في وقت تستعد الجزائر لصياغة دستور جديد للبلاد من دون المساس بـ "الثوابت"، وهي الدين واللغة ونشيد البلد وعلمه، أقر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بتنامي خطاب الكراهية والعنصرية على أساس "عرقي"، ليأمر بإعداد قانون يجرم هذه المظاهر.
وأعلنت الرئاسة أن "هذا الإجراء يأتي بعدما لوحظ ازدياد خطاب الكراهية والحثّ على الفتنة، بخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي". كما يأتي "لسدّ الباب في وجه أولئك الذين يستغلون حرية وسلمية الحراك برفع شعارات تهدّد الانسجام الوطني".
وختم البيان يقول إن "الجميع مطالبون بالتقيّد بالدستور وقوانين الجمهورية، لاسيما في ما يتعلّق باحترام ثوابت الأمة وقيمها، والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية ورموز الدولة والشعب".
قطرة أفاضت الكأس
قبل صدور بيان رئاسة الجمهورية ببضع ساعات، كانت وزارة الثقافة في البلاد تعلن إنهاء مهام مسؤول محلي (مدير الثقافة في محافظة المسيلة) بسبب منشور له على "فيسبوك"، يتهم فيه المجاهد في الثورة الجزائرية عبان رمضان بـ "الخيانة"، بل ويعتبر "مؤتمر الصومام" الذي مهد لهيكلة الثورة الجزائرية عام 1956 بداية "الخيانة الحقيقة".
إزاء هذه الأحداث أبدت الحكومة ممثلة في وزارة الثقافة صرامة وسرعة في التعاطي مع المنشور بإنهاء مهام صاحبه فوراً.
تمييز عنصري تغذى في الحراك
المنحى السلبي والمتسارع لأوصاف "الكراهية والعنصرية" ليست نتاج قصور قانوني أو غياب التفعيل للنصوص القليلة الموجودة في دستور البلاد وقانون العقوبات فقط، فمسار الحراك الشعبي أورث تقسيمات عنصرية على أساس اللغة واللهجة.
يصف الخبير الدستوري موسى بودهان مبادرة الرئاسة الجزائرية لـ "اندبندنت عربية" بأنها "تستحق المباركة والثناء لمحاربة التفريق العنصري على أسس دينية مناطقية وعرقية. لقد طفح الكيل فعلاً، فهي تثير نعرات وفتناً كنا ظننا أن الجزائر تجاوزتها". وأضاف بودهان "هناك من يغذي تقسيم الجزائريين على أساس عرقي، عربي أو قبائلي أو ميزابي أو شاوي، وهو تصنيف يعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي في سياق خطة تفرقة الجزائريين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا القانون "وجب أن يردع هذه الخطابات والمصطلحات التي تضر بالوحدة واللحمة الوطنيتين. فقانون العقوبات يحمل ثغرات واختلالات، وهو حتماً سيتدعم بنصوص جديدة، فالأمور لم تعد تتعلق بالمسائل الشخصية، بل تجاوزتها إلى شرف عائلات وأسر وصولاً إلى التاريخ والنظام ورموز الثورة والوطن".
ويعود بودهان إلى وصف أسباب تفاقم اللهجة العنصرية بالتزامن مع جمعات الحراك الشعبي، قائلاً إنه "مع الأسف تم تحويل الحراك في فترة ما عن مقاصده النبيلة. هناك من استغله لأغراض سياسية أو لأجندة مناطقية على أسس عرقية ولغوية. سمعنا تصنيفاً مقيتاً على أسس عرقية، وسمعنا كلمة زواف مثلاً، التي باتت مرجعاً ضد منطقة القبائل وتحولت إلى أكبر رمز للعنصرية".
أما بشأن المرجعيات التاريخية، فيقول "إذا تحدثنا مثلاً عن رموز الثورة التحريرية فحتى قانون المجاهد والشهيد غير مفعل 100 في المئة، لاسيما المادة 64 منه التي تشير إلى إنشاء مجلس أعلى للذاكرة، الذي بقي حبراً على ورق، على الرغم من صدور القانون عام 1999".
مصطلحات تتحول إلى قاموس
بشكل غير متوقع تطورت لهجة جديدة ما بين عموم الجزائريين عبر وسائط التواصل الاجتماعي تجتهد في توصيف أنصار خيارات سياسية على أساسات عرقية تنتقص من قيمة كل طرف. فبعدما ظهر مصطلح "الزواف" الموروث عن قصة تاريخية مشكوك في صحتها وتخص فئة من الجنود "القبائل"، الذين كانوا أول من قاتل في صفوف الجيش الفرنسي في السنوات الأولى لاحتلالها الجزائر عام 1830، برزت لغة إضافية أثرت "القاموس العنصري". فتم توصيف المعادين للمسار الانتخابي في فترة الحراك بـ "الزواف" أو "المبردعين"، تعبيراً عن "البردعة التي يركبها أياً كان فوق الحمار". في المقابل، وجه لأنصار المسار الدستوري نعت "الرونجارس (حذاء الجنود)".
ثم تطورت اللغة لتكشف عن مناطقية في تصنيف الجزائريين بين "القبائل، أولاد نايل وصولاً إلى السكان الأصليين وقصة الإسلام في فجر التاريخ"، لتصل آخر درجاتها بمناسبة الانتخابات الرئاسية، إلى إطلاق وصف "الأصابع الزرقاء" على المصوتين فيها، وهي "كناية عن أثر الحبر الأزرق على الأصابع أثناء التصويت".
صدمة انتقال في التعبير السياسي
من الناحية السياسية، يترجم أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر محمد خوجة لـ "اندبندنت عربية" تبعات هذه اللغة الجديدة في المجتمع، قائلاً "أهم ما يمكن تسجيله في هذا المجال هو الانزلاق إلى مستويات القذف والمساس برموز وطنية، وتناول المجال الديني من دون التقيد بالحد الأدنى من الاحترام الذي يتطلبه، وبعض الأحيان الاندفاع نحو التراشق الذي يؤثر سلباً في مكونات الأمة الجزائرية".
من هذا الباب وحصراً للمآسي التي تطال لحمة الجزائريين منذ بضعة أشهر، يوضح خوجة أن "هذه التجربة تؤشر إلى صدمة انتقال التعبير السياسي في الجزائر بشكل سريع ومكثف، من الوسائل التقليدية إلى مواقع التواصل الاجتماعي".
ومع ذلك، فإن رأياً آخر يخشى أن يتحول هذا القانون إلى سيف على رقاب ناشرين ومدونين. فيلفت المحامي عمار خبابة الانتباه إلى ضرورة وضع "ضوابط قانونية واضحة تساعد على التفريق بين حرية التعبير ونشر العنصرية وخطاب الكراهية، فلا يجب أن يكون هناك تقييد لحرية التعبير ويجب سن قانون يخدم الجزائريين ويحمي لحمتهم الوطنية ويحارب العنصرية من دون المساس بمبدأ حرية التعبير".