Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثلاثة أشهر من الاحتجاج في السودان... موازين قوى متساوية ونتائج مختلفة

المعارضة تؤكد تحقيق مكاسبَ كبيرة من تواصل موجة التظاهرات، فيما تقول الحكومة إن التغيير لن يأتي إلا عبر آليات الانتقال السلمي للسلطة

إحدى التظاهرات الشعبية السودانية في 18 فبراير (شباط) 2019 (صفحة تجمّع المهنيين السودانيين)

بموازين قوى متساوية بين الحكومة السودانية والمعارضة، تدخل الاحتجاجات التي تشهدها البلاد شهرها الثالث. التظاهرات التي تُعَدُّ الأكبر والأكثر توسعاً في مدن وقرى السودان منذ وصول الرئيس الحالي عمر البشير إلى الحكم في العام 1989، لا تتجه وفق منظميها، إلى التهدئة أو الاستجابة لمطالب الحكومة في الحوار مع الشباب، المحرك الرئيسي لها.

وفي الوقت ذاته، لم ينجح الخطاب الحكومي المُتبدِّل بين التهدئة والتصعيد في الحد من حركتها، أو كسب مؤيدين لرؤية الحكومة الداعية إلى الحوار، كما لم تنجح القوة العسكرية في ذلك، رغم سقوط 32 قتيلاً، وفق أحدث إحصاء حكومي، و51 قتيلاً بحسب إحصاء "منظمة العفو الدولية" الصادر الأسبوع الماضي.

حوار وتصعيد

تبنَّتْ الحكومة أخيراً خطاباً تصعيدياً باتجاه الاحتجاجات، واتهمت أحزاب معارضة بالسعي إلى تفتيت السودان من خلال استخدام العنف تجاه الدولة والمواطنين. وأعلنت اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة أحزابٍ معارضة، اتهمتها بالدعوة إلى العنف والإرهاب السياسي والفكري والتغيير بالقوة.

لكن عضو المكتب السياسي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الشيخ النذير الطيب، اعتبر أن الاحتجاجات "فرضت واقعاً جديداً ينبغي التعامل معه، ويتمثل بوجود فئات شابة كبيرة لديها مطالب موضوعية".

وأضاف الطيب في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "الشباب يشاركون في الاحتجاج وبرزت لديهم اهتمامات وطنية، وذلك يُعَدُّ مكسباً للسودان، وهو وضع جديد لم يكن سائداً في السابق".

وذكر الطيب أن "لحزبه مبادرةً مطروحة مسبقاً للحوار الوطني، وما زالت مفتوحة أمام الجميع للمشاركة فيها، لأن التظاهر الذي دخل شهره الثالث أكد للجميع أن التغيير لن يتم عبره، إنما عبر آليات الانتقال السلمي للسلطة، وهي قناعة سيصل إليها الشباب المحتجون في نهاية المطاف، وسيُنظّمون أنفسهم عقبها ضمن جمعيات أو كيانات موجودة أو مستحدثة، وفي ذلك مكسب وطني كبير".

وكان الرئيس السوداني عمر البشير طرح مبادرةً للحوار الوطني قبل نحو خمس سنوات، شاركت فيها قوىً سياسية متعددة، وقاطعتها أخرى من بينها حركات مسلحة تقاتل في إقليم دارفور غربي البلاد، وولايتين في الجنوب. وتمخض عن ذلك الحوار، حكومة الوفاق الوطني الحالية.

ويشير الطيب إلى تحقيق الحكومة مكاسبَ من خلال موجة التظاهر الأخيرة "إذ اتضح للجميع أن هناك مَن يرفض الحوار، ويتطلب ذلك إقرار آليات تعامل جديدة، خاصة أن المجتمع الدولي قال رأيه بوضوح، إنه لا يُقِرُّ تداول للسلطة في السودان إلا عبر الانتخابات".

وحدة المعارضة

عقب تمدُّد موجة الاحتجاجات التي يقودها "تجمع المهنيين السوداني"، وهو تجمع نقابي غير حكومي، أظهرت القوى السياسية السودانية والتحالفات المعارضة اتفاقاً لم يكن مألوفاً في السابق، ووقَّع أكبر ثلاثة تحالفات معارِضة في البلاد "تحالف قوى الإجماع الوطني، ونداء السودان، والتجمع الاتحادي المعارض"، على إعلان "الحرية والتغيير" الذي دفع به "تجمع المهنيين".

وخرجت لأول مرَّة قيادات للتحالفات السابقة، بصحبة "المهنيين" في أول مؤتمر صحافي مشترك الأربعاء الماضي.

وصرح القيادي في "تحالف قوى الإجماع" وجدي صالح، إن "القوى السياسية المعارِضة توحّدت لأن خطاب الشارع حتّم عليهم تجاوز كل الخلافات، والشعار الذي يرفعه المحتجون "حرية، سلام، وعدالة" يُسقط كل من يحيد عنه، وأي محاولة للالتفاف عليه لن تلقى قبولاً".

ورأى صالح أن "ثبات الاحتجاجات على موقفها، رغم حدة التعامل الحكومي معها، أكَّد للمتابعين وعي المواطنين إلى قضاياهم وحقوقهم وهم تحت نظام حزبي أحادي يحكم منذ ثلاثة عقود".

مكاسب الاحتجاجات

من جهة أخرى، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد الفكي سليمان، أن التحرك الاحتجاجي أحدث ثلاثة مكاسب رئيسة مُهمَّة، أولها: "إعادة الثقة إلى الشعب، في أن وحدته وعمله المُشترك قادرَين على تحقيق نتائج إصلاحية إيجابية، كما عرَّفت الأجيال الجديدة بضرورة توحّدهم وأنهم كتلة اجتماعية متجانسة تنتمي إلى مجتمع كبير اسمه السودان، والتفَّت لأول مرَّة القبائل من شرق وغرب البلاد حول هدف واحد، وذلك مكسب مهم للخطاب والهوية الوطنية".

وحقَّقت حركة الاحتجاجات مكسباً ثانياً تجسُّد في وعي الجيل الشاب إلى "قضاياه الوطنية، وإثباته بأنه جيل مكترث بالإصلاح وغير انصرافي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق سليمان "فإن ثالث المكاسب تجسد في بلورة خطاب سياسي جديد مختلف عن الخطاب السياسي الذي كانت تنتجه الأحزاب في السابق".

وترى الحكومة السودانية أن أجل هذه الاحتجاجات شارف على النهاية، وتؤكد ذلك بتصريحات مسؤوليها، وفي بياناتها الصادرة عن وزارة الداخلية يومياً، التي تؤكد على أن "الأحوال في كل أنحاء البلاد آمنة ومُستقرَّة بفضل الانتشار الشرطي والأمني الذي يتعامل بمهنية مع التخريب".

غير أن سليمان يرى في ذلك خسائر كبيرة للحكومة "فهي في حالة استعداد دائم، وتراجعت من كونها صاحب فعل إلى مُتلقِّي رد فعل، وتعرَّضت نتيجة لذلك إلى إنهاك اقتصادي كبير".

لا خيار سوى الشرعية

تزامناً مع موجة الاحتجاج، أعلنت شخصيات وطنية وأكاديمية سودانية في 10 فبراير (شباط) الجاري، مبادرة تحمل اسم "الإصلاح والسلام"، تدعو عبرها إلى حوار وطني يُفضي في نهايته إلى حكومة انتقالية لإدارة شؤون البلاد لمدة 4 سنوات، ورغم أن تلك المبادرة واجهت رفضاً قاطعاً من المتظاهرين، لكنها مثّلت أحد الحلول المطروحة لحل حالة الاختناق السياسي التي يشهدها السودان.

ومع توالي الأحداث، قطع "مدير جهاز الأمن والاستخبارات السوداني" الفريق صلاح عبد الله، الطريق أمام مبادرات عدة، تدعو إلى فتح حوار مختلف عن الذي تقدمه الحكومة.

وصرح مدير الاستخبارات أنه "لا يوجد مكان لأي مبادرة تقدَّم للحكومة لحلّ الأزمة الراهنة بالبلاد، خارج إطار الشرعية" التي حصرها في "الدستور الموجود حالياً، والبرلمان المُنتخَب"، "وغير ذلك لا مكان له".

في المقابل، أشار المتحدث باسم "تجمع المهنيين" صلاح شعيب إلى أن تحرك الشارع السوداني تجاوز مرحلة تقديم وقبول المبادرات، فهو يعمل على "إضعاف دولة الاستبداد التي أنشأتها الحركة الإسلامية، وخلق وعياً جارفاً في ما يتعلّق بضرورة استعادة الديموقراطية لإقامة نظام قادر على وقف الحرب وإنجاز السلام والعدل والمساواة وكل ما يتصل بطموحات الشعب". وأضاف "نحن الآن ملتفُّون خلف راية واحدة، خصوصاً أن النظام سعى إلى سحق المكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية، واستبدالها بمكوّن أحادي مقتصر على الحركة الإسلامية التي ورثت الدولة عبر سياسة إقصائية".

ويتابع شعيب "لدينا مكسب كبير هو جسارة المتظاهرين التي شحذت الشباب بالأمل نحو تحقيق الديموقراطية التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الوصول لغايتها الأساسية وهي إقامة نظام بديل".

ومع تمسك كل جانب بخياراته، التي لم تنجح في الوصول إلى غاياتها حتى الآن، وصعوبة تحديد مَن يتقدم على الآخر، تتحول السياحة السياسية إلى مضمار لكسب النقاط، الغلبة فيه لصاحب القدرة على الاستمرار حتى النهاية. وبمعطيات الواقع، فإن المرحلة المقبلة في السودان لن تعود إلى ما كانت عليه قبل بدء احتجاجات ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

المزيد من العالم العربي