Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مؤتمر برلين" حول ليبيا... هدفان و3 مسارات

ذهب البعض إلى التساؤل: هل تهيئ برلين إلى تدخل دولي يعيد مشهد عراق ثانٍ؟

تشهد العاصمة الألمانية أنظار العالم، اليوم الأحد، بانعقاد جلسات "مؤتمر برلين" الذي يهدف للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية بعد سنوات من الصراع المسلح، الذي امتدت آثاره لتشمل المحيط الإقليمي لها. وينظر لهذا المؤتمر بأهمية خاصة لأسباب عدة يتقدمها المشاركة الدولية الواسعة في فعالياته، والدعاية الكبيرة التي مهدت له قبل شهور من انطلاقته، باعتباره سيحدث نقلة جذرية في الملف الليبي من المسار العسكري، ليعيده إلى طاولة الحوار السياسي ويقرب وجهات النظر بين الأطراف الدولية والاقليمية المتدخلة في أزمة ليبيا والمرتبطة بأطرافها، وهو ما يميزه عن مؤتمرات عدة ناقشت الأزمة الليبية من دون التطرق إلى هذا العنصر والمحرك المهم للصراع الليبي _الليبي.

هدفان وثلاثة مسارات

ويهدف "مؤتمر برلين" كما صرحت ألمانيا منذ الإعلان عنه، إلى تقريب وجهات النظر وإنهاء الانقسام الدولي حول ليبيا عبر الحوار بين القوى الدولية والإقليمية المؤثرة والمتأثرة بالمشهد الليبي، وهو ما تعبّر عنه بوضوح قائمة المدعوين لاجتماع برلين.

وفرضت التطورات الأخيرة المتعلقة بإعلان هدنة عسكرية وما تبعها في حوار موسكو، مساراً جديداً داخل المؤتمر يشمل قيادتي أطراف الأزمة الليبية ممثلة في قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة "الوفاق" فايز السراج، للاستفادة من هذه الهدنة وتحويلها من مؤقتة إلى دائمة عبر حوار نسقت له بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ليغطي ثلاثة مسارات "الأمني والاقتصادي والسياسي"، التي يدور في فلكها "المُختلف عليه بين فرقاء ليبيا".
 


3 فروقات في برلين

وعدّد المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة ثلاثة فروقات جوهرية تميّز مؤتمر برلين عن أي اجتماعات دولية سابقة دارت حول الأزمة الليبية، قائلاً في تصريحات صحافية إن "الفرق الأول يتمثل في تحضيرات بدأت منذ خمسة أشهر للتوصل إلى ترميم الموقف الدولي من المسألة الليبية".

والاختلاف الثاني بحسب سلامة، يتمثل بفصل المظلة الدولية التي ستنشأ في برلين عن الحوار الليبي الداخلي، الذي سيحصل في مسارات ثلاثة "اقتصادي وسياسي وعسكري"، وبدأ منذ مطلع العام الحالي، وثالث الاختلافات هو انبثاق "لجنة متابعة" من كبار المسؤولين الذين اجتمعوا منذ أغسطس (آب) الماضي، وستعمل مع البعثة لتنفيذ الاتفاقات.

كما ذكر أن واشنطن باتت أكثر انغماساً في تفاصيل "مؤتمر برلين" بعدما كان موقفها "مشوشاً"، مبدياً أمله بإنشاء حكومة وحدة وطنية يفرزها الحوار الليبي – الليبي خلال الأسابيع المقبلة، بحيث يتم وضع حد لوجود حكومة في طرابلس وحكومة موازية أخرى في بنغازي.

ما هي فرص النجاح؟

ومع توافد المشاركين إلى المؤتمر وبدء الترتيبات الأخيرة لانطلاق جلساته، قال قطاع واسع من المراقبين داخل ليبيا وخارجها، إنه "من الصعب أن ينجح مؤتمر برلين في صوغ حل شامل للأزمة وتفكيك الملفات المعقدة فيها في جلسات تدور على مدار يوم أو يومين"، مستندين في ذلك إلى مواصلة الطرفين رفض الجلوس إلى طاولة واحدة للتفاوض مثلما كان عليه الحال في حوار موسكو قبل أيام، ما يؤشر إلى أنهما غير مستعدين لقبول تقديم تنازلات بشأن مسائل خلافية كانت شرارة الانقسام وانتهت بالاحتكام إلى السلاح، إضافة إلى تعارض مصالح الأطراف الدولية والإقليمية في ليبيا، خصوصاً مصر وتركيا وفرنسا وإيطاليا، التي ستجلس على طاولة الحوار وبينها ما بينها من تباين وجهات النظر حول الملف الليبي .

وفي تصريح لـ"اندبندنت عربية" السبت، قال غسان سلامة " أنا لست متشائماً لأقول أنه لن تكون هناك جدوى من اجتماعات برلين، ولكنني لست ساذجاً لأقول أنه سينجح في إنهاء الانقسام الدولي حول ليبيا. إلا أننا لو نجحنا في تهدئة الأوضاع وتهدئة حدة هذا الانقسام وفهم أسبابه، ما هو إقليمي وما هو دولي، سنكون حققنا شيئاً جيداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتوقع المحلل السياسي الليبي محسن ونيس أن يغير "مؤتمر برلين" المشهد نحو الأسوأ، قائلاً "نقطة برلين ستغير المشهد الليبي بشكل مختلف ليكون أكثر خلافاً مما سبق، ننتظر النقاط الفضفاضة، إلا أن تواصل تجهيز العسكر والمقاتلين من قبل تركيا خرق للهدنة، لا يمنحنا إلا قراءة الموقف بشكل جد سلبي ويشير إلى ضرورة استمرار التحرير العسكري من دون إهدار مزيد من الوقت".

واتفق مع هذا الرأي رئيس مجموعة العمل الوطني الليبي خالد الترجمان بقوله، "على الرغم من الإعداد والتمهيد الألماني الجيد لجلسات المؤتمر، فأرى أليست هناك فرصة كبيرة لنجاح قد يتصوره البعض، فالحل الوحيد الذي أراه لازماً للنجاح هو إيجاد آلية لترتيبات أمنية وعسكرية، يكون طرفها الأساسي الجيش الوطني وحل الميليشيات وجمع السلاح بيد الدولة، وبالتالي استعادة الأمن والاستقرار للذهاب بعد ذلك لحوارات سياسية تقوم على تبادل وجهات النظر حول المفاهيم الاقتصادية والدستور وكل ما يشغل بال الليبيين. ولكنني أرى أن الذهاب في هذا الاتجاه بعيد جد في ظل وجود تركيا وصعوبة قبول ميليشيات طرابلس بمسألة تفكيكها، واستحالة قدرة السراج على إقناعها أو إرغامها على القبول بهذا الخيار، وصعوبة أن يرضى الجيش عنه بديلاً، لذلك أرى فرص النجاح قليلة وقليلة جداً".

توقعات أميركية متواضعة

وفي تصريح مفاجئ، اعتبرت الخارجية الأميركية أن التوقعات متواضعة بشأن "قمة برلين" حول ليبيا، وشبهت الصراع الليبي بالذي يحدث في سوريا.

ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية السبت، قوله إن "الصراع في ليبيا بات يشبه الصراع السوري بشكل متزايد"، قبل استضافة برلين قمة لبحث الأزمة.

وقال المسؤول للصحافيين المرافقين لوزير الخارجية مايك بومبيو، عندما سئل عن فرص نجاح القمة، "أعتقد أنها معقدة للغاية والكل متشبث بموقفه لذا فإن توقعاتي متواضعة".

هل تهيئ برلين لتدخل دولي؟

وعبّرت أصوات ليبية عدة عن قلقها من أن يؤدي "مؤتمر برلين" لإقرار تدخل دولي في ليبيا لحفظ السلام، إذا فشلت الأطراف الليبية في التوصل لتفاهمات توقف الحرب وتعيد المسار السياسي. ولكن بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة وبقاء ليبيا حتى الآن تحت البند السابع في مجلس الأمن، يبدو هذا الخيار قائماً بل مرجحاً إذا ساءت أحوال التفاوض ووصلت إلى درب مسدود.

ويتساءل الصحافي الليبي محمود شمام "إذا نقلت برلين ثم جنيف ليبيا من الحرب بالسلاح إلى الحرب بالرؤى والأفكار، سيكون ذلك خريطة للنجاح ولكن هل يمكن تحقيق ذلك من دون وجود قوات حفظ سلام دولية؟".

من جهته، عبر محسن ونيس عن عدم تفاؤله بـ"مؤتمر برلين"، وذهب إلى توقع فرض التدخل الدولي، قائلاً "هذا التجمع الكبير في برلين يُقلق أكثر مما يطمئن، إذ يمثل حضور معظم القادة فقدان الثقة ووجوب المواجهة، الأمر سينعكس على الوضع في ليبيا بشكل غير مسبوق، أتمنى أن يكون إيجابياً، ولكنني لا أرى إلا أنه عاصفة التدخل المباشر الدولي وإرساء قواعده وإعادة مشهد بائس لعراق آخر مقبل".

صعب وسهل ممتنع

ويرى مراقبون أن أطراف النزاع في ليبيا وخارجها، الذين يسعى المؤتمر إلى التقريب فيما بينهم، لن يكون حوارهم سلساً ولن يكون توصلهم لصيغ توافقية هيناً بالنظر إلى مواقفهم الأخيرة من بعضهم البعض، والتصريحات التي أطلقتها كل الأطراف بكثافة قبل المؤتمر، التي بيّنت نقاط الخلاف العميقة، وسيكون من  الصعب التوصل إلى تفاهمات بشأنها، بينما بعض النقاط سيكون سهلاً المضي فيها إلى الأمام، ولكن ليس بشكل سلس نظراً للمواقف المتعنتة التي من المرجح أن تتمسك بها بعض الأطراف، خصوصاً الليبية منها، ومن يقف خلفها من القوى الدولية والإقليمية.

ويرى الصحافي الليبي مراد الرياني، أن "فشل المؤتمر ونجاحه مرتبط بنقاط يعرفها الجميع متعلقة بسحب تركيا لقواتها ومعداتها العسكرية والمرتزقة الذين جلبتهم إلى طرابلس، وحل الميليشيات المسلحة وتمكين الجيش من دخول العاصمة، وهي بلا شك مسائل سيتمسك بها حفتر ويصر عليها، بينما سيتمسك خصمه السراج بانسحاب الجيش إلى مواقعه قبل الرابع من أبريل (نيسان) الماضي ووقف إطلاق النار، ومن المرجح قبوله بتعديل على حكومته على أن يبقى في منصبه، ولا أتوقع أبداً أن يقبل حفتر والسراج بما يطلبه الطرف الآخر، إلا إذا حدثت معجزة قلبت الموازين وغيرت النتائج المحتملة".

ماذا بعد؟

ويتساءل مراقبون للمشهد الليبي وكواليس "مؤتمر برلين" ماذا بعد نجاح أو فشل المؤتمر؟ ما السيناريوهات المتوقعة وإلى أين ستمضي بالبلاد؟

وذهبت كل التوقعات إلى ترجيح أربعة احتمالات في ليبيا ما بعد برلين، الأول تثبيت الهدنة والاتفاق على سلام دائم بإشراف دولي. والثاني فشل المفاوضات وفرض استمرار وقف إطلاق النار بقوة دولية. والثالث انهيار المفاوضات لتتبعها الهدنة وتشتعل المعارك من جديد.

وهناك سيناريو قاد حدة الاصطفاف وعمّق الخلاف بين معسكري الصراع الليبي إلى مطالبات غير مسبوقة، يتمثل في اقتسام البلاد باعتباره حلاً أخيراً لخلاف استنزف كثيراً من المقدرات والدماء، وهذا الخيار الرابع كانت أصوات كثيرة قد صدحت بالتحذير من وقوعه وانزلاق البلاد إليه طيلة السنوات الخمس الماضية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي