قدّر صندوق النقد الدولي أن الاحتياجات التمويلية للكويت ستبلغ نحو 180 مليار دولار على مدار السنوات الست المقبلة، بالنظر إلى الإجراءات المالية "المتواضعة" في الدولة الخليجية وتوقعات بانخفاض أسعار النفط.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قالت الكويت إنها تتوقع عجزا في الميزانية بقيمة 9.2 مليار دينار (30.31 مليار دولار) في السنة المالية التي تبدأ في الأول من أبريل (نيسان)، أي بزيادة 19% مقارنة بالعام السابق.
وقال الصندوق في بيان يتضمن نتائج أولية بنهاية زيارة رسمية إلى البلاد، إن "أسعار النفط والإنتاج المنخفض يضغطان على توقعات النمو على المدى القصير فضلا عن الأوضاع الخارجية والمالية".
وأوضح أن الزيادة الأخيرة في الإنفاق أدت إلى تفاقم الوضع المالي وتآكل مصدّات حماية من السيولة. وفي غياب تصحيح للمسار، فإن التحديات المالية والتمويلية ستشتد وتتقلص الفرصة المتاحة للمضي قدما بوتيرة محسوبة.
والكويت مصدر رئيس للنفط وكانت من بين الاقتصادات الأكثر متانة في المنطقة حين هوت أسعار النفط في 2014- 2015 بفضل الدين المنخفض والأصول المالية الضخمة. لكنها لم تطرق أسواق الدين العالمية منذ إصدار أول دين في 2017 بقيمة 8 مليارات دولار، لأن البرلمان لم يقر بعد قانونا يسمح للدولة برفع سقف الدين وإصدار ديون لآجال أطول.
وأثار ذلك مخاوف بين المحللين من استنزاف صندوق الاحتياطي العام، الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار في الكويت، على مدى السنوات القليلة المقبلة لتغطية العجز في البلاد.
التحول من الفائض إلى العجز
وتوقع الصندوق أن يتحول رصيد المالية العامة من فائض قدره 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 إلى عجز بنفس القيمة بحلول 2025، مما سينجم عنه احتياجات تمويلية بقيمة نحو 180 مليار دولار على مدى السنوات الست المقبلة.
وقدّر أن أصول الهيئة العامة للاستثمار تجاوزت نحو 410% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الماضي، مع استمرار أحد صناديقها في استقبال تحويلات إلزامية من الحكومة فضلا عن تحقيق عائدات مرتفعة على أصولها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الصندوق أن استمرار السحب من صندوق الاحتياطي العام من أجل تمويل مالي قلص الميزان الإجمالي وميزان السيولة إلى 56 و24 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول يونيو (حزيران) 2019 بحسب التقديرات، مشيراً إلى أنه من المتوقع استنفاد أصول صندوق الاحتياطي العام المتاحة بسهولة في أقل من عامين من دون التحول لمصادر تمويل جديدة.
وتابع "الاقتراض سيسهم في تقليص السحوبات من صندوق الاحتياطي العام ويتيح استمراره لفترة أطول. وبافتراض غياب قيود قانونية على الاقتراض، لتمويل الفجوة المتبقية، فإن الدين الحكومي سيرتفع لما يزيد على 70% من الناتج المحلي الإجمالي في 2025 من 15% في 2019". ووصف الصندوق أنشطة الاقتراض بأنها ستكون "غير مسبوقة".
وذكر أن نمو القطاع غير النفطي في الكويت زاد خلال العام 2019، لكن انخفاض أسعار النفط وتخفيضات الإنتاج يضغطان على القطاع النفطي، مما نجم عنه أن ينمو الاقتصاد إجمالا بنحو 0.7% في 2019، بانخفاض من نمو بنسبة 1.2% في 2018.
كما توقع الصندوق أن يستقر معدل النمو السنوي في الكويت عند 2.7% في الفترة من عام 2021 إلى 2025، واستند في توقعاته إلى افتراض تراجع سعر النفط من 62 دولارا في 2019 إلى نحو 56 دولارا للبرميل في عام 2023.
3 محاور رئيسة حول زيارة صندوق النقد
وفي بيان، قال محافظ بنك الكويت المركزي، محمد يوسف الهاشل، إن البيان الختامي لبعثة صندوق النقد جاء ضمن ثلاثة محاور رئيسة، تشمل التطورات المالية الكلية الراهنة في البلاد، والتوقعات الاقتصادية الكلية والمخاطر التي تواجه تلك التوقعات، ومناقشة السياسات.
وأشاد البيان في بدايته بتحسّن نمو القطاعات غير النفطية الذي بلغ نحو 3% في عام 2019 مدفوعا بقوة الإنفاق الحكومي والإنفاق الاستهلاكي. في حين تأثر نمو القطاع النفطي بانخفاض أسعار النفط وكميات إنتاجه، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع النفطي بنحو 1% في ظل تمديد اتفاقية (أوبك+) لتخفيض الإنتاج من النفط. وعليه، فإنه من المقَدَّر أن يحقق الاقتصاد المحلي نموا بنحو 0.7% في عام 2019، مقارنةً بنحو 1.2% في عام 2018.
وتشير توقعات بعثة الصندوق إلى ارتفاع إنتاج الكويت من النفط بنحو طفيف في عام 2020، ليصل إلى 2.7 مليون برميل يوميا، مما يؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع النفطي بنحو 0.3%. كما يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاعات غير النفطية بنحو 3% في عام 2020، وأن تتسارع وتيرة ذلك النمو ليصل إلى نحو 3.5% في المدى المتوسط، مدعوما بزيادة كل من الإنفاق الحكومي والتوظيف ونمو الائتمان. وعليه، تتوقع البعثة أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نحو 1.5% في عام 2020 وأن يبلغ 2.7% على المدى المتوسط.
وفيما يتعلّق بتطورات الأسعار المحلية، وفي ظل ارتفاع كل من أسعار المواد الغذائية والنقل، وتباطؤ وتيرة تراجع الإيجارات في القطاع السكني، تتوقع البعثة أن يبلغ معدل التضخم السنوي لعام 2019 نحو 1.1%، وأن يصل إلى نحو 1.8% في عام 2020، وذلك مع بدء ارتفاع الإيجارات في القطاع السكني.
وعلى صعيد الميزان الداخلي، سجّل رصيد الموازنة العامة (بعد خصم مخصصات صندوق احتياطي الأجيال المقبلة، واستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية) عجزا بنحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2018- 2019، حيث لم تتمكن الحكومة من إصدار أي دين جديد منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2017، في انتظار موافقة مجلس الأمة على قانون الدين العام الجديد، الأمر الذي اضطر الحكومة إلى السحب من أصول صندوق الاحتياطي العام لسد العجوزات في الموازنة العامة.
فائض الحساب الجاري لميزان المدفوعات
وفيما يتعلّق بالميزان الخارجي، تتوقع البعثة تراجع فائض الحساب الجاري لميزان مدفوعات الكويت ليصل إلى نحو 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 في ظل تراجع الصادرات النفطية وارتفاع الواردات.
وأشار الصندوق إلى الأداء القوي للقطاع المصرفي الذي عكسته نسبة كفاية رأس المال التي بلغت نحو 17.6% في سبتمبر (أيلول) الماضي، وما تتمتع به البنوك المحلية من سيولة وفيرة على المدى القصير. وسجّل معدل صافي القروض غير المنتظمة بعد خصم المخصصات المحددة، مستويات منخفضة بلغت نحو 1.2% من إجمالي محفظة القروض، مما يعكس تحسن جودة الأصول لدى البنوك.
كما ارتفعت نسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة إلى نحو 229%، وتراجع صافي الدخل من الفوائد نتيجة تقليص هامش أسعار الفائدة على الإقراض المصرفي وتكلفة الأموال. هذا، وتتوقع البعثة أن يتسارع نمو حجم الائتمان مع تدفقات إضافية محتملة لرؤوس الأموال ووفرة السيولة المصرفية.
وفيما يتعلّق بالسياسة النقدية، أشارت البعثة إلى قرار بنك الكويت المركزي في أواخر عام 2018 بزيادة سقف القروض الشخصية الذي اتخذه في ضوء الظروف النقدية المواتية، مما أثمر تسارعا في نمو الائتمان المصرفي.
وأشاد الصندوق بدور بنك الكويت المركزي في استخدام مختلف أدوات السياسة النقدية بحرفية عالية للحفاظ على جاذبية الدينار ودعم الإقراض الموجّه للاقتصاد. وبالرغم من رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة على الدولار في عام 2018، إلاّ أن المركزي الكويتي أبقى أسعار الفائدة دون تغيير - باستثناء مارس (آذار) 2018، ورفع فقط سعر الفائدة على اتفاقيات إعادة الشراء "الريبو".
وأشارت البعثة إلى أن بنك الكويت المركزي خالف قرارين للاحتياطي الفيدرالي الأميركي بتخفيض أسعار الفائدة على الدولار خلال عام 2019، وجاراه في تخفيضه الثالث لأسعار الفائدة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ربط سعر صرف الدينار بسلة عملات سياسة "ملائمة"
على صعيد سياسة سعر الصرف، اعتبرت البعثة أن ربط سعر صرف الدينار بسلة "غير معلنة" من العملات هي سياسة ملائمة للاقتصاد الكويتي، وقد قدمت دعامة فعّالة ومرونة نسبية لسعر الصرف خلال فترة قوة الدولار الأميركي.
وأشاد الصندوق بسياسات بنك الكويت المركزي الرقابية "الحصيفة" في التنظيم والإشراف، التي أسهمت في الحفاظ على مرونة القطاع المصرفي. وتدعم البعثة خطط البنك المركزي لإجراء دراسة شاملة لأدوات التحوط الكلي لضمان استمرارها في تعزيز مرونة القطاع المالي، ومنع تراكم المخاطر النظامية، وتحقيق التوازن بعناية بين أهداف الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي. وتدعم البعثة أيضا الجهود الحالية لتعزيز الأطر الإشرافية والتنظيمية وتعزيز الإشراف القائم على المخاطر.
ورحبت البعثة بالتقدم في سبيل إنشاء هيئة شرعية مركزية في البنك المركزي، والذي من شأنه تقليل المخاطر الناجمة عن الاختلاف في الاجتهادات الفقهية لدى البنوك الإسلامية.
وذكر الصندوق أن التدابير المالية التي تعتزم الحكومة اتخاذها لمواجهة التحديات القائمة على المدى القريب محدودة، حيث تُركّز الحكومة على الإجراءات المتاحة لها والتي لا تتطلب تغييرات تشريعية. وقد حددت لذلك مجموعة من خيارات الترشيد في النفقات العامة، وتشمل سد الثغرات في برامج الدعوم والتحويلات الاجتماعية المختلفة، وترشيد الإنفاق الرأسمالي، والحدّ من الهدر في الإنفاق العام من خلال تحسين المشتريات.
وفيما يتعلق بالإيرادات العامة، أشارت البعثة إلى أن الحكومة الكويتية تخطط لزيادة الإيرادات غير النفطية من خلال إدخال الضريبة الانتقائية على التبغ والمشروبات السكرية المخطط لها منذ فتـرة طويلة، وإعادة تسعير الخدمات الحكومية وتعزيز تحصيل الإيرادات العامة.