على الرغم من اعتراف إيران بإسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ في الثامن من يناير (كانون الثاني) الحالي، خلال هجوم بالصواريخ الباليستية استهدف قاعدتين تضمان القوات الأميركية في العراق انتقاماً لمقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لكن لا يبدو أن الجدل انتهي عند ذلك الحد، فلا تزال هناك مطالبات دولية بتحقيق شامل شفاف لتقصي الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
وشكَّلت الدول الخمس المتضررة من الحادث، وهي كندا وأوكرانيا والسويد وبريطانيا وأفغانستان، "مجموعة عمل" للضغط على إيران من أجل إجراء تحقيق شامل شفاف ودفع التعويضات، وهو ما يبدو أن إيران تحاول التملص منه، إذ تراجعت طهران عن "تسليم الصندوقين الأسودين لأوكرانيا لتحليل بياناتهما"، وأعلنت الأحد الماضي، أنها "تسعى لتحليلهما".
وقال حسن رضائي فر، رئيس لجنة التحقيقات بالحوادث الجوية بمنظمة الطيران المدني الإيرانية: "نحاول استخلاص البيانات من الصندوقين الأسودين هنا في إيران. وبخلاف ذلك، فالخيارات المطروحة أمامنا هي أوكرانيا وفرنسا، لكن لم يُتخذ قرار حتى الآن بشأن إرسالهما إلى دولة أخرى".
تحقيق شامل وشفاف
وقال إريك كارلسون، المسؤول الصحافي لدى وزارة الخارجية السويدية، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن "السويد ملتزمة التزاماً عميقاً بالعمل مع البلدان المتضررة الأخرى لضمان إجراء تحقيق شامل وشفاف في الحادث"، مشيراً إلى أن التنسيق يجري في إطار "مجموعة التنسيق الدولي والاستجابة إلى ضحايا الرحلة PS752".
وكانت أوكرانيا ذكرت سابقاً أنها تتوقع أن تسلمها إيران الصندوقين الأسودين للطائرة المنكوبة، وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو "يجب إرسال الصندوقين الأسودين إلى فرنسا، إذ إنها من الدول القليلة التي لديها القدرة على فك تشفير البيانات منهما".
وقال هورفات بودان مساعد سفير أوكرانيا بالقاهرة، في تصريحات خاصة، "كان من الصعب على أوكرانيا إيجاد توازن دبلوماسي مناسب وسط تصاعد متزايد في المنطقة أعقاب الهجمات الأخيرة بالعراق".
وأضاف، "لقد تجنبنا عمداً نهج اللوم والعار، لأن التعاون مع إيران يظل عنصراً حاسماً لضمان إجراء تحقيق مناسب، وتحقيق العدالة لصالح الضحايا".
وشدد الدبلوماسي الأوكراني على ضرورة مواصلة التحقيق الفني في تحطّم الطائرة مع التقيد الصارم باتفاقية شيكاغو (الخاصة بالتعاون الدولي في مجال الطيران المدني)، وتحديد الجناة في إطار قانوني حتى تسود العدالة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن الحوار البنّاء الذي تقيمه أوكرانيا مع إيران، منح فريق من الخبراء الأوكرانيين "حق الوصول إلى مكان الحادث، وإلى حطام الطائرة"، ومنه أثبتت النتائج التي توصل إليها فريق الخبراء على أرض الواقع، "البيانات الاستخباراتية للحلفاء على أن صاروخا هو سبب تحطم الطائرة"، مضيفاً "الأدلة على الأرض التي استكملت بتقارير مخابرات شركائنا كانت، معاً، العامل الذي دفع إيران إلى الاعتراف بإسقاط الطائرة".
وبينما اعتبر بودان، أن اعتراف إيران بمسؤوليتها "خطوة أولى مهمة على طريق العدالة"، شدد على أن هذه الخطوة "يجب تعزيزها الآن بإجراءات متابعة من جانب طهران في المجالات السياسية والقانونية والتقنية".
وقال، "هذه المأساة ليست مجرد خطأ بشري، أُسقطت طائرة مدنية في رحلة روتينية من قبل القوات المسلحة للبلد الذي كانت تحلق فوقه بشكل قانوني".
وأضاف، "كانت هذه الرحلة تعمل بشكل صارم وفقاً لقواعد وتعليمات الطيران الدولي، وحدث هذا السقوط بعد وقت قصير جداً من إقلاع الرحلة من المطار الدولي الرئيسي في طهران. هذا دليل واضح على أن حكومة إيران، ككل، يجب أن تتحمّل المسؤولية القانونية الكاملة عن مصير هذه الطائرة التي أُسقطت، وليس مجرد فرد أو كيان واحد".
وتابع: "يجب أن تتحمل طهران المسؤولية الكاملة عن تصرفاتها بموجب القانون الدولي".
وفيما ذكرت تقارير سابقة، أن هناك مواطنين ألمان ضمن ضحايا الطائرة المنكوبة، نفت آن هولشتين المسؤولة الإعلامية بسفارة ألمانيا بالقاهرة هذه التقرير، أشارت إلى أن برلين ترى أن اعتراف الحكومة الإيرانية بمسؤوليتها عن الحادث "خطوة مهمة"، لكن "يجب الآن إجراء المزيد من التحقيقات الشاملة، وضمان عدم حدوث مثل هذا الحادث مرة أخرى".
جدل التعويضات
إضافة إلى جدل تفريغ بيانات الصندوقين الأسودين، أدلى عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بتعليقات تلفزيونية قبل يومين تفتح الباب لجدلٍ آخر بشأن التعويضات الخاصة بالضحايا، قائلاً إن "إيران تعتبر مزدوجي الجنسية من ضحايا حادث تحطّم الطائرة الأوكرانية مواطنين إيرانيين". ما يعني أنها تحاول التملُّص من تكلفة التعويضات الكبيرة التي تسعي إليها.
غير أن مسؤول الخارجية السويدية أكد، في حديثه إلينا، أن "ستوكهولم تشارك بنشاط في المناقشات الدولية المتعلقة بتعويض المتضررين"، مضيفاً "التوقعات السويدية واضحة في هذا الصدد، ويجب أن يكون التعويض متساوياً لجميع المتضررين، نتوقع تعاملاً كاملاً من إيران في المقبل"، مشيراً إلى أنه "من المبكر في هذه المرحلة تحديد حجم التعويضات".
وفي هذا الصدد أيضاً، أشار الدبلوماسي الأوكراني إلى إنشاء فريق دولي للتنسيق والاستجابة من أجل تسهيل التنسيق المناسب بين الدول المتضررة.
وأوضح أن قضية التعويضات "تأتي في أعلى جدول الأعمال"، إذ تقدم السلطات المختصة في أوكرانيا كل الدعم والمساعدة القنصلية اللازمة لأقارب الضحايا.
وأضاف بودان، "أن الأولوية القصوى للحكومة (الأوكرانية) هي دعم أسر الضحايا خلال هذا الوقت العصيب، الذي يشمل تحديد هوية الجثث وإعادتها إلى أوطانها".