Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاحتراف والوصول إلى العالمية... حلم يراود عشاق الفضاء وعلوم الفلك في فلسطين

"عام 1997 تحقق حلمي بشراء تلسكوب صغير، وكنت أدعو أولاد إخوتي وأخواتي لدى زيارتي في البيت، لمشاهدة القمر وتتبع حركته الشهرية"

صورة حصرية لـ "اندبندنت عربية" لسديم الوردة (تصوير سامح عثمان)

" كنت عندما أنهمك مع والدي في زراعة الأرض، أرفع رأسي إلى السماء، فأتأمل القمر بعيداً وأراه كحبة ثلج صغيرة، فيغمرني الفضول والشوق، ماذا يوجد هناك خلف القمر؟ حتى امتلكتني رغبة قوية في شراء تلسكوب يشبع فضولي، وفّرت نصف ثمنه "تحويشة" من حصالتي، والنصف الثاني أكملته عائلتي، ليتحقق آنذاك حلمي بامتلاك تلسكوب."

 

 

"الفيزياء والفلك في حياتي"

"عام 1997 تحقق حلمي بشراء تلسكوب صغير، وكنت أدعو أولاد إخوتي وأخواتي عند زيارتي في البيت، لمشاهدة القمر وتتبع حركته الشهرية". وقالت وفاء خاطر في حديث مع "اندبندنت عربية"، "ترعرعت وسط عائلة ريفية متواضعة، من قرية عين سينيا شمال مدينة رام لله، في الضفة الغربية، تَفلح وتزرع لتعيش. وما أن أنهيت الثانوية العامة بامتياز، حتى درست الفيزياء في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، وبفضل تلسكوبي الصغير، نفّذت مشروع تخرجي في البكالوريوس في العام 1998 عن تطوّرات النجوم، انتقلت بعدها لاستكمال دراستي العليا في النرويج بين عامَي 1998 – 2003، حيث تخصصت في فيزياء الجسميات الدقيقة والمتسارعات العالية الطاقة (جسيم هيكز بوزن، أو ما يعرف بجسيم الشيطان) وكنت أول فلسطينية، تتخصص في هذا المجال الدقيق في الفيزياء، وحصلت على منحة زمالة مع المركز العالمي للفيزياء النظرية في إيطاليا."

كنت أميل خلال تواجدي في جامعة بيرغن في النروج، إلى اختيار مواد دراسية متعلقة بفيزياء الكون، وأشارك دوماً بأمسيات فلكية طلّابية. وتعود خاطر بالذاكرة قائلة "قطعت مسافة أربع ساعات تقريباً بالطائرة، من الساحل الغربي إلى أقصى شمال النروج، لمشاهدة ظاهرة فلكية نادرة الحدوث تُعرف بالشفق القطبي، لا أنسى انبهاري آنذاك، كيف اختلط الضوء الأخضر بالأزرق والزهري في السماء، ليشكلوا معاً لوحة فنية فلكية ساحرة، فجسيمات الأشعة الكونية من الشمس أو النجوم، حين تتفاعل في المجال الجوي للكرة الأرضية، وخاصة في المناطق القريبة من القطبين الشمالي والجنوبي، حيث تحدث تصادمات ضوئية تُعرف فلكياً بالشفق القطبي."

وتضيف خاطر التي لم تغب عن أي فعالية فلكية في جامعة بيرغن، "ترأست دائرة الفيزياء في جامعة بيزريت في الضفة الغربية في العام 2013، وبدأت بتشكيل نواة نادٍ فلكي لطلاب الجامعة، الذين كانوا يترددون دوماً لمشاهدة القمر وبعض النجوم عبر تلسكوب حجمه ثمانية إنشات، وكنت أُدرب الطلاب على كيفيه استخدامه وضبطه، ولم يكن يتجاوز عدد الطلاب حينها الـ 15 طالباً."

مرصد ميشل وسنية حكيم الوحيد في فلسطين

وتقول وفاء خاطر "لا يوجد فلسطيني واحد يحمل شهادة متخصصة في علم الفلك، ولذلك نبعت الحاجة إلى ضرورة وجود مرصد فلكي متخصص، ينشر الثقافة الفلكية في المجتمع الفلسطيني، وتأسيس المرصد في جامعة بيرزيت احتاج في بداية الأمر إلى دعم مادي كبير جداً، من حيث البنية التحتية، والتلسكوبات، وتحضير البناء الداخلي، وبالفعل، حصلنا على تبرع من عائلة حكيم من الولايات المتحدة الأميركية، لبناء مرصد فلكي."

ويضمّ المرصد الفلكي الذي افتُتح في سبتمبر (أيلول) 2015 يضم تلسكوباً من نوع 16 إنشاً، وهو الأكبر والأكثر تطوراً في فلسطين، إضافة إلى عدد آخر من التلسكوبات الحديثة، فهناك تلسكوب شمسي داخل المرصد متخصص برصد الشمس، يقف إلى جانب جهاز آخر يعمل على تحليل أطياف النجوم والأجرام السماوية مزوّداً بكاميرا فلكية متخصصة.

ولإبراز دور الجامعة فلسطينياً وعالمياً في نشر الثقافة الفلكية، يستقبل مرصد "ميشل وسنية حكيم" زواراً وضيوفاً محليين وأجانب، كما ينظم نشاطات سنوية، من استقبال طلاب الجامعة الجدد والقدامى وأقاربهم ومعارفهم وتلاميذ المدارس، بهدف تعريفهم على مبادئ علم الفلك والرصد.

ويعقد المرصد فعاليات الرصد الشمسي، والأمسيات الفلكية داخل الجامعة لمراقبة الظواهر الفلكية، مثل خسوف القمر في العام 2015 والبدر العملاق في العام 2017 واقتران الكواكب والقمر، وتَمكن من تنظيم نشاط تصوير الأجرام السماوية والكواكب، مثل المشتري مع أقماره، وزحل مع حلقاته، وسديم الجبار.

صورة-من داخل المرصد الفلكي في جامعة بيرزيت، الضفة الغربية

رؤية مستقبلية

"صحيح أن "مرصد ميشل" موجود داخل جامعة بيرزيت، كأول مرصد فلكي في جامعة فلسطينية، والتلسكوب الذي يبلغ 16 إنشاً هو أول تلسكوب بهذا الحجم في كل فلسطين، والأكبر حجماً". وتابعت خاطر "لكن مقارنةً بمراصد فلكية أخرى كما في الولايات المتحدة وأوروبا، هو بدائي جداً".

ووروت خاطر "بدأنا في مرصد ميشل بتلسكوب صغير، ومن ثم أصبح لنا مكان مفتوح ومخصص للرصد بالتلسكوبات المحمولة والثابتة، إضافة إلى مساحات مغلقة، وقبة فلكية دوارة كبيرة، وفي ما بعد، سنعمل على جلب أدوات تصوير فلكي وكاميرات حديثة للقيام بما يسمى فوتو متري (قياس لمعان النجوم)، وسنبدأ قريباً بتحليل الأطياف النجمية بما بات يُعرف بـ سبكترو متري، إلا أن الخطوة الأولى التي سنحافظ عليها هي الرصد الفلكي، فدائماً هناك أشخاص جدد، لم يتعرفوا بعد على علم الفلك والنجوم، وهناك مدارس، ومجتمع محلي، وجمعيات لم يسبق لها التعرف على التلسكوب، وتنبهر عندما تشاهد القمر والنجوم بحجم كبير عبر عدسته."

وتؤكد خاطر أن الهدف من تأسيس المرصد، يأتي أيضاً خدمة لدراسات جامعية عن علم الفلك في شكل تطبيقي، فهناك مادة دراسية اختيارية متاحة لطلاب الجامعة تسمى "الفيزياء الفلكية"، وتشهد إقبالاً من هؤلاء، رغبةً منهم في توسيع معرفتهم الفلكية، والمشاركة في النشاطات غير الأكاديمية عبر نشر التوعية الفلكية، بين مجتمع الجامعة.

وتستغرب خاطر، التي تملك ستة منشورات علمية عالمية في مجلات علمية، بتعاونٍ مع باحثين من أوروبا وأميركا، "من الأشخاص الذين لا يرفعون رأسهم إلى السماء، لرؤية القمر وحركة النجوم، ولا يكترثون بالقمر، ولا يعرفون أن شرط الخسوف هو أن يكون القمر بدراً، وشرط كسوف الشمس، أن يكون القمر محاقاً، فمن المفترض أن يفرّق كل طالب جامعي بين الأجسام المضيئة، أهي كوكب؟ أم نجم؟". وترى كأكاديمية وتربوية، أن مكافأتها الفعلية تكمن في رؤية طلاب الجامعة متعلمين محترفين، ينقلون الخبرة لغيرهم في علم الفلك، وعلى الرغم من دراستها الجسيمات الدقيقة جداً، إلا أن شغفها الحقيقي في الأجسام الضخمة والكبيرة كما تلك التي تسبح في الفضاء.

الفلك في المدارس

تعمل مشرفة المرصد الفلكي وفاء خاطر حالياً، على زجّ علم الفلك في المنهاج الدراسي الفلسطيني، وقامت بين عامي 2005-2006 بالمشاركة في تأليف كتاب الفيزياء لطلاب الثانوية العامة، وكتاب العلوم لعدد من الصفوف الأساسية والثانوية، وذلك بإدخال وحدة دراسية تتحدث عن علم الفلك تسمى "النظام الشمسي" لنشر الثقافة الفلكية قدر المستطاع عند الطلاب في المراحل الأساسية والثانوية، بينما سيكون المرصد مفتوحاً أمام طلاب المدارس للتطبيق العملي ورؤية الأقمار والكواكب وحركة النجوم، كما درسوا عنها في الكتاب.

 

تصوير فلكي الأول من نوعه في فلسطين

طالب الماجستير في الفيزياء، سامح عثمان 26 سنة الذي يُعتبر أحد مؤسسي النادي الفلكي داخل جامعة بيرزيت في العام 2014، يقول إن التجربة قادته وبالمصادفة إلى هواية التصوير الفلكي، "في العام 2014 أحضرت كاميرا تصوير عادية جداً، وقمت بوصلها بالتلسكوب الذي أحضره لنا الدكتور سليمان بركة من قطاع غزة كهدية للنادي وهو تلسكوب ثمانية إنشات، وأمضيت ليلتي بالكامل وأنا أراقب حركة النجوم، حتى خرجت بصورتي الأولى "ذراع المجرة"، ومن تلك الصورة، نبع لديّ حبٌ خاص بالفلك، وهو التصوير الفلكي وبالأخص الصور التي ألتقطها خارج المجموعة الشمسية كالسدم والمجرات."

مع افتتاح المرصد في العام 2015 وتطور التلسكوبات الموجودة، طلب عثمان من إدارة المرصد، أدوات التصوير الاحترافية التي مكنته فيما بعد من التقاط صور لكواكب المجموعة الشمسية، وما يوجد خارجها من سدم ومجرات، كصورٍ لسديم الجبار، وسديم الوردة، وسوغار غلاغسي، وجميعها من خارج المجموعة الشمسية، إذ يمضي سامح في كل صورة منها، من ست إلى عشر ساعات. ويقول "كلما زاد زمن التصوير، ارتفعت جودة الصورة."

أما عثمان فقال لـ "اندبندنت عربية" عن التصوير الفلكي في فلسطين، إن "كل صورة تلتقط للسدم والمجرات، تحتاج إلى تجميع 60 صورة تقريباً، تُقسم على ثلاثة فلاتر، وهي الهيدروجين، الذي يظهر اللون الأحمر، والكبريت الذي يظهر اللون الأخضر، والأوكسجين الذي يظهر اللون الأزرق، وكل فلتر من تلك الفلاتر يحتاج إلى 200 دقيقة ليلتقط اللون الصحيح، إذ تبقى عدسة الكاميرا الموصولة بالتلسكوب، مفتوحة لالتقاط الضوء المطلوب."

احتراف في ستة أشهر

وتابع عثمان "مشاركتي في مخيمات فلكية عالمية، كمخيم الفلك في إسبانيا وآخر في بريطانيا، ساعدتني كثيراً بالتقاط الخبرة من المشاركين الأوروبيين" يقول سامح، ففي غضون 3 أسابيع استطاع من خلال تلك المخيمات، معرفة التقنيات الصحيحة، والأدوات ذات الجودة العالية التي مكّنته من أخذ صور احترافيه للكواكب والمجرات والنجوم. ويطمح عثمان الذي يكمل دراسة الماجستير في الفيزياء داخل جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، إلى المشاركة في منافسات على المستوى العالمي والتخصص مستقبلاً في الفيزياء الفلكية.

هواة فلك يطمحون إلى العالمية

كذلك، تحدث طالب السنة الرابعة في الفيزياء، خطاب أبو الرب (22 سنة* والذي يعتبر نفسه هاوياً لعلم الفلك والفضاء، عن تعلقه بالتلسكوبات، وعشقه المتنامي لحركة النجوم والكواكب، ويقول "كان عمري 17 سنة عندما شاركت في أول مخيم فلكي ليلي في منطقة تل القمر في الضفة الغربية، حيث شاهدت حركة النجوم وتطورات شكل القمر، والوحيد بين أقراني ممَن كانوا داخل المخيم، كنت أملك تلسكوباً صغيراً، وشعرت حينها أنني أملك العالم بين يديّ، بل وأحمل كنزاً على الجميع رؤيته".

ويطمح خطاب الذي يرأس حالياً النادي الفلكي في جامعة بيرزيت، وعضو في جمعية فلك فلسطين، إلى أن يصل مع المهتمين بعلم الفلك إلى مرحلة تحليل البيانات من الطيف النجمي، وأن تكون هناك جمعيات ونوادٍ كثيرة تهتم بالفلك كعلم وليس كهواية فقط."

ومنذ أن ترأس خطاب نادي الفلك داخل الجامعة في العام 2014 وهو يشهد تزايداً في أعداد الطلاب المنتسبين إلى النادي، ويذكر أن أول أمسية فلكية للنادي لم تجمع أكثر من 15 مشاركاً، بينما وصل عدد المشاركين في آخر أمسية فلكية قبل أشهر إلى 1500. ويدل تزايد المهتمين إلى "أن هناك اهتماماً بعلوم الفلك والفضاء، من قبل المجتمع الفلسطيني، وخصوصاً لدى الفئات الشابة."

المزيد من علوم