Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتصدع التمسك الأوروبي بالاتفاق النووي مع طهران؟

إيران تحذر من تداعيات الاجراءات الأوروبية على تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية

اجتماع في فيينا يوم 6 يوليو 2018 في محاولة لإنقاذ الصفقة النووية بعد شهرين من إعلان الرئيس دونالد ترمب انسحاب أميركا أحادي الجانب (أ.ف.ب)

حذّر رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني الأحد 19 يناير (كانون الثاني)، من تداعيات لم يحددها على علاقة بلاده بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حال تصرفت الدول الأوروبية التي فعّلت آلية فض النزاعات على نحو "غير عادل".

وقال لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، إن "ما فعلته الدول الأوروبية الثلاث تجاه المسألة النووية الإيرانية مؤسف"، وأضاف في إشارة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، "نعلن بوضوح أنه في حال استخدمت أوروبا، لأي سبب كان، المادة 37 من الاتفاق النووي بشكل غير عادل، فستتخذ إيران قراراً جدياً حول تعاونها مع الوكالة".

وتابع "المسألة لا تتعلق بسلوك إيران بل بتهديدات أميركا التي دفعت دولة أوروبية مهمة (لاتخاذ موقف) مهين وغير عادل".

تصدع التمسك الأوروبي

وكل يوم كانت تظهر تصدعات جديدة في جسد التماسك الأوروبي حيال اتفاق إيران النووي، بفعل عوامل عدة أبرزها التهديدات الأميركية والابتزاز الإيراني وخروج بريطانيا القريب من الاتحاد الأوروبي. فقد بدا من تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ووزير خارجيته ومسؤولين أميركيين، أن بريطانيا قد تصطف إلى جانب الولايات المتحدة فيما يخص إيران، وتتخلى عن المواقف الأوروبية التي لازالت تتأرجح وتتردد في مواجهة عدم التزام طهران ببنود اتفاق 2015 النووي.

وقبل أيام خرج بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا بتصريحات قال فيها، إن "الاتفاق النووي مع إيران يمكن استبداله باتفاق جديد، أسماه "اتفاق ترمب"، معللاً ذلك أنه بطريقة أو بأخرى يجب علينا منع الإيرانيين من اقتناء سلاح نووي، وهو ما تفعله خطة العمل المشتركة التي تُسمى باتفاق إيران النووي، ولكن إذا كنا سوف نتخلص من هذه الاتفاقية، فسوف نحتاج أن نستبدلها باتفاق آخر هو "اتفاق ترمب".

بداية التصدع

تصريحات جونسون، فسرها مراقبون على أنها بداية تصدع كبير في موقف الترويكا الأوروبية من الاتفاق النووي، والذي يضم ألمانيا وفرنسا إضافة إلى بريطانيا، إذ لم تكن تصريحاته مجرد بالون اختبار، وإنما جزءاً من سياسة بريطانية بدت تتبلور مع اقتراب بريطانيا من خروجها رسمياً من الاتحاد الأوروبي، وقد أكد دومينيك راب وزير خارجية بريطانيا هذا التوجه حين قال أمام أعضاء البرلمان في لندن، إن "إيران تشكل تهديداً للاتفاق النووي بسبب عدم انصياعها المنتظم ببنود الاتفاق"، مشيراً إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً، وليس فقط ترمب، يبحث فكرة عقد اتفاق أوسع نطاقاً مع إيران، بحيث يعالج أولاً بعض عيوب الاتفاق النووي الحالي، والذي لا يعتبر مثالياً، وثانياً قد يعالج هذا الاتفاق الأوسع مصادر القلق لدى الولايات المتحدة ودول أخرى عدة من أنشطة إيران المثيرة لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

وما يؤكد أن ثمة تواصل أميركي – بريطاني قوي في هذا الإطار، هو ما قاله ريتشارد غولدبيرغ المستشار الأمني السابق لترمب، إن "واشنطن قد تشرع في عقد اتفاق تجاري مع بريطانيا فور خروجها من الاتحاد الأوروبي، بشرط دعم لندن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيال إيران".

قرارات صعبة

وتقول إيريكا موريت، رئيسة شبكة العقوبات الدولية في جنيف، إن "بريطانيا سوف تواجه قرارات صعبة للغاية عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي، إذ يتعين عليها أن تحسم موقفها، إما أن تظل مرتبطة بحلفائها الأوروبيين الراغبين في اتخاذ قرارات متسقة في سياساتهم الخارجية، أو أنه من الأفضل لها أن تضع مصالحها التجارية في المقدمة، وهنا سوف يشكل الموقف من إيران اختباراً مثيراً ومفصلياً بالنسبة إلى بريطانيا.

وبينما أعلنت إيران هذا الشهر أنها سوف تتجاهل القيود المتعلقة بتخصيب اليورانيوم كافة ضمن أنشطتها النووية، فإنها تصر على أن اتفاق 2015 النووي يسمح لها بذلك، لأن الولايات المتحدة كانت أول الموقعين الذين خرجوا من الاتفاق، بحسب تصريحات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف. غير أن الموقعين الأوروبيين على الاتفاق وهم ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، أطلقوا رسمياً آلية فض النزاع النووي، والتي تشكل جزءاً من اتفاق 2015، وهي عملية قد تنتهي في مجلس الأمن الدولي بإعادة العقوبات الأممية على إيران مرة أخرى، بما في ذلك الإبقاء على حظر تصدير السلاح لإيران.

وإذا حدث ذلك، يتوقع بيتر جينكنز سفير بريطانيا السابق، الذي أجرى مفاوضات مع الإيرانيين خلال عمله لدى وكالة الطاقة الذرية، أن يبدأ الإيرانيون في استخدام أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدماً التي يمتلكونها الآن، لإنتاج اليورانيوم المخصب في فترة زمنية أقصر مما كان عليه الأمر قبل عقد من الزمان، ويمكن أن تمكنهم هذه الأجهزة من زيادة نسبة التخصيب إلى 90 في المئة وهو المستوى اللازم لإنتاج أسلحة نووية.

ورقة ضغط

ومع ذلك، فإن أوروبا لا زالت تحتفظ بورقة ضغط قوية ضد إيران، ففي حين ينتظر أن ينتهي في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل الحظر الدولي على تزويد إيران بالسلاح والذي فرضته الأمم المتحدة عام 2007، فإن أوروبا تستطيع أن تهدد باستخدام آلية فض النزاع النووي أو آلية تسوية المنازعات، بما في ذلك إعادة حظر السلاح على إيران، إلا إذا توقفت طهران عن تخصيب اليورانيوم تماماً.

وبحسب مراقبين، فإن أوروبا قد تلجأ إلى التهديد بذلك قبل شهر أكتوبر بفترة وجيزة، نظراً لحرص الإيرانيين على رفع حظر تصدير السلاح عليهم، لكن آخرين يرون أن الدول الأوروبية الثلاث ستحاول شراء الوقت، وقد تنتظر حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل قبل اتخاذ قرار حول مستقبل الاتفاق النووي مع إيران.

غضب وتهديد أميركي

ولا يخف الغضب الأميركي من حالة التردد والتململ الذي اتسم بها الموقف الأوروبي حيال إيران، إذ كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن البيت الأبيض هدد ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بفرض تعريفات جمركية على صادراتهم من السيارات إلى الولايات المتحدة، إذا لم يلجأوا إلى آلية فض النزاع النووي، فقد استغرق الأمر تسعة أيام للبدء في اتخاذ الاجراءات الرسمية، وأمامهم الآن حوالى أسبوعين لعقد لقاء مع طهران لحل مخاوفهم من عدم التزام إيران بالكامل بقيود تخصيب اليورانيوم.

وإذا فشلت هذه الجهود، سيُرفع الأمر إلى لقاء آخر على مستوى وزراء الخارجية لاتخاذ قرار خلال 15 يوماً أو أكثر قبل طرح القضية على مجلس الأمن.

ابتزاز إيراني

وعلى الرغم من أن التهديد الأميركي اعتبره خبراء سياسيون الأكثر فظاعة مع حلفاء مقربين للولايات المتحدة، إلا أن الصمت الأوروبي وعدم الرد على الابتزاز الإيراني كان مثيراً للدهشة، حين صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه إذا ضغطت دول الاتحاد الأوروبي على طهران بشأن برنامج التخصيب، فإن جنوداً أوروبيين قد يتعرضون للخطر، وهو ما لم ترد عليه عواصم أوروبية.

ويقول محللون سياسيون في واشنطن، إن "سبب الابتزاز الإيراني يعود إلى عدم اتسام الموقف الأوروبي بالشجاعة في مواجهة الترهيب الإيراني منذ مايو (أيار) الماضي، حين أعلنت إيران أنها لن تلتزم بالحدود المتفق عليها لتخصيب اليورانيوم، حيث أظهر الأوروبيون تثاقلاً في التعامل مع طهران على الرغم من أجراس الانذار التي أطلقتها هذه الخطوة، فقد شجع ذلك النظام الإيراني على تجاهل شروط الاتفاق النووي بينما فض القادة الأوروبيون في كل من باريس ولندن وبرلين أيديهم".

فقدان الرؤية

لقد بدا أن الأوروبيين أقنعوا أنفسهم أن أفعال طهران مبررة ومتوقعة، وبمثابة رد فعل طبيعي على انسحاب ترمب من الاتفاق النووي، وفي غمرة حماسهم الإبقاء على الاتفاق على قيد الحياة لمنح شركاتهم صفقات بمئات المليارات من الدولارات، فقد الأوروبيون رؤيتهم إزاء أهداف الاتفاق النووي، وهو منع إيران من أن تشكل تهديداً نووياً.

ويظل السؤال هو: هل يواصل الأوروبيون مسعاهم بتفعيل آلية فض النزاع النووي، أم أن التباين بين موقف فرنسا الساعي للحفاظ على الاتفاق عبر الحوار، وموقف بريطانيا المتماثل مع موقف ترمب بأن الاتفاق النووي مات وانتهى، سوف يحدث شرخاً آخر في جدار التماسك الأوروبي؟

المزيد من تحلیل