أكّدت السلطات في الصين أن فيروس "كورونا" القاتل الذي تفشّى في مدينة ووهان Wuhan، يمكن أن ينتقل بين البشر، مع وجود عاملين في المجال الطبي الآن من بين المصابين. ويشير مسؤولون إلى أن عدد الحالات المؤكّدة للإصابة بالفيروس الجديد والغامض، قد ارتفع بشكل حادّ عن 200 حالة، مع الإبلاغ عن إصاباتٍ في كلٍّ من اليابان وتايلاندا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية.
ويبدو أن فيروس "كورونا" الجديد يعود أصله إلى سوق المأكولات البحرية في مدينة ووهان وسط الصين، وهي مركز نقل معروف، في وقت يسافر فيه كثيرون خلال هذه الفترة من السنة لقضاء عطلة السنة القمرية الجديدة وهي عطلة رسمية في الصين.
يسبّب "كورونا" أعراض التهاب رئوي فيروسي، وقد أدّى فعلاً إلى وقوع عدد من الوفيات، على الرغم من أن المسؤولين قالوا إن تلك الحالات تبدو وكأنها لدى مرضى يعانون أساساً من أوضاع صحية أخرى قائمة لديهم. ولا يُعرف سوى القليل عن هذا المرض الجديد الذي إذا تم تأكيده، سيكون الفيروس التاجي السابع المعروف حتى الآن بالنسبة إلى العلوم الذي يمكن أن يصيب البشر.
لمزيد من التوضيح، نقدّم في ما يأتي أبرز المعلومات عمّا نعرفه عن هذا المرض الذي يُطلق عليه الآن إسم 2019-nCoV أو مجرد فيروس "كورونا" الجديد.
ما هو فيروس "كورونا"؟ وما هي أعراضه؟
"كورونا" هي مجموعة من الفيروسات التي تسبّب التهاباتٍ في جهاز التنفّس. وهي أمراض تتفاوت ما بين نزلات البرد الشائعة إلى "سارس" SARS (متلازمة الجهاز التنفسي الحادّ الوخيم) و"ميرس" MERS (متلازمة الشرق الأوسط التنفّسية). وهذا هو النوع السابع منها الذي تبيّن أنه يصيب البشر.
وكان "سارس" قد أصاب أول شخص في جنوب الصين في أواخر العام 2002، وانتشر إلى أكثر من عشرين دولة ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 800 شخص. وحاولت الحكومة الصينية في البداية إخفاء شدّة الوباء، لكن تستّرها عنه لم يدم طويلاً بعدما كشف طبيب رفيع المستوى عن تفشي هذا الفيروس في حينه.
وأوضح علماء صينيّون في وقت سابقٍ من هذا الشهر أن الفيروس المسبّب لحالات الإصابة الراهنة المتفشّية، يختلف عن الفيروس الذي كان قد تمّ تحديده من قبل. وأفاد مسؤولون صحّيون إن الأعراض الأولية للفيروس التاجي الجديد هي الحمّى بشكل أساسي، بحيث يعاني البعض من سعال وضيق في الصدر وصعوبة في التنفس. وأظهرت فحوصات مخبرية أجريت على بعض المرضى وجود سائل في الرئتين يطابق الالتهاب الرئوي الفيروسي.
وأكّدت "منظّمة الصحّة العالمية" التي أُبلغت لأول مرّة بمجموعة الأمراض المنتشرة في ووهان Wuhan في الحادي والثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) أن المرض الجديد تمّ عزله من أجل درسه في السابع من يناير (كانون الثاني) بعد استبعاد أن تكون أسبابه شبيهة بفيروسات أخرى مثل "سارس" و"إنفلونزا الطيور" و"ميرس". وأشارت إلى أنها تتابع عن كثب تفشّي المرض الراهن.
هل فيروس "كورونا" هو معد؟
اعتقدت السلطات الصينية في البداية أن كلّ حالة مؤكّدة كانت مرتبطة بسوق المأكولات البحرية في مدينة ووهان، وأن مئات الأشخاص الذين كانوا على اتّصال وثيق بالمرضى الذين تم تشخيصهم لم يتعرّضوا للإصابة بأنفسهم، ما دفع بلجنة الصحّة التابعة لبلدية المدينة إلى التمسّك بالقول إن الفيروس لا ينتقل بسهولة بين البشر.
لكن "لجنة الصحّة الوطنية الصينية" عادت وأكّدت يوم الإثنين الفائت وقوع أول نماذج إصابات بالفيروس القاتل الذي ينتقل من إنسان إلى آخر. ونسبت وسائل إعلام حكومية إلى تشونغ نانشان الخبير في جهاز التنفّس قوله إن شخصين في مقاطعة غوانغدونغ في جنوب البلاد أصيبا بالمرض، من خلال انتقاله بين أفراد العائلة. وأوضح تشونغ إن الشخصين في غوانغدونغ لم ينتقلا إلى ووهان، لكن أفراداً من أسرتهما كانوا في المدينة وعادوا منها.
يأتي هذا الإعلان على أثر ارتفاع حادّ في عدد الحالات خلال عطلة نهاية الأسبوع، بحيث لم تكن لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من المرض أي صلة مباشرة بسوق مدينة ووهان مصدر الفيروس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كيف تصرّفت الصين حيال فيروس "كورونا"؟
أعلن الناطق بإسم وزارة الخارجية الصينية غنغ شوانغ يوم الإثنين أن بلاده "تبذل قصارى جهدها لمعالجة الوضع". وإضافةً إلى إثارة القضية على الفور مع "منظّمة الصحّة العالمية"، أبلغت سلطات بكين بلداناً أخرى في المنطقة بالأمر وواصلت اتصالها معها، واتّخذت تدابير للتحكّم في حركة الأشخاص الذين يغادرون المدينة.
ولجأ بعض الصينيّين إلى تدابير طوعية للحدّ من مخاطر التعرّض للإصابة بالفيروس، في وقتٍ تشهد فيه البلاد الآن أكبر حركة انتقال بشري في العالم، يقوم خلالها الصينيّون بالسفر إلى الخارج لقضاء عطلة الاحتفال بحلول السنة القمرية الجديدة أو رأس السنة الصينية.
وبحسب ما يتمّ نشره على منصّة "ويبو" للتواصل الاجتماعي، يتشارك الأفراد نصائح الوقاية من الفيروس مثل ارتداء الأقنعة وغسل الأيدي وتناول طعامٍ خفيف وتجنّب الأماكن المزدحمة. وأكّد آخرون في المقابل أنهم ألغوا خطط سفرهم لتمضية عطلة السنة الجديدة.
وأشادت وسائل الإعلام الرسمية بالتطوّر الواضح للردّ الرسمي منذ اندلاع فيروس "سارس" القاتل قبل نحو سبعة عشر عاما. وجاء في افتتاحية صحيفة "غلوبال تايمز" التي تديرها الدولة أنه "في الأيام الأولى من تفشّي ’سارس‘ تأخّرت التقارير وتمّ التستّر عليها. لكن هذا النوع من الأشياء يجب ألا يحدث مرّةً أخرى في الصين." وأضاف المقال الافتتاحي للصحيفة: "قطعنا خطوات كبيرة في مجال الطب وإدارة الشؤون الاجتماعية والرأي العام منذ العام 2003".
وأكّدت "منظّمة الصحّة العالمية" من جانبها أنها مطمئنة إلى استجابة السلطات الصينية، مشيرةً إلى أنها لا ترى أن هناك حاجة لتقديم أيّ توصيات أخرى بعدم السفر إلى الصين في الوقت الراهن.
ما هو الوضع خارج الصين؟
بدأت ما لا يقل عن ست دول من بلدان آسيا وثلاثة مطارات أميركية فحص المسافرين الوافدين على متن طائرات شركات الطيران من وسط الصين. وأظهرت مقاطع فيديو منشورة على الإنترنت أفراداً يرتدون ثياباً واقية وهم يفحصون درجة حرارة ركّاب الطائرة الواصلين إلى ماكاو، وهي منطقة إدارية صينية خاصة، شخصاً تلو الآخر. وأكد موظّف يُدعى يانغ يعمل في مكتب الصحّة في ماكاو عبر الهاتف أن عمليات الفحص هذه تجرى فعلاً في منطقة جنوب الصين.
وأعلنت السلطات الرسمية في كلٍّ من تايلاندا واليابان عن اكتشاف ثلاث إصابات بالفيروس على الأقل حتى الآن، جميعها تشمل مسافرين وصلوا حديثاً من الصين. وأكّدت "منظّمة الصحّة العالمية" أن جهود تعقّب الاتّصال جارية. وفي اليابان، عملت الحكومة على التنسيق عبر الوزارات لتقييم احتمال خطر تفشّي المرض واحتوائه.
وأبلغت كوريا الجنوبية عن حدوث أول حالة لديها يوم الإثنين الفائت، عندما أكّدت إصابة امرأة صينية تبلغ من العمر خمسةً وثلاثين عاماً من مدينة ووهان بفيروس "كورونا" الجديد، بعد يوم من وصولها إلى مطار إنتشيون في سيول. وأوضحت "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في كوريا الجنوبية" في بيان أصدرته، أن المرأة تمّ عزلها في مستشفى تديره الدولة في مدينة إنتشيون غرب العاصمة.
( تقارير إضافية من الوكالات )
© The Independent