Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زخرفة المنازل في موريتانيا... مهنة نساء المدن القديمة

تراث معماري قديم حافظ عليه السكان عبر القرون

تحولت مهنة الزخرفة إلى وسيلة لكسب العيش لعدد من النساء (اندبندنت عربية)

تشتهر مدينة ولاته التاريخية الواقعة على بعد 1350 كيلومتراً شرق موريتانيا (على الحدود مع جمهورية مالي)، بانتشار فن الزخرفة المنزلية منذ القدم. يستحيل أن تقع أعين زوار المدينة القديمة على أحد المنازل من دون أن يكون مزيناً بزخرفة ونقوش، تشكل تراثاً محلياً وثقافة حصرية لسكان المنطقة.

ويمثّل فن زخرفة المنازل في المدينة، تراثاً معمارياً قديماً حافظ عليه السكان عبر القرون من خلال الإبداع النسوي، إذ ظلت أيادي بنات ولاته، تتفنّن في إنتاجه لتلميع المنازل بأشكال الزخرفة كافة والرسم على الجدران من خلال استخدام مواد منتجة في المدينة.

مهنة للتكسب

داخل أحد المنازل التي شُيّدت حديثاً في ولاته، (إحدى أربع مدن قديمة في موريتانيا)، تنشغل لال بنت سيد أحمد بزخرفة الجدران الداخلية وطلائها باللونين الأحمر والأبيض، اللّذين يعتمدهما السكان في زخرفة المنازل عبر العصور.

تقول بنت سيد أحمد إن العمل في مجال فن الزخرفة في ولاته ليس محصوراً بالحرفيين التقليديين، كما هو حال حرف ومهن عدّة في البلاد، بل إن الإبداع النسوي في الزخرفة ظل موجوداً.

وتؤكد أن مهنة الزخرفة تحولت أخيراً إلى وسيلة لكسب العيش لعدد من النساء العاطلات عن العمل ومعيلات الأسر، ففضّل بعضهن العمل في مجال الزخرفة، متسلّحات بما يعرفنه من أعمال جذابة، تفرض على ملاك المنازل الاعتماد عليهن لزخرفتها وتزيينها بالطلاء الملون والرسومات المختلفة التي تميز بيوت المدينة، ويُقبِل عليها السكان بشكل كبير، رافضين امتلاك أي منزل لا تتوفر فيه معايير الزخرفة المحلية كافة.

تطالب بنت سيد أحمد الجهات الرسمية بدعم النساء العاملات في مجال زخرفة المنازل عن طريق التدريب المستمر والدعم المادي، الذي من شأنه أن يحافظ على تراث الزخرفة ويساعد النساء الفقيرات اللواتي يجعلن من هذه المهنة وسيلة للحصول على رمق العيش. كما أنهن يقدمن خدمة جليلة، تتمثل في المحافظة على التراث وحمايته من الاندثار، في وقت تهدد الصناعات والوسائل الحديثة بقاء كل ما هو قديم، خصوصاً في مجالَيْ الثقافة والتراث.

زخرفة ورسوم

وتؤكد الناشطة في المجتمع المدني زينب بنت أمحمد أن مجال الزخرفة الحائطية شهد أنواعاً مختلفة من الرسومات، ما يؤكد وجود هذا الفن الرائد في ولاته منذ قرون بعيدة.

وتضيف أن النساء العاملات في هذا المجال أوجدنَ عدداً من أنواع الزخرفة المنزلية الداخلية والخارجية، إذ عمد بعضهن إلى زخرفة المنازل من الداخل باللون الأحمر والأبيض، وحرصنَ على إدخال رسومات وزخرفة مختلفة للجوانب الخارجية من المنزل، وذلك من خلال تنويع الألوان ووضع اللون الأبيض قبل الأحمر لإحداث تغيير جذاب عمّا هو موجود داخل البيت.

وتقول بنت أمحمد إنها مولعة بالزخرفة المنزلية التي تُتقنها نساء مدينة ولاته، فتتابع عن كثب ما ينجزنَه، مشيرةً إلى أن الزخرفة تعتمد أساساً على وضع أشكال دائرية ومربعات على الحائط، كما تضيف النساء رسومات على شكل أقواس، وجميعها يخضع لعملية تلوين مركزة، تُختار خلالها الألوان الجذابة.

صنع محلي

تشرح بنت سيد أحمد أن المواد المستعملة في زخرفة المنازل هي مواد مصنعة محلياً من قبل النساء أنفسهن. وهي خليط بين مادة "الصمغ العربي"، المعروف محلياً باسم "العلك"، وأنواع من الطين الأبيض والأحمر.

ويوضح الباحث مولاي الحسن ولد مولاي عبد القادر أن مدينة ولاته، تتميز عن بقية المدن القديمة (وهي "شنقيط" و"وادان" و"تيشيت") بتراث ثقافي مليء بالتنوع والثراء. كما أن سكان المدينة حافظوا عليه من دون أن يتأثر بالحداثة التي تهدد التراث الثقافي لعددٍ كبيرٍ من المدن العالمية.

ويضيف مولاي عبد القادر لـ "اندبندنت عربية" أن الجانب المعماري لمدينة ولاته يتضمّن تقاليد تراثية عدّة، لا تقتصر على مجال الزخرفة المنزلية فحسب، بل تتعدى ذلك إلى نمط البناء المعماري، إذ تملك المدينة طرازاً معمارياً خاصاً تعكسه طريقة تخطيط شوارعها ومداخل البيوت الولاتية التي تتقاطع في ما بينها بطريقة فريدة.

ويشير إلى أن فن الزخرفة الذي تشتهر به ولاته، مستوحى من العمارة العربية الإسلامية، خصوصاً الأندلسية والمغربية منها.

المزيد من العالم العربي