Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جاك لانغ: أنا متفائل من النوع الذي لا يصدأ

رئيس معهد العالم العربي في باريس لـ"اندبندنت عربية": سأصدر كتاباً أشرح فيه كيف كانت ومازالت حضارة العرب ولغتهم جزءاً هاماً من تاريخ فرنسا

جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي في باريس (اندبندنت عربية)

نصيرٌ للحضارات الإنسانية في كل زمانٍ ومكان. متفائل شرس، لا يؤمن بأن الثقافة يمكن أن تموت. يُعرف بمشاريعه الثقافية والفنية التي عزّزت الحوار والتواصل الثقافي بين البشر. يرى في التنوع والاختلاف غنىً لمجتمعه وثروة لا تقدّر بثمن.

إنه المثقف والسياسي الفرنسي جاك لانغ الذي أخذ على عاتقه مهمة التعريف باللغة العربية في فرنسا وكل أوروبا. فمنذ أن كان وزيراً للثقافة في عهد الرئيس السابق فرانسوا ميتران، وإلى أن أصبح رئيساً لمعهد العالم العربي في باريس لم يهدأ عن العمل لنصرة الحضارة العربية وإعطائها المكانة التي تستحقها بين الحضارات العالمية.

التاريخ يسجّل لكن الذاكرة قصيرة

في حوارنا معه بدأنا من عشقه للحضارة العربية، حيث أنه لم يتوانَ أبداً عن التعبير عنه طيلة حياته، حتى قبل أن يصبح رئيساً لمعهد العالم العربي. وقد نوّه أن الحديث في هذا الموضوع يحتاج ثلاثة مجلدات من الكتب وأكثر لنكون دقيقين وشاملين نوعاً ما.  لكن وباختصار، انطلق بما لا يقبل الشك إطلاقاً، من أن "هذه الحضارة عظيمة جداً، استطاعت أن تمدّ البشرية منذ العصور القديمة وإلى اليوم بالعلم والمعرفة. فالتاريخ لا ينسى أن اللغة العربية نقلت معارف العهد الإغريقي القديم إلى كل أوروبا، من فلسفة وعلوم ورياضيات وفكر. ولم تكتفِ أبداً بدور الوسيط  و الجسر بين حضارات الماضي والحاضر، فأضافت واخترعت وأبدعت علوماً ومعرفة جديدة، وأسهمت في إحداث الكثير من المعلومات التي لم تكن تعرفها البشرية في الجبر والهندسة والطب، ما جعل منها حضارة عظيمة جداً".

التاريخ لا ينسى أن اللغة العربية نقلت معارف العهد الإغريقي القديم إلى كل أوروبا، من فلسفة وعلوم ورياضيات وفكر

وقال: "لا ينكر الإخصائيون والمؤرخون والمتعلمون والمثقفون فضل الحضارة العربية على عالم الأمس واليوم. لكن وللأسف الشديد فإن الذاكرة الإنسانية العامة قصيرة وغالباً ما يشوبها الجهل والنكران. ومن هذه النقطة تأتي أهمية معهد العالم العربي ليذكّر بمساهمات العرب الحضارية والمعرفية، وليؤكّد أنهم مستمرون في العطاء".

نعيش في عالمٍ مشوّش

وحوّل حديثه نحو الاتهامات التي تلاقيها الحضارة العربية، والعرب بشكل عام، من قبل بعض الجهلة الذين لم يقرؤوا التاريخ والواقع الراهن بشكلٍ جيد، حيث كثرت في الآونة الأخيرة الآراء التي تربط ما بين العربي والتطرف. وهنا أكّد قائلاً: "ليس هناك رد آخر أقوى من إشاعة المعرفة ونشر الثقافة. في مجتمعنا المعاصر ثمة أفكار مسبقة واتهامات نمطية بكمّ رهيب ومشوّه، ليس عن الثقافة العربية فقط. حالياً في كل مكان من العالم تسود ظاهرة فظيعة من الجهل. أذكر على سبيل المثال ما يحدث في الإيغور في الصين، إذ هناك رجال ونساء تتم تصفيتهم وطردهم واحتجازهم في معسكرات اعتقال. كذلك نرى كيف تقوم الحكومة القومية للسيد مودي في الهند بمعاملة المسلمين! هذا أمر مشين للغاية ومثير للسخط. المسلون جزء لا يتجزأ من تاريخ الهند. هذه خيانة للتراث وخيانة لرسالة غاندي نفسه".

في مجتمعنا المعاصر ثمة أفكار مسبقة واتهامات نمطية بكمّ رهيب ومشوّه، ليس عن الثقافة العربية فقط

ثم أضاف: "الأمثلة كثيرة وتكاد لا تحصى للأسف. لكن إذا أردنا مواجهة هذا الجهل علينا باستمرار أن نلجأ إلى العقل، إلى الذكاء وإلى المعرفة. هنا في أوروبا وفي فرنسا على وجه الخصوص، على المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى أن تلعب دوراً حيوياً في الترويج للفكر السليم من خلال شرح عظمة الثقافة العربية ومدى روعة لغتها، والإشارة إلى نشوء الإسلام وتعامله مع الأديان الأخرى. وبالعموم من الضروري إضافة مواد للمنهج المدرسي تسلّط الضوء على تاريخ الأديان والشعوب وحضاراتهم. عندما كنت وزيراً للثقافة والتعليم في فرنسا، أدخلت على المنهاج معلومات عن تاريخ الأديان ليطلع طلابنا بشكل موضوعي عليها وليكتشفوا بأنفسهم المساهمات الحضارية والإنسانية لكل دين ولكل ثقافة".

ووجّه لانغ رسالته لوسائل الإعلام الجماهيرية لتلعب دورها كوسائل تربوية معنية بنشر الوعي والمعرفة حول التعايش الثقافي البشري ليس فقط في فرنسا وإنما في كل أنحاء العالم. نحن في حالة تخبط حرجة تتطلب منا عملاً جماعياً تحتشد فيه كل الطاقات المجتمعية والثقافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أثق ببلاد القوس قزح

لم يخفِ جاك لانغ ثقته بمستقبل فرنسا كبلدٍ يحترم التعددية الدينية والثقافية للآخر بغض النظر عن عرقه ودينه. وأكّد أن التاريخ أثبت استطاعة فرنسا تجاوز التقلبات المختلفة وإعادة التواصل واللحمة بين الثقافات والأديان التي تغزل النسيج المجتمعي الفرنسي. مشيراً إلى أنه فيما يتعلّق بالثقافة العربية، سيُصدر كتاباً في الأسابيع القليلة القادمة يشرح فيه كيف كانت ومازالت حضارة العرب ولغتهم جزءاً هاماً من تاريخ فرنسا.

وعلى سبيل المثال، نوّه إلى أن الملك فرانسوا الأول في القرن السادس عشر، هو الذي فرض اللغة الفرنسية في إدارات الدولة والقضاء كلغة رسمية للتعامل، حيث أنها كانت وقتها لغة أقلية مقارنةً باللهجات واللغات الأخرى التي كانت سائدة. كما طلب الملك من "الكوليج دو فرانس" التي كانت أرفع هيئة تعليمية جامعية في البلد، إدخال اللغات اليونانية والعبرية والعربية على مناهجها.

أحلم بيومٍ نستطيع أن نقيم فيه، هنا في معهد العالم العربي، احتفالية تجسّد بشكل حيّ وملموس كيف تصبّ الروافد الثقافية واللغوية العربية في البحر الفرنسي.

"أحلم بيومٍ نستطيع أن نقيم فيه، هنا في معهد العالم العربي، احتفالية تجسّد بشكل حيّ وملموس كيف تصبّ الروافد الثقافية واللغوية العربية في البحر الفرنسي. ففي كافة المهن والحرف، من موسيقى، هندسة، علوم، رياضيات، فنون، طهي، طب، وغير ذلك، هناك شخصيات عربية تركت بصمتها المميزة والخاصة على الأراضي الفرنسية منذ قرون وحتى اللحظة الراهنة.

سأقتبس من مانديلا عندما وصف بلاده جنوب أفريقيا بقوس القزح. وها أنا اليوم أصف فرنسا الحقيقية بذات الوصف، بلاد متعددة الألوان والنكهات فيها من الغنى الحضاري البشري ما لا ينضب أبداً.. هذه ثروة لا تقدّر بثمن. وأنا سعيد جداً للتواجد في مثل هذا البلد، وأؤكّد أننا نجحنا شيئاً فشيئاً في خلق نوع من التخاصب الجميل. لكن هذا لا يمنع أنه من الطبيعي ظهور بعض العنصريين من الجهال والحمقى المتخمين بأفكار مغلوطة. ولا نملك باليد حيلة سوى إقناعهم ومخاطبتهم بالعقل".

رجال ونساء شجعان

الحديث عن النسيج المجتمعي المتنوع لفرنسا، أخذنا في حوارنا مع جاك لانغ نحو موجات الهجرة واللجوء في السنوات الأخيرة، والتي جاءت في معظمها من بعض بلدان العالم العربي مثل سوريا والعراق باتجاه الدول أوروبا حيث استطاعوا أن ينخرطوا في المجتمعات الجديدة، والتفاعل مع الحالة الثقافية العامة. منهم السينمائيون، المسرحيون، التشكيليون، الصحفيون، الأطباء والمهندسون وغيرهم من أصحاب المهن. وذكر على سبيل المثال الطهاة الذين أنشؤوا مطاعهم الخاصة وسمحوا للمجتمعات الغربية بتذوق أشهى وأطيب المأكولات والحلويات العربية والشرقية. 

لكن برأيه ومع ردود الفعل الدولية المتباينة إزاء قضية اللجوء الأخيرة، تبقى التجربة الألمانية هي الأفضل. فالألمان فهموا بشكلٍ جيد أن هؤلاء اللاجئين هم طاقات ومواهب بحاجة إلى الاحتضان والاستثمار. إنهم رجال ونساء شجعان تركوا كل شيء خلفهم، أماكنهم، ذكرياتهم، علاقاتهم، وأحياناً عائلاتهم وقطعوا الصحارى والبحار من أجل حياةٍ جديدة يجهلونها. هذا أمر يتطلب قوة رهيبة وقدرة هائلة للتغلب على الصعاب ومشاكل التأقلم والتواصل اللغوي. وهو أهم من جميع امتحانات الحياة بما في ذلك الاختبارات الأكاديمية.

الألمان فهموا بشكلٍ جيد أن اللاجئين هم طاقات ومواهب بحاجة غلى الاحتضان والاستثمار. إنهم رجال ونساء شجعان تركوا كل شيء خلفهم، من أجل حياةٍ جديدة يجهلونها

وقال: "الأمر ليس سهلاً أبداً. لكني أعتقد أنه من الضروري للغاية ان نفتح ذراعينا لهؤلاء اللاجئين ونرحّب بهم كثروة لمجتمعنا، والأهم أن نسهّل انخراطهم فيه نفسياً وعملياً".

على هامش الكلام عن اللجوء واللاجئين أشار جاك لانغ إلى التجربة الأفريقية، حيث موجات الهجرة الكبيرة تتجه نحو جمهورية جنوب أفريقيا التي استقبلت لاجئين من جميع الدول الأفريقية المجاورة، لكنها في حقيقة الأمر لم تكن لطيفة أو مضيافة ومارست مظاهر العنف عليهم. ما حصل دفعه لأن يشعر بالحزن والأسى على فكر نيلسون مانديلا الذي سنحت له فرصة ذهبية للتعرف عليه عن قرب.

"أقول جازماً أنه كان سيحزن حزناً عظيماً لو رأى بعينيه أن بلاده القوس قزح لم تكن مضيافة كما كان يريدها ويتمناها".

بالمقابل، ذكر كيف أن بلداً صغيراً مثل الراواندا يستقبل اليوم لاجئين من جنوب جنوب السودان ويعاملهم بكل احترام. لذا يتعيّن على البلدان الأوربية أن إدراك أن بعض البلاد الأفريقية مضيافة أكثر منهم.

وسأل: "هل استضاف العالم العربي اللاجئين بشكلٍ كافٍ".. بعدها أجاب بنفسه: "هذه قضية حقيقية يجب التعمّن بها".

من جهةٍ أخرى، وفي ظل التطرّق إلى قضايا البلدان العربية حالياً، حيث تكثر الاشتباكات والاختلافات والاصطفافات. سألنا جاك لانغ عن دور العالم العربي وسط هذا المحيط الساخن. فقال: "نطبّق في معهد العالم العربي مفهوم الحرية كقانون يتيح للجميع أن يطرح وجهة نظره التي نحترمها بكل تأكيد. وليس هناك توجّه رسمي فأنا لا أمثّل حكومة. المبدأ هو فتح الباب في المنتديات والفعاليات ـ وهي عديدة ـ لشخصيات مختلفة الآراء ومختلفة الأصول والمذاهب والانتماءات. أحياناً نتطرق إلى بعض المواضيع البركانية مثلاً الأوضاع في اليمن، في العراق وكثير من المواضيع الراهنة.

معهد العالم العربي ليس لديه عقيدة رسمية في نقل ما يحصل في العالم العربي إلى الجمهور. هو إطار ثقافي وفكري وفني للحوار بين الجميع".

الثقافة لا تموت

أزمات كثيرة لا يُستهان بها يعيشها الإنسان المعاصر اليوم، ويختلط فيها الشأن السياسي والاقتصادي والثقافي مع الاجتماعي. هذا ما أشار إليه جاك لانغ في حوارنا معه. لكن وبالرغم من كل ما سبق لم يظهر يأساً على الإطلاق مؤكداً أنه لا يتفق مع نظرية أو مصطلح "موت الثقافة" التي أرعبت كثيرين من المثقفين والمعنيين بالشؤون الثقافية.

معهد العالم العربي ليس لديه عقيدة رسمية في نقل ما يحصل في المنطقة إلى الجمهور. هو إطار ثقافي وفكري وفني للحوار بين الجميع

وفسّر قائلاً: "بشكلٍ عام أنا أتحفظ جداً تجاه إطلاق المصطلحات الكبرى والتعميمات. عندما ظهرت السينما قالوا وقتها مات المسرح والأدب. وعندما ظهر التلفزيون قالوا ماتت السينما وإلى ما هنالك.. من طبيعة الحال أن الفنون الجديدة والوسائط التكنولوجية الحديثة تغير من المشهد الحالي. إلا أن هذا لا يعني أن الثقافة ستموت أو تختفي. ربما أنا متفائل من النوع الذي لا يصدأ"..

وأضاف: "ما يمكن أن يثير القلق بعض الشيء وتحديداً في أوساط الشباب أنهم يخضعون لضغط هائل من وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجماهيرية، فيخسرون ظاهرة القراءة والمطالعة لأن الوقت لديهم يكاد يكون ملتهماً كلياً. ومن المستحب أن تقوم الحكومات والسياسات التي تتحلى بالطموح في أن تعيد للكتاب حضوره وأهميته ضمن المشهد الثقافي الراهن. وذلك ليس من خلال اساليب فوقية أو ترهيبية إنما من خلال تحفيز الرغبة. مثلا أن نساند طلاب في الثانوية لإنشاء الفرق المسرحية، أو يمكن عبر اللعب للطلاب الصغار أن يكتسبوا ملكة اللغة والقراءة. التربية ليست بالضرورة شيء مرادف للضجر. إذا أردنا لأبناء الجيل الحالي أن يستعيدوا ذائقة القراءة والبحث لا بد من ثورة تربوية جديدة".

هل تنقذ الثقافة الإنسان؟

الحوار مع جاك لانغ حول الثقافة لا ينتهي، دائماً يوجد لديه ما يُقال. فهل يا ترى يمكن للثقافة أن تنقذ الإنسان المعاصر اليوم؟ من الضياع.. من التلاشي.. من الموت؟

"ربما.. إلى حد ما.. ليست وحدها"..

هذا ما قاله مبيناً أن الثقافة يجب أن تعمل جنباً إلى جنب مع ظروف الحياة الأخرى، والتي يجب أن تكون ذات مستوى لائق. على سبيل المثال نشاهد كيف تشعل الفروقات الشاسعة بين المستويات الاجتماعية الثورات في كل أنحاء العالم. المواطنون ينتفضون حيال استئثار الثروات من قبل فئات محددة دون سواها. في تشيلي، بيروت، الجزائر، حتى في فرنسا . إذاً هناك حراك اجتماعي قوي في كل بلدان العالم وإلى حد ما هذا الحراك هو نوع من التربية أو التعلّم بالنسبة لمن يشارك به.. يتعلّمون كيف يناضلون معاً كيف يشاركون معاً. هي تربية مدنية تعمل على تنمية الحس الوطني لدى الشعوب.

وفي تتمة كلامه عن الثقافة التي هي فن الاتصال بالآخر و فن التبال والحوار. تحدّث عن التجربة الفرنسية وعن نضاله منذ أن كان وزيراً وإلى يومنا هذا لإدخال الثقافة والفن إلى المدارس كمواد إجبارية، لأنهما يرتقيان بالفكر الإنساني وبالروح أيضاً. هما علاج ناجع ضد العنف. يشجّعان على التسامح. هذه ليست ضمانة مطلقة لكنها يمكن أن تساعد بالطبع.

"كل إنسان سواء كان مثقفاً أم لا تعبره نزعات متضاربة. جزء فينا موجّه نحو التمدّن والإنسانية والتواصل الحضاري. وهناك جزء آخر قد ينحى منحى البربرية إن لم نتداركه. كيف نتدارك هذه البربرية في النفس البشرية دون الفن والثقافة. وإذ يذكر التاريخ كيف أن الإنسان لم يكن مسالماً دائماً، يكون التقدم الحقيقي الذي لا بد أن ننجزه في العالم كله.، هو كيف نجعل أفضل ما في النفوس البشرية يتصدّر ويبرز إلى الوجود؟".

إنجازات كثيرة

يشهد تاريخ السيد لانغ على الكثير من الإنجازات الثقافية التي عكست ما يؤمن به من أفكار تعنى بالإنسان وتقف معه ضد الهيمنة بأي شكل كانت. ولعل "عيد الموسيقى" الذي ابتكره في ثمانينيات القرن الماضي، ما زال شاهداً إلى اليوم على إيمانه بأن للفن رسالة إنسانية سامية يجب أن تصل إلى جميع البشر.

وقال شارحاً: "عندما فكّرت بحدث يجمع الناس كلهم في حوارٍ ثقافي متبادل على أرض فرنسا، لجأت مباشرةً إلى الموسيقى باعتبارها اللغة التي تمكّننا من التواصل مع الآخرين بكل سهولة. إنها لغة خاصة تبني جسوراً فورية بين البشر مهما تعدّدت جنسياتهم واختلفت لغاتهم. وعلى الرغم من أني أحبّ السينما وأعشق المسرح إلا أنهما يتطلّبان معرفة لغة معينة دون سواها، بالإضافة إلى معلومات أخرى كثيرة قد لا يجتمع كثيرون على معرفتها. أما الموسيقى فنجدها مزروعة فينا بالفطرة".. 

وبالفعل استطاع عيد الموسيقى أن ينتشر خارج حدود فرنسا ويصل إلى جميع أنحاء العالم، متحولاً إلى ظاهرة ثقافية وفنية دولية تجتاح الشوارع والساحات في كل صيف. ولم يوفّر جاك لانغ الفرصة في أن يستغل شهرة هذا العيد وما للموسيقى من سطوة على الروح الإنسانية، في إحيائه للغة العربية من جديد، إذ يؤكّد: "هنا في معهد العالم العربي قدّمنا العديد من الفعاليات والبرامج والأنشطة التي تجمع بين الموسيقى واللغة العربية سواء ضمن احتفالية عيد الموسيقى أو في برنامجنا السنوي بشكل عام. ولطالما استقبلنا كثير من الفرق الموسيقية التي عزفت أمام جمهورنا المتنوع الموسيقى العربية على اختلاف أنماطها ومقاماتها، وكثير من المغنين الذين غنّوا أغانيهم باللغة الدارجة وباللغة الفصحى. بالإضافة إلى أننا نحتفل في يوم اللغة العربية بالأطفال الذين ينشرون بهجة هذه اللغة بأصواتهم الغنائية. مع العلم أن المعهد ينظّم أمسية شعرية سنوياً تستمر من الساعة السابعة مساءً وحتى الساعة السابعة صباحاً، تمتزج فيها اللغة بالأغاني بالموسيقى بالمسرح وبغيرها من الفنون". 

أكافح مع الأصدقاء ليتم الاعتراف باللغة العربية بشكل كامل ولتدرّس جيداً أفي المدارس الحكومية. ومن أجل هذا الغرض ابتكرنا شهادة "سمة" الشهادة العالمية لإتقان اللغة العربية

في الختام كان لا بدّ من تسليط الضوء على شهادة "سمة" في تحديد مستوى إتقان اللغة العربية في معهد العالم العربي، وما أثارته من صخب في الأوساط الثقافية والإعلامية عربياً وفرنسياً وعالمياً. والتي بدأ حديثه عنها بـ"أنا منذ عهد بعيد من المناضلين الأشاوس لإتقان عدة لغات. عندما كنت وزيراً للتربية شجّعت تعدّد اللغات في المدارس للأطفال في سنينهم الأولى. ولا سيما تعلّم اللغة العربية التي عملت على إدراجها كواحدة من اللغات الاختيارية التي يستطيع الطالب اختيارها ودراستها، بالإضافة إلى أني أوجدت عدة مناصب من اجل توفير مدرّسين للغة العربية. إنها من اللغات الهامة عالمياً وواحدة من اللغات الستة في الأمم المتحدة. وإذا ما تحدّثنا عن فرنسا تحديداً، أجد أنه ليس من الطبيعي ألا تدرّس هذه اللغة بالقدر الكافي في مدارسنا".

وأكّد: "في معهد العالم العربي أكافح مع الأصدقاء ومن بينهم السيدة ندى يافي مديرة مركز اللغة والحضارة في المعهد،  ليتم الاعتراف باللغة العربية بشكل كامل ولتدرّس جيداً أفي المدارس الحكومية. ومن أجل هذا الغرض ابتكرنا شهادة "سمة" الشهادة العالمية لإتقان اللغة العربية داخل المعهد. إنها من التدابير التي زادت الاهتمام باللغة العربية وجعلت الاعتراف بها أكثر قوة. ويمكن اعتبارها مثل التوفل باللغة الإنكليزية. مع العلم أننا نحاول نقل اختبارات تحديد المستوى في إتقان العربية إلى العالم بأسره".

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات