعمل فنانو الآرت ديكو، تماشياً مع تأكيد الحركة على إدخال التكنولوجيا، مواد حديثة مثل الألمنيوم والستانلس ستيل والباكليت (مقاوم للحرارة والكهرباء) والكروم والبلاستك، إضافة إلى الزجاج المعشق والتطعيم والورنيش (طلاء شفاف لامع).
وانطلاقاً من الحاجة الماسة إلى المظهر المترف، دمج المصممون مجموعة من مواد البناء باهظة الثمن والأخشاب النادرة المطعمة (خشب الأبنوس وخشب الورد)، إضافة إلى مواد طبيعية مثل الفضة والكروم والأحجار الكريمة والزجاج البركاني والكريستال، والمواد الغريبة مثل العاج وجلود حمار الوحش والثعبان والتمساح والغزال.
أما الألوان فهي تميل في هذا النمط لتكون زاهية نابضة بالحياة وعالية التباين، مع درجات من الرمادي والبيج والبني إضافة إلى الأسود والأبيض والفضي، وألوان الجلود الطبيعية والمعادن.
الديكور الداخلي
أحب فنانو ومصممو هذا النمط كل ما هو غريب وأظهروا ميلاً لتكرار الأشكال الهندسية، متأثرين بالتشكيلات التكعيبية التي قادها رواد الفن الطليعي أمثال بيكاسو وجورج براك، إضافة إلى استخدام الدمج والتباين والرؤى الفنية للمدرسة التكعيبية في تصميم مساحات داخلية باستخدام مواد باهظة الثمن وعناصر زاخرة بالأشكال المتعرجة (الزيكزاك) والتفاصيل المزخرفة، إضافة إلى شكل أشعة الشمس (sunburst)، الذي يعد من الزخارف الكلاسيكية المميزة للآرت ديكو.
نستدل على نمط الآرت ديكو في التصميم الداخلي من خلال الأثاث ذو الطبقة اللامعة العاكسة للضوء، والأرائك والكراسي الجلدية، والأقمشة الفاخرة كالمخمل والحرير والساتان، والأكسسوارات اللامعة المصنوعة من المعدن الثقيل مع لمسات فضية أو ذهبية تعكس الفخامة.
أما بالنسبة إلى الأرضيات، فيستخدم الباركيه كواحد من العناصر الأساسية التي تميز هذا النمط. كما يستخدم الرخام اللامع بالألوان الذهبية أو الفضية. وفي حال استخدام السجاد، نجده يحتوي على رسومات مرتبطة بسمات النمط نفسه.
كما تُعد الإضاءة من العناصر التي تلعب دوراً رئيسياً في إضفاء جو من الرفاهية والغنى، باستخدام وحدات إضاءة من الثريات الكريستالية المذهبة، والمصابيح المصنوعة من الزجاج الملون، موزعة على عدة مستويات لتخلق إحساساً بالغموض والعمق.
وتعتبر الأيرلندية إيلين غراي، رائدة الحركة الحديثة في العمارة، من أشهر مصممي حركة الديكو في التصميم الداخلي وتصميم الأثاث.
العمارة
كانت العمارة دائماً مرآة للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للإنسان، وأثرت بشكل كبير في نمط حياته وأسلوب معيشته. وعكست أفكار ومبادئ عصره طريقة اختياره للتصاميم، فمثل نمط الآرت ديكو المعماري الثراء والرفاهية والقدرة المالية بأبنيته ذات الحواف الصلبة التي تبرزها درجات لونية معدنية براقة، نجدها بشكل واضح في ناطحات السحاب في مدينة نيويورك الأميركية، بخطوطها المتكسرة والمنحنية وخامات الألمنيوم والستانلس ستيل والزجاج والألوان المحايدة بدرجات معدنية من الفضة والرمادي، كمركز روكفلر وبرج كرايسلر، الذي اعتُبر أطول بناء في العالم حتى عام 1931.
كما نجد هذا النمط واضحاً بقوة في تصميم مترو أنفاق لندن، وفي ميناء شنغهاي الذي يحتوي على أكثر من 50 مبنى من طراز الآرت ديكو، صممت من قبل Laszlo Hude.
إضافة إلى "حي آرت ديكو التاريخي" في ميامي – فلوريدا، الذي بُني بالكامل بهذا الطراز وتميزت أبنيته بالأشكال الهندسية المبسطة والمنحنية والألوان الزاهية والجريئة بدرجات الباستيل. كما تمتاز باستخدام إضاءة النيون المختلفة التي ارتبط استخدامها في ما بعد بهذا النمط.
تراجع
بدأت الآرت ديكو بالتراجع في أوروبا وأميركا الشمالية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، بسبب التقشف الذي فرضته ظروف الحرب، إلى أن تلاشت تماماً بعد الحرب بسبب تردي الأوضاع المعيشية.
وعادت للظهور في أوروبا من جديد في تسعينيات القرن العشرين.
وقد وجدنا في بدايات العام الماضي انحساراً للنمط الإسكندنافي المينيماليست، مفسحاً المجال لعودة الآرت ديكو من خلال تصاميم تتسم بالحداثة، استخدمت فيها الأسطح الزجاجية والمعدنية البراقة مع ألوان جريئة ولمسات من الذهب والفضة.