Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ثمة فرصة لإجبار إيران على التفاوض مجدداً؟

البعض يعتبر أن هدف تفعيل آلية تسوية المنازعات إعادة طهران إلى طاولة المحادثات

الرئيس الإيراني حسن روحاني (أ.ف.ب)

أعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا أنَّها تُطلق "آلية لتسوية المنازعات" في خطة العمل الشاملة المشتركة 2015، استجابة إلى استمرار إيران في اتخاذ خطوات للحدّ من امتثالها للاتفاقية التي تأتي في سياق احتجاجها على إعادة فرض الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية.

ونُصَّ على الآلية في الفقرتين 36 و37 في خطة العمل الشاملة المشتركة، والفقرتين 10 و13 من قرار الأمم المتحدة رقم 2231، كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنه يجب عمل اتفاق جديد، أو ما سمَّاه بـ"اتفاق ترمب".

يأتي الموقفُ الأوروبيّ متزامناً مع اهتزاز صورة النظام الإيراني عقب حادث الطائرة الأوكرانية، واحتمال تعرُّض إيران لعقوبات على إثره، وفي ظل أن السياق الدُّولي غير مواتٍ، وفي غير صالح إيران حال الضغط عليها بشأن تداعيات الحادث داخلياً وخارجياً.

هنا يُثار التساؤل: هل يمكن الضغط على إيران لإجبارها على التفاوض من أجل اتفاقٍ جديدٍ يشمل الملفات الإقليمية ومنظومة الصواريخ التي لم تدرها بكفاءة وتنقلها إلى وكلائها بالمنطقة؟

الإجابة نعم، فخلال الفترة من 2003 إلى 2013 كانت العقوبات جزءاً من تعامل المجتمع الدُّولي مع إيران، ففُرِضت العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي وبملف حقوق الإنسان، على البنية التحتية للتكنولوجيا النووية، والقطاع المالي والمصرفي والتجارة، بخلاف عقوبات على أشخاص وكيانات مرتبطة بتمويل البرنامج النووي والصاروخي، ما تسبب في تأزّم الوضع الاقتصادي، وإحكام العزلة الدولية على إيران.

كل هذا دفع إلى استئناف المفاوضات المُتعثرة حينها، وفي عام 2014 بدأت المفاوضات وصولاً إلى إتمام الاتفاق عام 2015، وهنا يظهر الفارق بين الوضع بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وذاك الوقت الذي شهد إجماعاً دولياً على مسار العقوبات، إذ إنه بعد الانسحاب لم يعد هناك إلا العقوبات الأميركية، فقد رُفِعت العقوبات الأممية والأوروبية.

نعم، للعقوبات الأميركية تأثيراتها التي امتدت إلى نواحٍ كثيرة، فمنذ 2017 إلى عام 2018 انخفض الإنفاق العسكري الإيراني بنحو 10 في المئة، فضلاً عن تراجع قدرتها التمويلية لوكلائها الإقليميين على غرار حزب الله بلبنان، وتكرار الاحتجاجات الداخلية على خلفية أي قرارات اقتصادية. لكن، ما ينقص العقوبات الأميركية هو الدَّعم الدُّولي لمسار العقوبات لتقييد الخيارات المتاحة أمام إيران.

صحيحٌ، أن الوضع الاقتصادي ليس هو المُحدد الوحيد لصياغة سياستها الخارجية، إلا أنه يُمكن استنتاج أثر تلك الفترة الطويلة من العقوبات، فمِن المفارقات أن العقوبات كأداة في الحالة الإيرانية أثَّرت على المشهد السياسي الداخلي وهيَّأته، وجاءت بحسن روحاني، هي ذاتها التي أثَّرت في شعبيته ومصداقيته أمام الناخبين، فضلاً عن إضعاف موقفه لصالح تيار المُتشددين والحرس الثوري.

وجدير بالذكر أن ما يدفع إيران إلى الحوار مع الغرب، واتّباع سياسة أكثر براغماتية ليس تولي أحد التيارين في الداخل الإيراني مفاصل السياسة الخارجية، إنما المصلحة والظروف الداخلية، فنجد أنه حينما جرى الكشف عن تطوير طهران برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5% عام 2006 كان في ظل رئاسة أحمدي نجاد، الذي تولى الرئاسة عام 2005، وهو ما يعني أن إيران كانت مستمرة في تطوير برنامجها النووي خلال عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي الذي انتهت ولايته عام 2005.

بعبارةٍ أخرى، فإن إيران واصلت تطوير البرنامج النووي خلال عهد الرئيس الإصلاحي والإعلان عنه خلال ولاية الرئيس المُتشدد نجاد، وخلال ولايته اقترحت الدخول مع الولايات المتحدة في صفقة كبرى والحوار حول الملفات الإقليمية، وحينها رفضت إدارة جورج بوش، وقصرت الحوار على العراق فقط، كما طلبت التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في أفغانستان، وبدأت المفاوضات حول البرنامج النووي مع الأوروبيين خلال عهده.

أيضاً أكثر فترة شهدت توسّعاً وتدخلاً إيرانياً في دول الصراعات والحروب ميدانياً وعسكرياً هي فترة الرئيس الإصلاحي حسن روحاني، لذا أياً ما كان التيار الذي يتولى المشهد السياسي خارجياً يكون انعكاس ذلك على الخطاب السياسي لا على تغيير جوهر السياسة الخارجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن، كيف يمكن خلق الإجماع الدولي لإجبار إيران على العودة إلى اتفاقٍ جديدٍ، يأخذ في الاعتبار التدخل الإيراني الإقليمي بما يؤسس لنظام إقليمي أكثر استقراراً؟

مِن المتصوّر أن تفعيل آلية فض النزاع هي البداية، التي تستغرق نحو 65 يوماً للتفاوض وحل الأزمة، وجوهر الآلية إذا اعتقد أيٌّ من أطراف الاتفاق النووي أن طرفاً آخر غير مُلتزم بتعهداته، فإن بإمكانه إحالة الأمر إلى لجنة مشتركة تضم إيران وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وكانت الولايات المتحدة عضواً في هذه اللجنة قبل انسحابها من الاتفاق.

البعض يعتبر أن تفعيل الآلية الهدف منه إعادة جلب إيران إلى التفاوض وكسب الوقت مع الولايات المتحدة، وكثيرون يعتبرون أن الخطوة قد تسرّع من زوال الصفقة، وأن تخاطر بقرار إيران النهائي بالحد من المراقبة والتحقق الشاملين لبرنامجها النووي من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

لكن، هذا التخوّف في غير محله، فإيران كان لديها وما زال الإرادة لفتح قناة اتصال مع الولايات المتحدة، كما تعي حال خروجها وعدم التعاون مع الوكالة أن برنامجها النووي سيعود هدفاً للتهديدات بالقصف من جانب إسرائيل التي ضربت أهدافاً إيرانية كلما تخطت الخطوط الحمراء لها كما حدث في سوريا والعراق، فضلاً عن أن إيران لن تحتمل إعادة فرض العقوبات الأممية مرة أخرى، التي قلَّصت نمو الاقتصاد الإيراني نحو 20%، وبلغ معها نسبة البطالة 20% بحلول عام 2014، حسب تقديرات الكونغرس الأميركي، وهي التي تعاني الآن منذ ثلاث سنوات اضطراباً داخلياً يندلع من حينٍ إلى آخر نتيجة العقوبات الأميركية فقط.

يجب أن يكون الأوروبيون والمجتمع الدولي أكثر حزماً، بصرف النظر عن مدى فوز ترمب بولاية جديدة أم لا، تجاه الإعلان عن أن تصرّفات إيران التي لا تتفق مع أحكام الاتفاق النووي ولها تداعيات صارمة إذا لم تحلّ من خلال اللجنة المشتركة سيتم الانتقال إلى مرحلة إحالة الملف إلى مجلس الأمن بما يهدد بإمكانية إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن، ومن جهة أخرى زيادة الضغوط فيما يتعلق بحادث الطائرة الأوكرانية من جانب دول الضحايا وحظر الطيران الدولي في المجال الجوي الإيراني.

وبالطبع، لا يمكن التركيز على العامل الدولي وإغفال ضرورة وحدة موقف الدول العربية تجاه إيران كأهم القيود على سلوكها وخلق شعور العزلة الإقليمية.

هنا نصل إلى أن العقوبات الاقتصادية وعزلة إيران الدولية والإقليمية قد تكون وسيلة للضغط عليها، والمساعدة في خلق الظروف التي تضمن استمرار الحراك الشعبي ضد النظام من وقتٍ إلى آخر، وكلا العاملين الداخلي والخارجي يشكل قيداً على مسار التحرُّك الإيراني، بما يجبرها على كسر تلك الحلقة والعودة إلى التفاوض.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء